من بينها تعليق العمل مؤقتاً بسفارتها بالخرطوم .. كندا.. هل اتخذت القرارات الصحيحة..؟! * بقلم: ماهر أبوجوخ اتخذت كندا في الآونة الاخيرة قرارات متصلة بملفها الدبلوماسي كان أولها اعلانها تعليق العمل مؤقتاً في بعض سفاراتها بالخارج عقب التظاهرات التي شهدتها عدد من البلاد الاسلامية والعربية احتجاجاً على فيلم (براءة المسلمين) الذي اعتبره المسلمون مسيئاً لهم ولرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم، أما الاجراء الثاني فكان قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران على خلفية البرنامج النووي الايراني واستمرار تهديدها لاسرائيل ودعمها للنظام السوري. واصدرت وزارة الخارجية توجيهاتها بتعليق العمل بشكل مؤقت لعدة ايام في ثلاث من مقارها الدبلوماسية بعواصم مصر وليبيا والسودان وذلك على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها التظاهرات الغاضبة على فيلم (براءة المسلمين)، والتي كان اعنفها الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي والذي اسفر عن مقتل السفير الامريكي بليبيا وثلاثة امريكين آخرين، وتعرض اجزاء من السفارة الالمانية بالخرطوم للحرق من قبل بعض المتظاهرين. ونقلت وكالة (فرانس برس) عن ريك روث المتحدث الرسمي باسم وزير الخارجية الكندي جون بيرد أن هذا الاجراء "وقائي ولضمان حماية الموظفين الكنديين في الخارج"، مبيناً أن حكومة بلاده "تتعامل بجدية كبيرة" مع أمن طواقمها وبعثاتها في الخارج. الاجراءات الاحترازية في السفارات الثلاث التي تم اتخاذها يمكن النظر لها باعتبارها صائبة استناداً لحالة الانفلات الناتجة عن الغضب الشعبي في ظل وجود اطراف سعت لتوظيف حالة الغضب تلك لخدمة مصلحة اجنداتها السياسية بتوجيه ضربات لبعض الدول التي تصنفها في خانة العداء. وبشكل ادق فإن تلك الجهة المقصودة هي تنظيم القاعدة والمتعاطفين الذين تصاعد نشاطهم نشطوا خلال تلك الاحداث ونجحوا في احيان عديدة في حرفها عن مسارها بما يجعلها تتوافق مع اجنداتهم، ولعل هذا هو العنوان الأبرز لما شهده مبنى القنصلية الامريكية ببنغازي ومقر السفارة الالمانية بالخرطوم. لم تُضِع القاعدة والمتعاطفون معها هذه السانحة ولذلك فقد شرعوا في تحقيق مآربهم السياسية والأمنية لتحقيق انتصارات معنوية في هذا التوقيت المفصلي للتنظيم الذي يعاني من تراجع ادواره وافول نجمه جراء تراجع خطابه السياسي والجهادي نتيجة التحولات التي انتظمت المنطقة، في ذات الوقت الذي اهتز فيه بناؤه التنظيمي عقب الضربات العنيفة التي تلقاها في اكثر من موقع خلال الاعوام الماضية وعلى رأسها مصرع زعيمه ومؤسسه اسامة بن لادن وقيادات اخرى بارزة في اليمن والصومال والخلل الواضح في شبكة اتصالاته الداخلية بين منسوبيه والتي وضح تأثرها بشكل كبير باتت فيه خلاياه اشبه بالجزر المعزولة على عكس طبيعته في اوائل القرن الحالي بمقدرة قيادته على توجيه وتنسيق التحركات بشكل متكامل. فالاجواء الاخيرة الغاضبة التي سادت العالمين الاسلامي والعربي مثلت سانحة ذهبية للقاعدة والمجموعات المتعاطفة معها لتنفيذ تلك المخططات بغرض اظهارها وتسويقها مجدداً و"إعادة ثقة" في تنظيم القاعدة واطروحتها بغرض تجاوز النكسة السياسية الكبرى التي اصابتها جراء انتصار ثورات الربيع العربي والتي اثبتت فيها شعوب المنطقة فاعلية وجدوى التغيير بالآليات السياسية والشعبية دون اللجوء