وطني حبٌ لا يتوقف، له مناسبة قومية نحتفل بها في كل عام، والعيد الوطني هو يومٌ ليس كباقي الأيام، إنه يوم استقلال السودان المجيد، حيث حلت علينا هذه الأيام ذكرى غالية وهو اليوم الوطني للبلاد، وفي كل سنة يزدهر ويرتقي، لطالما وطننا الحبيب بخير ينظر دائماً إلى الأمام، ويرنو إلى المستقبل الزاهر في جميع الأصعدة داخلياً وخارجياً بفضل رجاله وشبابه وأطفاله الذين هم مستقبله ورجال غده. تم استقلال السودان في الأول من يناير للعام 1956 بعد الانسحاب الكامل للجيش البريطاني من السودان والاعتراف باستقلاله، وقام الزعيم الأزهري والزعيم محمد أحمد محجوب بإنزال العلمين البريطاني والمصري ورفع علم السودان على سارية القصر الجمهوري بعد استعمار دام قرابة الخمسين عاماً أو يزيد ليرفرف علم السودان رمزاً للسيادة الوطنية، وكان المواطنون بملابسهم البيضاء ينظرون لعلم السودان بفرحٍ وسرور، حيث صار هذا الحدث العظيم احتفالاً باستقلال السودان في كل عام، ولعيد الاستقلال فرحة كبيرة، فقد جاء بعد تقديم الكثير من التضحيات، فكان أول رئيس وزراء للحكومة السودانية هو إسماعيل الأزهري، وفي صباح يوم الاستقلال كان يوم الفرحة الكبرى، حيث خرجت الجماهير السودانية معلنةً ولاءها ومؤازرتها للحكومة السودانية لقيادة عجلة حكم البلاد نحو الأمن والاستقرار. يعجبني في يوم الاستقلال فرحة الصغار والكبار من الجنسين واستحضار ذكرى الشهداء وسماع الأناشيد الوطنية والحماسية، كما يفرح الجميع بمشاهدة البرامج التلفزيونية التي تحكي عن قصص الأولين والأبطال الذين اجتهدوا وناضلوا لتحرير هذه البلاد من وطأة الاستعمار في اليوم الأول من يناير، وظل هذا اليوم مناسبة سعيدة على السودان والسودانيين في كل عام، وينعكس ذلك فرحاً وسروراً على جميع المواطنين، وحتى الصغار حين يشاهدون البرامج التلفزيونية لاستقلال السودان، يحدث لهم الصقل النفسي ويتحمسون ويمشون المشية العسكرية ويقلدون كل ما يجري في موكب الاحتفال الذي يشاهدونه بالقنوات الفضائية السودانية، فرحين مسرورين بهذه المناسبة الوطنية البديعة. حبٌ صادقٌ من الأعماق لك يا وطن، وبسمة من الشعب تتجلى فيها سماحة التواضع والانتماء لهذا الوطن، وهذا إن دلَ إنما يدل على سماحة الشعب السوداني، وكنت أتمنى أن تعود مناهج التربية الوطنية ليُعاد تدريسها من جديد بالمناهج السودانية كما كانت في السابق، حتى يتسنى تفعيل وغرس حب الوطن في الصغار منذ نعومة أظفارهم بشكلٍ أفضل، حينها يتم صقل النشء بالوطنية الحقة ويكون ذلك دليلاً للقوة وصدق الانتماء، ويوم الاستقلال يُذكرنا بالأوائل الذين عملوا لاستقلال هذا البلد، وهذه قيمة يجب أن نزرعها في صغارنا، حتى يشبوا على حب هذا الوطن وحمايته، وحبذا لو كان التحضير لهذه المناسبة المجيدة مسبقاً بكل مدن السودان وخروجها في مواكب مدنية وعسكرية تخليداً لهذا اليوم، الأمر الذي يدل على مكانة هذه المناسبة وعظمتها على كل مواطن سوداني، واندماج الناس بمختلف أعمارهم في فعاليات الاحتفال