وسط هدوء شديد وترقب وانتظار طويل، وما بين متخفٍ متجول وعابر بين تلك العمارات الشاهقة بمنطقة السوق العربي، تحف المكان حالة من الصمت الرهيب وجميع المحال التجارية يتم إغلاقها قسرا بأمر من السلطات وقتها، بينما تحتل تلك الأجهزة الأمنية والشرطية المداخل والمخارج لإحكام قبضتها على الثوار الذين تخرجهم صوت زغرودة لا يعلم العسكر من أين أطلقت فينتشرون في كل الأماكن. (1) وقتها كان الجميع يتأهب لموعد إعلان انطلاق الموكب مع تزايد ضربات القلب لصعوبة اللحظات وأسلوب البطش الذي كان تستخدمه السلطات لزجر الثوار، تمر الدقائق بطيئة والجميع كاتما على انفاسه وما ان يبدأ العد التنازلي لثواني الساعة معلنة شارة ضبطها عن الموعد المحدد فجأة تشق صوت زغرودة عالية وقوية عنان السماء، فيخرج الثوار وقتها من كل فج عميق بصورة تدعو للدهشة. ويتبادر السؤال (أين كان يختبئ هؤلاء؟) وهم يملأون الشوارع في تلاحم عجيب وأصوات هتافاتهم الهادرة تزلزل وصدى صوتها يعم المكان. (2) لقد تعارف الثوار على شفرة جديدة لم يكن متعارف عليها في الماضي او تحديدا خلال فترة الاحتجاجات التي شهدها السودان في عهد النظام البائد وهي إطلاق الزغرودة إيذانا بإعلان انطلاق الموكب وهو ما تقوم به إحدى النساء او الفتيات التي تكون قد أوكلت لها هذه المهمة وأخريات يشاركنها ليحشدوا الشارع بالهتافات والأغاني والنشيد وهي بمثابة جرعة حماس زائدة لحماسهم. (3) حول الموضوع تحدثت ل(السوداني) الطالبة الجامعية هويدا عبدالمحمود بأنها كانت دائما تتقدم المواكب بمنطقة الكلاكلة وأوكل اليها أمر إطلاق الزغرودة لإجادتها لها، موضحة (كنا نختبئ داخل البيوت والأجهزة الامنية وهي ترابط في الشوارع الرئيسة وما ان تقارب عقارب الساعة بالإشارة للواحدة ظهرا أكون على أتم الاستعداد وفي الواحدة تماما أطلق الزغرودة بصوت عال فيخرج الجميع للشارع وصوتنا يعلو بالهتاف). (4) فيما أوضحت الموظفة رندا مضوي أنه تم اعتقالها بعد إطلاقها أول زغرودة داخل أحد المواكب بمنطقة السوق العربي وذلك بعد ان قام أحد الشباب المتواجدين بالموكب بإرشادهم بمكان تواجدها بعد سير الموكب الى تقاطع القندول،مضيفة (بالرغم من الاعتقال والإهانة التي تعرضت لها إلا أنني لم أبال بل كنت اكثر ثباتا وقوة بل ظللت أحرص على إطلاق الزغاريد مع كل موكب حتى سقوط الحكومة). (5) الأمر المتعارف عليه بالنسبة للسودانيين أن الزغرودة يتم إطلاقها في أوقات الفرح وهو تعبير وشعور عن حالة سعادة تغمر الشخص، إما بمناسبة زواج أو نجاح طالب أو قدوم مولود جديد وأحياناً احتفالا بالحجاج.