عند بزوغ فجر الأمس، وبعد أدائي الفريضة، وترطب لساني بذكر الله، داهمني نعاس فاتر مباغت ودون استئذان، وقبل أن أغط في نوم عميق، اخترقت إذن جوالي المتلهف همسة خافتة هادئة، مترعة بفرح باذخ. إنه صوت ابني الشاب النضر الخلوق: "عادل غانم محمد أفندي". قال لي والغبطة تملأ جوانحه، وكأن ومضات من الفرح تتقاذف بين موجات صوته: "غدا أستاذي" ستنطلق أول زغرودة فرح بداري معلنة بمشيئة الله عقد قران ابني محمد علي كريمة عمه الشاب "ياسر"، انقبض لساني فرحا. ثم ساقتني قدماي المثقلتان بتضاريس الكهولة اللعينة، إلى دار "آل الأفندي وآل سائح" التي توشحت بحلة زاهية، وجنباتها تشع بشرا وترحابا بالحضور. جلست عند ركن قصي من صيوان "مناسبات الأمل" الفخيم، المنمق المموسق، اتخذت مكاني جوار صديق العمر "يس حامد يس"، والذي كست وجهه بقايا من تضارة الشباب. جلستي مع صديقي تعطرت بأريج ذكريات الزمن الجميل، بمسقط الرأس "الدويم" المحتشدة بالطرفة النادرة، والملح الألمعية، والأحداث الصاخبة بالقفشات. تاه بصري محدقا مليا، في ذلك الموج البشري النادر والفريد والذي كاد أن يقبض أنفاس صيوان الفرح: شيوخ، كهول، شباب وأطفال تقاطروا على دار الفرح دار "آل الأفندي" يحملون أغصان الوفاء، وسنابل الود لحفدة الأفندي لتواصلهم غير المسبوق". انتابتني وأنا أشاهد بأم العين ذلك المشهد المدهش الرائع، نشوة ذهول تارة، ونشوة انشراح وزهو تارة أخرى؛ وأرى الأهل والعشيرة يتجاذبون أطراف حديث الذكريات وهم في مؤانسة شجية طريفة علت الأصوات خلالها بالضحكات المجلجلة والقفشات الألمعية؛ وانسابت دموع الفرح. تراءت أمام عيني المرهقة لوحة ذهبية تحمل القيم Values السمحة والفضائل النبيلة التي عرفت بها الأم الرؤوم "الدويم": الترابط الأسري، اليد البيضاء، الحميمية، الأريحية والتكافل. فها هم حفدة "الأفندي" الأنقياء، الأتقياء الكرماء الشرفاء، وبدعوتهم الكريمة الحاشدة تلك لبني جلدتهم قد نفضوا الغبار عن تلك القيم وبعثوا الروح فيها. وهذه القيم التي تحتضنها قلوبنا، ولن تذوب ثلوجها رغم حمى الهجرة اللعينة قد ورثناها من سلفنا الصالح أفذاذ رجال الدويم وعظمائها الشوامخ. وهذا اللقاء البهيج المفرح أي: "زغرودة الفرح" أضفي على هذه القيم وضاءة وبهاءً، ولمت أسرة الأفندي الشمل ووحدت صف أبناء مسقط الرأس. شكرا "لعادل" القامة ابن الدويم البار، وشكرا لك ابني "ياسر" الشاب النضر التقي النقي.. وشكري لكل أهلي وعشيرتي بمدينة الدويم الذين تكبدوا مشاق السفر لترسيخ قيم التواصل الأسري.