للعنف المسلح الذي ظلت القاعدة تنتهجه وتعتبره الوسيلة والخيار الوحيد لشعوب المنطقة للتخلص من قبضة حكامها الشمولين. وينظر لكندا باعتبارها طرفا اصيلا في التحالف الدولي المشارك في حرب افغانستان والتي انتهت بهزيمة طالبان والقاعدة وإعادة تشكيل وبناء افغانستان، ولذلك فإن المخططين الرئيسيين للقاعدة لن يتوانوا -في حال اتيحت لهم الفرصة- في توجيه أي ضربة موجعة الكنديين لتحقيق اكثر من هدف، فبخلاف الجانب الامني والمعنوي فمن بين الاهداف المراد تحقيقها زعزعة موقف الرأي العام الكندي حيال الحرب التي تخوضها قواتهم وقرار بلادهم مساندتهم لحلفائهم في افغانستان في الحرب ضد الارهاب. استناداً لهذه المعطيات وأبعادها السياسية والامنية فإن قرار وقف العمل في سفارات القاهرة وطرابلس والخرطوم قد نجح طبقاً لما هو سائد بالمنطقة من إبعاد شبح الخطر مؤقتاً عن البعثات الدبلوماسية بتلك المناطق الساخنة، إلا أن التحدي الحقيقي والاساسي على المدى البعيد بالنسبة للحكومة الكندية هو ضمان ابتعاد هذا الخطر بشكل دائم والحيلولة دون حدوثه. من الضروري تكملة تلك الاجراءات الوقائية المتصلة بالمقرات والبعثات الدبلوماسية وتعزيزها لتشمل ضمن مكوناتها سلامة الافراد والمواطنين –خاصة الذين يتواجدون أو يتحركون بتلك البقع الساخنة والمضطربة- سيما أن القاعدة أو الجماعات ذات الصلة بها تنتهج تكتيكات تجاه الدول المصنفة ضمن خانة العداء بالتحرك في المساحات المرتبطة بها دون فصل بين موظفيها الرسميين أو مواطنيها، فالوصول لأي منهما يحقق الغاية بإصابة تلك الدولة في مقتل التي يعتبر موظفوها أو مواطنوها بدرجة واحدة من الاهمية. بخلاف قرار وقف العمل المؤقت بتلك السفارات الثلاث الذي تم الترحيب به أو يثير خلافات في وجهات النظر، فإن صدور القرار الخاص بإغلاق السفارة الكندية بالعاصمة الايرانيةطهران وطرد جميع الدبلوماسيين الايرانيين من الاراضي الكندية وقطع العلاقات بين البلدين افرز بدوره تبايناً في الآراء بالساحة الكندية ما بين مؤيدين له باعتباره ردا عمليا وقاسيا ومباشرا حيال المسلك الايراني الداعم لعدم الاستقرار في المنطقة، ومعارضين له ينظرون للموقف بوصفه ليس افضل الخيارات المتاحة، فيما عبر آخرون عن قلقهم من امكانية أن يكون القرار بمثابة تمهيد استباقي لعمل عسكري موجه ضد طهران. من بين التبريرات الرسمية التي استوقفتني هو ما ذكره اندرو ماكدوجال كبير المتحدثين باسم رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر حيال هذا القرار حينما اشار لخشية بلاده من تحول موظفيها العاملين في طهران لرهائن جراء أي نزاع ينشب. وعلق بقوله:"شعر رئيس الوزراء ووزير الخارجية أنه لا يمكنهما ضمان سلامة دبلوماسيينا هناك لذا اخرجناهم". صحيح أن تلك النقطة التي اشار لها ماكدوجال –رغم عدم تقديمها وعرضها وايرادها ضمن الحيثيات الرسمية للقرار الكندي- ولكنها بدت في نظري بمثابة بيت القصيد والدافع الاساسي لهذه الخطوة حالياً اكثر من أي وقت مضى، فالتهديد الايراني لاسرائيل حليفة كندا هو امر مستمر ولم يتوقف -وربما لن يتوقف في ظل وجود النظام الايراني الحالي-، وذات الامر ينطبق على البرنامج النووي الايراني أو دعم النظام السوري الحالي .. بشكل دقيق لا جديد في هذه القضايا يستوجب الإقدام على إغلاق السفارة الآن بالاستناد على تلك الحيثيات. لذلك دعونا نطرح التساؤل الأساسي والرئيسي