قضايا تعليم الأساس مُتعدِّدة ومُتداخِلة، وخلال العُقُود الثلاثة الماضية، صَدَرت قَرارات عَديدة أدّت إلى إضعاف العملية التربوية والتعليمية. التلميذ يدخل مرحلة الأساس وعمره ست سنوات أو أقل من ذلك، وهي مرحلة الطفولة التي يكون فيها التلميذ كثير الحركة، كثير اللعب، صغير الجسم، يصعب شد انتباهه، خَاصّةً بعد دُخُول الوسائط الحَديثة في كُلِّ بيتٍ من تلفزيون وموبايلٍ وغيرها، ومَا تحويه من برامج ترفيهيةٍ مُمتعةٍ وألعاب مُسلية وأغانٍ وأناشيد مُتحرِّكة، ثم يتم استيعابه في الصف الأول بمرحلة الأساس، الفصل به أكثر من خمسين تلميذاً في المُدن، ومن ثمانين إلى مائة تلميذ بالمدارس الريفية. هُنالك أهدافٌ عَامّة نسعى لتحقيقها لهذا التلميذ الطفل ومنها تعديل السلوك الإنساني لشخصيةٍ مُتكاملةٍ، وتنمية المدارك واكتساب المهارات والمعارف، من أهمها إكسابه مهارة الاستماع والقراءة والكتابة باللغة العربية، من هنا تدخل قضية المنهج وأهدافه العامّة والخَاصّة. والمُعلِّم الذي ينفذ المنهج وكتبه، وهو أهم العوامل في العملية التعليمية، لأنّه المُنفذ الميداني لكلِّ التّخطيط والأهداف. السؤال: هل تعد لنا كليات التربية لتعليم مرحلة أساس بالجامعات السُّودانية مُعلِّماً لطفل مرحلة الأساس؟ علماً بأنّ السنوات الأولى والثانية والثالثة بمرحلة الأساس (تُعرف بالحلقة الأولى) هي السنوات الأساسية لإكساب الطفل تعلم مهارة اللغة العربية استماعاً وتَحدُّثاً وقراءةً وكتابةً، بل هي بداية امتلاك التلميذ لمفتاح المعرفة والانطلاق لمعرفة كل العلوم.. (من هُنا أُناشد كل أسرة أن تختبر ابنها في هذه السن هل يستطيع أن يقرأ ويكتب؟ أو المُدرِّسة لحقّته أمّات طه؟). قطع شك أنّ كليات التربية لتعليم الأساس لا تعد معلماً لهذه السنوات المُهمّة في تعليم طفل مرحلة أساس.. والدليل على ذلك عملياً ما نعيشه في تلاميذنا بالأساس والثانويات وهُرُوبهم من الدراسة لعجزهم في القراءة والكتابة، ولطلابنا بالجامعات، والمُوظّفين والمُوظّفات بالمكاتب، والمُعلِّمين والمعلمات بالمدارس، والعاملين بالسوق والشركات لأخطائهم الإملائية واللغوية. أرى أنّ السبب هو عدم وضعف التدريب العملي للدارسين بهذه الكليات الجامعية التي نهلت من مال التدريب ومال الطلاب بلا رحمةٍ، عِلماً بأنّ المادة الدراسية بالحلقة الأولى في مرحلة الأساس بسيطة وتتركّز على تعلم نطق وقراءة وكتابة أحرف اللغة العربية، وتجميعها في كلماتٍ وجمل وقطع، ومبادئ الحِساب والدين، فهي لا تحتاج لمُحاضرات ومذكرات ودرس عصر، بل تكمن المُشكلة في كيفية توصيل هذا السهل المُمتنع لطفلٍ مشاغبٍ ملولٍ يحب اللعب والحلويات، الحروف والكلمات والأناشيد بالنسبة له أشياء جافّة غير جذّابة وغير مُسلية ولا تشد انتباهه وتُثير دَهشته وعبء ثقيل عسير الهضم، علماً بأنّ هذه البدايات البسيطة هي قاعدة أساس ذلك الهرم الكبير، ذلك الإنسان بقُدراته الهائلة. عليه، أرى إننا لا نحتاج في هذه المرحلة لمُعلِّمين حملة شهادات جامعية خاوية، ولا يتأفّف صاحبها من تدريس هذه الصفوف لأنّ بها أطفالاً صغاراً، يفتقد روح المُعلِّم، بل نحتاج لمُعلِّمٍ يعرف كيف يُوصِّل لنا هذه المادة البسيطة والأساسية لعملية التعلم المُمتدة، مُعلِّم يرحم الأطفال ويحب مُساعدتهم وتربيتهم، ويُحبِّب لهم المادة الدراسية الجَافّة، وكان هو مُعلِّم المرحلة الابتدائية. (وقبل أن تشرع الوزارة في فصل مرحلة الأساس إلى مرحلتين)، أرى أن نُطوِّر نهج بخت الرضا في إعداد مُعلِّم المرحلة الابتدائية والمُتوسِّطة بالوسائط الحديثة والوسائل المُتجدِّدة المُحبّبة للأطفال، وأن يكون المُعلِّم مُقتنعاً بدوره الأساسي في النهوض بالتعليم بدبلوم وسيط يؤدي رسالته كاملةً، مُقتنعاً بدوره المهم، وأن المادة الدراسية بهذه المرحلة تمهيدٌ وإعدادٌ للمادة الأساسية بالثانوي والجامعة، وأن نُعيد فتح كليات ومَعاهد المُعلِّمين والمُعلِّمات للمرحلة الابتدائية والمرحلة المُتوسِّطة، وننفخ الغُبار عن مَعاهد التأهيل التربوي، وأن تكون كليات التربية الجامعية لإعداد مُعلِّمي ومُعلِّمات المرحلة الثانوية لتوسُّع المادة الدراسية وصُعُوبتها ونضج الطالب.