مر السودان بحقب كثيرة اختلفت ما بين عسكر وهنيهات من الديمقراطية ودكتاتوريات متكررة وكذلك انقلابات وفترات انتقالية. تجارب إن أُخضعت لدارسي علم الاجتماع والنفس لأخرجوا منها كتبا ودراسات عن شخصية الإنسان السوداني، وتوصلوا لنظريات خارقة في مجال العلوم الاجتماعية، ولكن لم تحدث هذه الدراسات، وأصبح عمرنا وذاكرتنا هي المرجع المهم والأساس لتلك الحقب، وهي الميزان الحقيقي لقياس مدى تحملنا لكل ما حدث، وكذلك أصبحنا نحن الجلاد والحكم على أنفسنا، فشخصيتنا المعروفة تنأى تماما عن الاعتراف بأي محلل أو متابع او دارس، لأن الفطرة لدينا لا تتقبل إلا ما نعترف به عن أنفسنا فقط (كده بس مزاج ما بنعترف بي زول) . وكل تلك الفترات السياسية بخيرها وشرها وحدث ما حدث غير موازين حياتنا في كثير رأسا على عقب ومع كل ما حدث ما زال فكرنا وتصرفنا واندفاعاتنا وتعاملنا تجاه العاطفة والتعبير عن المشاعر المباشر دون تأنٍ ودراسة، هو القائم وهو الحكم والانطباع وهو سيد الأدلة في كل موقف هزلي او جدي، ونحن كما نحن (لا غيرتنا ظروف ولا هزتنا محنة) ونكثر في الأعذار . ألم يئن الأوان لنعرف أين المشكلة الحقيقية؟؟ ألم يئن الأوان لنعرف من أين جاء الخلل وعدم الترتيب والإدارة وكيفيتها لتقود هذا البلد العظيم والمعطاء بعظمة ناسه وتاريخه وصموده الى بر أمان يضعه في مصفوفة الدول المعتزة بنفسها وإنسانها، مع العلم نحن شعب فطن ذكي حتى غير المتعلم فينا كذلك. هناك مثل نتداوله بيننا كشعب مبدع وسريع البديهة يقول :(اتنين كان قالوا ليك راسك مافي أهبشوا) ونحن دائما نقوله ولكننا يوما لم نلمس رأسنا موجود أم لا، وكذلك الثورات والنضالات دائما ما نثيرها وننجحها ونزيل أكبر طغاة ومتجبرين، لكن نظل في نفس مربع اللامسئولية واللامبالاة والترصد لبعضنا أكثر من ماذا نريد وكيف ندركه، وبالتالي يقودنا الى طرق مغلقة لنعود من جديد لنفس أخطائنا السابقة، لم نتعظ منها، ونعود كما لم نفعل شيئا، والمؤسف تضيع أرواح لأجل أي تغيير ولكننا سرعان ما ننسى حتى هذه الأرواح الطاهرة التي انتقلت لنكون نحن على قيد حياة كريمة. الشعب الجميل الجبار القاهر جبال الجبروت وممسك بزمام أمر هيبته متى ما أراد، تنقصه حكمة جميلة وقوية التي تُغير سكة مقوده لبر أمان راكز، وهذه الحكمة هي مواجهة الذات، جميعنا يحتاج هدنة صادقة ليواجه ذاته بشجاعة كاملة لا تردد فيها، بل شجاعة بجلًد يفرغ كل ما بداخله من شحنات سلبية متراكمة في دواخله معظمها أو جُلها اجتماعي ترسبت في دواخلنا وسجنتنا بداخلها وأمسكت بمفتاح ضبتها وأصبحنا مأسورين نتخبط بين جدران سجنها، لن نخرج ما لم نفتح هذه الضبة حتى ولو نكسرها لنتحرر من هذا الكبت القاسي لنخرج الى حرية الحياة المعافاة الخالية من الآتي: القبلية، العنصرية، الجهوية، الطبقية، التمايز، القهر، الديكتاتورية التي تسكن في أي شخص منا، الحسد المستمر، المحسوبية، المجاملة، التكتل، الأنانية، ضيق الصدر، التصدر لأي أمر دون دراية (المشاورة والهبيش)، الانفعال وضبط اللسان . كل ما ذكرت من صفات كل واحدة منها وليدة أو ردة فعل للأخرى، والمعالجة حاليا ليست جماعية بل في البدء فردية، جلد ذات بقوة لتتغير الدواخل ويدخلها النور وتضيء لتصبح حُرة، ثم بعد ذلك نفكر في التغيير والحرية اللتين اعتبرناهما شعارا للتغيير ونحن يانا نحن لم نتغير ونتهم المسؤولين أذنبوا وهم منا وفينا إن كان مذنبا أو نزيها، التغيير ليست الثورة التي ندعيها، بل ثورة الدواخل أولا ليستقيم الميسم ويعاد ترتيب الذات لتترتب أوضاع البلد،التكرار بعلم الشطار.