أبرز مفاجآت تشكيل حكومة الخرطوم، دخول نائب رئيس المؤتمر الوطني محمد حاتم سليمان، الجهاز التنفيذي وزيراً دون أعباء ونائباً للوالي مع احتفاظه بمنصبه التنظيمي في الحزب، وهو الأمر الذي قوبل باعتراض من قيادات بارزة داخل اجتماع المكتب القيادي، وقد رفضت قيادات بارزة استمرار حاتم في منصب نائب رئيس الحزب أبرزهم الأمين العام للحركة الإسلامية بالولاية عبد القادر محمد زين ورئيس التشريعي عضو المكتب القيادي المهندس صديق الشيخ، الذي قال داخل اجتماع المكتب القيادي إن تجربة الجمع بين المنصبين صعبة واستدل بفترته عندما كان يشغل الموقعين وكان يواجه صعوبة في متابعة ملف الحزب وأضاف : (بصراحة ما كنت بقدر أجي الحزب بعد العصر) ، ومضى آخرون في اتجاه أن التجربة غير ناجحة واستدلوا بفترتي الشهيد الجعفري (كان معتمد رئاسة ونائب رئيس حزب) وكذلك اللواء عبد الكريم عبد الله بذات الصفتين وأشار أكثر من عضو بالمكتب القيادي ومنهم كذلك رئيس القطاع الاجتماعي الماحي خلف الله إلى أهمية إبعاد حاتم من منصب نائب رئيس الحزب الذي تساءل عن جدوى جمع حاتم للمنصبين والحزب ماضٍ في اتجاه انتخابات 2020 ، وأن وثيقة الإصلاح تتحدث على عدم الجمع بين المناصب، المفاجأة كانت أن ثلاثة معتمدين أعضاء المكتب القيادي رفضوا استمرار حاتم كنائب رئيس حزب وهم معتمد شرق النيل عبد الله الجيلي، أم بدة عبد اللطيف فضيلي وكرري الصادق محمد حسن وتحدث إنابة عنهم الجيلي الذي اعتبر اختيار حاتم بغير الموفق، ووصف تعيينه بالمربك دستورياً وقانونياً وسياسياً. وكان أثناء التداول حول حاتم والذي أعلنت أكثر من ست قيادات نسوية من عضوية المكتب القيادي رفضهن لاستمراره. ومن الرافضين عضو المجلس الوطني عمر عبد الرحيم بدر .. وكان الوالي قد طلب من حاتم مغادرة الاجتماع والبقاء خارج القاعة. الهجوم الكثيف والرفض الواسع لاستمرار حاتم في الحزب حسمه عبد الرحيم وبحسب المصدر بأن استحلف الحضور بأن يتركوا حاتم يستمر وكبر وهلل مما دفع رئيس المجلس التشريعي لرفض الخطوة جملة وتفصيلاً وبمنتهي الصراحة قال : (الوالي عاوز يأكلنا حنك). و رضخ الوالي للحضور بعدم إسناد ملف لحاتم بالحكومة وتعهد بأن يتركه مستمعاً بمجلس الوزراء، ليتابع مهامه الحزبية. ويلاحظ أن المؤتمر الوطني بهذه الخطوة استحدث وزارة جديدة، والتف على مخرجات الحوار الوطني بل نكص بها بالتنازل عن وزارة لتصبح المعادلة (أربع وزارات للوطني ومثلها للآخرين). علاوة على ذلك أن دستور ولاية الخرطوم يخلو مما يسمى ب (وزير مفرغ) ، ويكاد يكون الأمر بدعة سياسية من والي الخرطوم ونائبه. لم يدر الوطني، الولاية بالتركيبة الجديدة حيث كان في السابق على سبيل المثال الراحل محمد المهدي مندور نائباً لرئيس الوطني ولا علاقة له بالجهاز التنفيذي مما مكنه من متابعة السياسات التي ينزلها الحزب، على الحكومة، الآن بدخول حاتم الحكومة سيختلط الحابل بالنابل وإن كان البعض مثل الوالي السابق د. عبد الرحمن الخضر قد امتدح الخطوة في مداخلة له بمجموعة على (واتس آب) موسومة ب (وطنيون) ، مهمومة