حيال هذا الأمر على نسق "ما هو التطور الجديد والخطير الايراني المستجد حيال جميع تلك الملفات أو اي منها والذي حتم اصدار قرار بإغلاق سفارتنا وقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران ؟!" والاجابة "لا جديد" وهو ما سيقودنا لطرح تساؤل آخر "إذا لماذا الآن وبهذه المبرارات ..؟!". في تقديري أن الاجابة على هذا السؤال ستقودنا لنقطة أساسية ومفصلية تتلخص في أن جميع ما ذكر من مبررات فهذه الخطوة الدبلوماسية ليست سوى "مرافعة سياسية" لمخاطبة الرأي العام المحلي والدولي ثم حشد جميع القضايا ذات الصلة في محتويات تلك المرافعة لضمان حظوها بالقبول من الجميع وعدم الاعتراض عليها وصولاً للهدف النهائي. ولعل مسلك الساسة ومتخذي القرار في هذه الجزئية قد لا يختلف كثيراً عن منهج بعض مدربي كرة القدم الذين يهتمون بالنتيجة بغض النظر عن أداء فريقهم للمباراة فكل ما يعنيهم هو الفوز، ولذلك فإن منهجي الطرفين يتفقان في سعيهما لبلوغ النتيجة المرجوة وتحقيقها دون امعان في التفاصيل المتصلة ب"كيف يحدث هذا ؟" تأسيا بمقولة "العبرة بالخواتيم". لتحديد جدوى القرار الاخير بقطع العلاقات مع طهران فإن ذلك يستوجب ربط الحيثيات بالنتائج، فالمبرارت القائمة على صلته بالبرنامج النووي الايراني والتهديد المستمر لاسرائيل والموقف من سوريا باستجلاء أي تحول ايراني في مسار تلك القضايا أو بعضها، يجعلنا ننظر للوقائع على الأرض حيال هذه القضايا والتي توضح الآن بشكل مبسط "الحياة تمضي كما كانت" ولذلك علينا أن نخلص إلى أن الاستراتيجية التي تم اتباعها في هذه الحالة "غير فاعلة" لأنها لم تفض لتحولات في موقف الجهة المستهدفة أو ادت لاهتزازه بشكل جعلته يفقد السيطرة على الاوضاع وافلات زمام الاوضاع من بين يديه. في حال تعاطينا مع قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران باعتباره سعيا بشكل أساسي ورئيسي –وإن لم يعلن عنه- لحرمان طهران من استخدام الطاقم الدبلوماسي الكندي هناك ك"رهائن وكروت ضغط" للتأثير على دور وموقف بلادهم حيال القضايا المختلفة بالمنطقة عموماً والقضايا ذات الصلة بطهران، فيمكننا القول وقتها إن تلك الاستراتيجية قد نجحت في تحقيق هدفها، مع ضرورة الاشارة هنا لأهمية أن لا يختزل الأمر في الشق الوقائي وضرورة اتباعه بإجراء لاحق يهدف لإحداث تحول يقود طهران للتراجع في جميع تلك الملفات او بعضها. من المهم للحكومة الكندية ولجهات صنع القرار السياسي و الدبلوماسي -وبغض النظر عن التبرير الحكومي الرسمي لقرار قطع العلاقات أو التحليل بأن دافعه منع استخدام الدبلوماسيين كرهائن- التأكد من أن فاعلية قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل يجعل افرازاته ونتائجه تظهر على السطح بشكل يجعل "الأوضاع تتغير وتتحرك نحو الافضل"، وهو ما يستوجب ادخال تعديلات اساسية ورئيسية على تلك الاستراتجية بغرض زيادة فعاليتها يفضي لجعلها اكثر تأثيراً وفاعلية تحقق الهدف النهائي في كل أو بعض تلك المسارات. اتخاذ تلك الخطوات سيجعل قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران مجدياً وذا قيمة وجدوى، أما خلاف ذلك فإن هذا الموقف ورغم ما ناله من زخم واحداث من ردود فعل لن يكون في محصلته النهائية الا بمثابة "فرقعة العاب نارية يتلاشى اثرها بانتهاء صوتها وانحسار ضوئها". * ينشر هذا المقال بالتزامن مع صحيفة (اخبار العرب) الكندية.