بيوم استقلال السودان وتفعيل البرامج الترفيهية وإعداد الفقرات المتنوعة خصيصاً لهذه المناسبة بأنحاء السودان المختلفة، وفي هذا كله ترسيخ لحب الوطن في مخيلة الأطفال منذ صغرهم، وهذه تربية وطنية يجب أن نغرسها في أطفالنا. هذا هو السودان الذي استطاع أن يسجل اسمه في التاريخ بأحرفٍ من ذهب بفضل الله ثم بجهود المناضلين الذين سعوا لاستقلاله، هو السودان يظل عملاقاً وباقياً فينا بكرم أهله وعزة رجاله، وعلَماً من الأعلام العالمية الخفاقة في فضاء العالم الشاسع، وشعلة تتلألأ ضياءً في المحافل الدولية والإقليمية، فهو اسمٌ لامعٌ في قلوب الملايين، فدخلت علينا مناسبة الاستقلال عطراً رائعاً، فالعطرُ لا يستأذن حين يفوح. حفظك الله يا سودان العزة والشموخ قوياً مجيداً وعَلَماً يُرفرف في سماء العالم أجمع، وأن يجعله الله قادراً على التحديات التي تواجهه مهما كلف الأمر، وليضرب السودان وشعبه الأرضَ بقوةٍ وينظر إلى السماءِ بصلابة، ولنرفع أسمى آيات التهانئ إلى الشعب السوداني الكريم بمناسبة اليوم الوطني المجيد. نعم نحمي أوطاننا بالتضحية والمحافظة عليها، وفي ذات السياق تحضرني قصة لجيش أراد أن يدخل مدينة، وعند أطرافها وجدوا شيخاً كبيراً يحتطب ويرافقه فتى صغير، فقالوا له: أخبرنا عن جيشكم وبلدكم ومنافذها؟ فقال لهم: سأخبركم ولكن بشرط أن تقتلوا هذا الشاب حتى لا يكون شاهداً على ما سأقوله، فقتلوه، فقال لهم: الذي قتلتموه هو ابني، خشيت أن تقتلوني أمامه فتنتزعوا منه ما تشاءون من القول، ففضلت ان يُقتل على أن ينطق بحرفٍ واحد يساعدكم في غزو بلدي. تركه الجنود وهو يحتضن جثة ولده وانسحبوا وقالوا: بلد يضحي بها الآباء بالأبناء لأجلها لن نستطيع غزوها وأن غزوناها فلن ننتصر. ونابليون بعد سيطرته على أوروبا قرر غزو روسيا، وعند دخوله أطراف أراضيها، كان هناك فلاح بيده منجل يعمل بنشاط ولم يعر موكب نابليون اهتماماً، فقال نابليون لحراسه: هذا الفلاح الروسي الحقير لم يستقبلنا استقبالاً يليق بنا ! فأمرهم بتقييده وإحضاره، ولما سأله نابليون: لماذا لا تنظر إلى موكبي؟ رد عليه قائلاً: لا يهمني كثيراً موكبك، فأرضي أولى باهتمامي، فقال نابليون: سأحتل بلدك ويجب أن تحمل اسمي معك دائماً كي تتذكرني، وأمر أن يحموا سيخاً من الحديد ويكتبوا على يده وشماً لا يستطيع نزعه، فما كان من الفلاح الروسي إلا أن قام برفع منجله وضرب يده فبترها ورمى بها وسط ذهول جنوده قائلاً: خذ اسمك معك فعارٌ عليَ أن أحمل اسم غازٍ حقير مثلك، فنظر نابليون إلى من حوله، وقال كلمته المشهورة: (من هنا تبدأ الهزيمة). فكانت بالفعل هزيمته النكراء من روسيا، فمتى كان المواطن مرتبطاً بحب بلده، فهو يزرع النصر سنابل خضراء. أخيراً حب الوطن ليس فقط في الاحتفال بيوم عيد الاستقلال، ولكن حب الوطن أن يعيش في قلوبنا خالداً إلى الأبد، وأن نغرس في أطفالنا هذا الحب منذ صغرهم، وحيث تكون الحرية يكون الوطن، وطني واحة خضراء جميلة، آه يا وطن أراك بداخلي وكم أراك جميلاً رائعاً.