إلى حد كبير بقضايا الخرطوم. من مسالب الخطوة أن الوطني لم يراع أن شقيق حاتم، إدريس سليمان وزيراً للتعاون الدولي رغم أنه بالمؤتمر الشعبي ولكن في النهاية الاثنين إسلاميين وهو الأمر غير المهضوم لبقية التيارات وأشبة بلعبة تبادل الأدوار. تعامل عبد الرحيم بذكاء مع اختياره لمحمد حاتم، حيث سيضمن أنه حصن نفسه وصمم دفاعات حوله حتى لا تنتاشه السهام، وكان في السابق يصرف عنه الأنظار بحسن إسماعيل الذي كان تحت نيران الصحافة باستمرار وفطن حسن للأمر ووطد علاقاته مع الصحفيين وعاد للكتابة. أما الآن المعركة ستكون مع حاتم وليست مع الوالي والخطوة بلغة الجيش دفاعات متقدمة والمعركة بعيدة حيث حصن حسين نفسه بدائرة تأمين خارجية. وكذلك حصن الوالي نفسه بوزير الصحة الذي اعتاد أن (يشيل وجه القباحة) إنابة عن الحكومة أمام الإعلام. استبقاء المعتمدين .. حالة رفض كانت المفاجأة في توليفة حكومة الخرطوم هو احتفاظ المعتمدين السبعة بموقعهم ، (أحمد أبوشنب – الخرطوم) ، (مجدي عبد العزيز – أم درمان) ، (حسن أحمد حسن – بحري) ، (عبد الله الجيلي – شرق النيل) ، (جلال الدين .... – جبل أولياء)، (عبد اللطيف فضيلي – أم بدة) ، (الصادق ... – كرري). وربما تعد الحالة الأولى من نوعها بالبلاد بألا يطال تغيير حكومة ولائية معتمدي المحليات. وقد قوبل الوالي بانتقادات حادة داخل المكتب القيادي واستفسرت قيادات عن المبررات التي دعت للإبقاء على المعتمدين ولم تكن هناك إجابة من الوالي أو نائبه محمد حاتم سليمان. الخطوة أفرزت حالة غضب عارمة وسط مواطني الولاية، خاصة في ظل ضعف الأداء وقلة المردود، لدى عدد من المعتمدين وقلة حيلتهم في مجابهة مشكلات النظافة، وإصحاح البيئة والإسهام في تهيئة البيئة المدرسية وتحريك قواعد المجتمع والانفعال بمشاكله وقضاياه. واتضح أن حسين لم يلجأ لتغيير المعتمدين ، للخوف من المجهول خاصة وأنه ضمنهم في يده من خلال العمل معه لعامين كاملين، فضلاً عن ذلك أن محمد حاتم سليمان هو من أسهم في الإتيان بهم وكما يلاحظ أنهم قريبون منه لجهة أنهم ينتمون للمؤسسة العسكرية ولصيقون بها (معتمد الخرطوم،فريق ركن) ، معتمد بحري، لواء ركن) ، (معتمد جبل أولياء ، لواء)، (معتمد شرق النيل ، منسق سابق للدفاع الشعبي) ، و(معتمد أم درمان ، كان سكرتيراً له في بواكير الإنقاذ). ومن المعتمدين الذين كان يتوقع بقائهم بنسبة كبيرة جداً معتمد أم بدة فضيلي لجهة المشاريع الكبيرة التي أنجزها، من تخطيط لأحياء وتعبيد طرق وإنشاء مستشفيات ومراكز صحية، علاوة على شهادة الثقة الرفيعة الممهورة من رئيس الجمهورية الذي وجه الوالي بالإبقاء على فضيلي وإن كان الرجل قد أمضى فترة طويلة وكان الأوفق أن ينتقل لمنصب وزاري على أقل تقدير أو إلى منصب نائب رئيس الحزب أو نائب الوالي للخبرة التراكمية التي يتمتع بها. والمعتمد الثاني هو معتمد بحري الذي قطع شوطاً بعيداً في النظافة والبيئة وصلت مرتبة فرز أحياء ببحري للنفايات، إلى جانب تنظيم الأسواق ورفع مستوى التعليم، كما أنه عرف عن اللواء حسن قربه من المواطن