هنالك نظرية تقول أن كل أخطاء المعارضة تتحمل مسئوليتها الحكومة لأنها حرمتها من (الأجواء الديموقراطية) لممارسة نشاطها وبذلك صارت الأحزاب ضعيفة ومحطمة كما أن الحكومة (المقصود هنا الحزب والحركة الإسلامية) خططت لتمزيق الأحزاب وتحطيمها. هذه النظرية صحيحة ولكن بنسبة أقل بكثير من أن تصلح بها الحكومة شماعة للأحزاب ولفشلها المستمر وذلك للأسباب التالية: 1- الإنشقاقات سمة في الحياة السياسية السودانية لم تنج منها ولا حتى الحركة الإسلامية ذاتها التي انشقت لشعبي ووطني فهل يا ترى خططت الحركة الإسلامية لشق نفسها أم أنه ذات المرض الذي أصاب الإتحاديين بعد تسعة أشهر من إستقلال السودان فانشقوا إلى حزب الشعب الديموقراطي والحزب الوطني الإتحادي... لاحظ أن الإتحاديين اندمجوا بعدها في (الإتحادي الديموقراطي) ولاحظ أن رئيس وزراء (حزب الأمة) سلم السلطة للعسكر حتى لا تذهب للإتحاديين... هي أمراض قديمة تجددت في عهد الإنقاذ وأصابت الإنقاذ ذاتها لذلك لا يمكن أن تصلح الإنقاذ لدور الشماعة. 2- من حق الأحزاب إتهام الحكومة بالتضييق على الحريات ولكن هنالك تجارب لمؤتمرات عامة ناجحة جدا لحزب الأمة وللحزب الشيوعي السوداني وللمؤتمر الشعبي وهذا ما يجعل الإتحاديين (مثلا) يتحملون مسئولية عجزهم عن عقد مؤتمر عام قوي... لاحظ أنهم شاركوا الحكومة وصاروا (حكومة) ويتعللون بالحكومة ويتخذونها شماعة لتقصيرهم. 3- من حق الأحزاب أيضا مواجهة الحكومة ولكن هذا لا يبرر إتخاذ المواقف المعيبة والسيئة مثل التردد في إدانة العدوان على هجليج والتسابق لنيل الرضى من قادة الحركة الشعبية في جنوب السودان ظنا انهم مفتاح الرضا من المجتمع الدولي ليكتشفوا لاحقا أن دوائر عديدة في المجتمع الدولي لم تعد راضية عن الحركة الشعبية وحكومة الجنوب... وما يحدث من نشر واسع في الصحافة الأمريكية عن أحداث جونقلي وإتهام الجيش الشعبي بها وعن الفساد في الجنوب وعن ثورة (مبيور جون قرنق دي مبيور) على حكومة الحركة الشعبية كلها مؤشرات تدل على موقف أمريكي جديد. 4- لدي حكمة نفعني بها الأستاذ محجوب عروة وهي قوله "إن ما قدمته الصحف السودانية والصحافيون للحريات والإنفراج السياسي كان أعظم بكثير مما قدمه السياسيون... وما خسرته الصحافة والصحافيون والناشرون أعظم بكثير مما خسره السياسيون"... وحديث محجوب صحيح مئة بالمئة... الصحفي يزاول عمله يوميا ويساهر حتى الواحدة ليلا لينشر تصريحا لشخص معارض ويدفع الصحفي الثمن، بينما تناقش الحكومة هذا القيادي المعارض وربما يشاركها لاحقا والصحفي ما زال في مهنته الطاحنة يعاني فيها ويقاسي من أجل الحريات العامة والحقوق المدنية. حقيقة تحتاج الأحزاب السياسية لمراجعة ادائها وعقد مؤتمراتها بإنتظام وزيادة رقعة الديموقراطية داخلها لتكون نموذجا يقارنه المواطن مع هذه الحكومة (الشينة) في أعين المعارضة ولكن حقيقة الحكومة الآن أقل قبحا من المعارضة بكثير... هذا في جانب التنظيم السياسي وحركة الإحلال والإبدال المستمرة ودرجة النقد الذاتي. ولكن أيضا تبقى على الحكومة مسئولية كبيرة فهي يجب أن تساعد الأحزاب وتقف معها بقدر مواقفها الوطنية.