وتواصله مع كل مكونات المجتمع حتى بائعات الشاي اللاتي كن في فر وكر مع المعتمدين مما خلق له أرضية كبيرة بالمحلية. الزراعة .. وزير من مواليد الأربعينات انصب انتقاد المكتب القيادي لخيارات الوالي حول ثلاثة أمور الأول الإبقاء على المعتمدين والثاني استمرار حاتم كنائب لرئيس الحزب أما الثالث فكان اختيار عمر عبد الوهاب وزيراً للزراعة حيث تفاجأ المكتب القيادي أن الوزير الجديد من مواليد العام 1946 وأنه كان في الستينات مفتشاً بمشروع الجزيرة وأجمع أعضاء المكتب القيادي أن الوزير الجديد لن يستطيع الطواف على المشاريع .. و لأول مرة يعمل بولاية الخرطوم وهو زراعي متخصص تربة بينما الخرطوم تحتاج لوزير اقتصادي لاعتمادها على الاستثمارات النوعية إما حيازات أو مشاريع بستانية والولاية تحتاج لمنظر اقتصادي يوازن بين الزراعة والبيطرة. وزير البنى التحتية .. من (الأمجاد) إلى (المواصلات) الاختيار الموفق كان لوزير البنى التحتية وهو العقيد ركن مهندس د. خالد محمد خير والذي كان مديراً لهيئة الطرق والمواصلات بالولاية وهو خريج تجارة جامعة القاهرة الفرع ثم خريج الكلية الحربية الدفعة (40) ومن أوائل دفعته ودرس لاحقاً الهندسة ومهتم جداً بالطرق ومؤهل وهو صاحب مشروع مدير شركة أمجاد (وسيلة النقل) التابعة للهيئة الخيرية للقوات المسلحة، وكان وقتها برتبة النقيب ووصف دفعته بالجيش العقيد ركن د. فتح الرحمن الجعلي اختيار خالد بالموفق وتوقع أن ينجز كثيراً من الملفات، وقال ل(السوداني) : خالد يفكر بشكل جيد ومنفذ متميز لأي عمل يوكل إليه، وهو رجل ميداني. وزيران تحت حماية الوالي مأمون حميدة .. استمرار المفاجأة كان المكتب القيادي انتقد استمرار وزير التربية فرح مصطفى وذلك للتدني في نتيجة الشهادة من 78% إلى 75% هذا العام ، ولكن الوالي أصر عليه. وكذلك تم انتقاد وزير الصناعة والاستثمار عبد الله بشكل عنيف وقوبلت عودته برفض واسع. أما بالنسبة لمأمون حميدة لم يتوقع أحد استمراره لجملة أسباب أنه أكمل دورتين، وبحسب مشروع التغيير الذي وضعه الوطني كان يفترض مغادرته، والأمر الثاني هو المشكلات التي خلقها حميدة مع الوسط الصحفي والطبي حتى مع المنتسبين للمؤتمر الوطني مما جعل الحكومة محل انتقاد ما أثر في شعبيتها، إلى جانب عدم نجاح تجربته في نقل الخدمة للأطراف وتدني الخدمة الطبية لمصلحة القطاع الطبي الخاص الذي يستثمر فيه حميدة بنسبة كبيرة. الملاحظ أن الولاية في عهد حسين تأثرت بعملية التغيير من ناحية زمنية لظروف ومشكلات ورغبة مواطنين في التغيير الإيجابي وأن تكون هي نموذج يحتذى بها ولكنها تأتي الآن في ذيل الولايات التي شكلت حكوماتها بحسب المتابعين. وتكررالأمر في المرة الأولى عندما أدار حسين الولاية بطاقم سلفه لخمسة أشهر مما أفقد الخرطوم روح المبادرة وإحداث التغيير. كما أن مشكلة الولاية تحولت من تحدي خدمات إلى صراع مؤسسات وعدم الانسجام بين كيانات الولاية المختلفة بدليل أن الأمين العام للحركة الإسلامية بالولاية كان يستفسر أثناء اجتماع المكتب القيادي عن أسماء مرشحين.