المشهد عصر الثلاثاء الماضي، إستاد المريخ تهتز أرضه تحت أقدام ألف طالب حربي يمثلون فوجاً نوعياً ضخماً من خريجي جامعة كرري العسكرية، دفعات نوعية ترفد كل تشكيلات الجيش: القوات الجوية والبحرية والمهندسين والمشاة والفنيين - بالعناصر الجديدة التي تأهلت بكليات كرري والتي عاصرت ثورة التحديث والنهوض المنتظمة بالقوات المسلحة حالياً والتي تطال الكوادر والمعدات والمنشآت. لا صدفة في أقدار الله،، تزامن له أكثر من ألف معنى أن يجيئ هذا التخريج عقب توقيع اتفاقية التعاون الشاملة مع دولة جنوب السودان بأديس أبابا، وكأنما أراد الجيش أن يؤكد حمايته لمكتسب السلام من ضمن ما يحمي من أرض وعرض ومكتسبات غالية أخرى، وكأن هؤلاء الشباب المتخرجين بشتى أنواع تخصصاتهم أرادوا أن يعلنوا ميلاد عهدهم بالقوات المسلحة مع ميلاد مرحلة جديدة بسوح الوطن ملؤها العطاء وواجبات النهوض بالبلاد وذلك بحماية ورعاية وتحصين هذا الغرس الغض الجديد. القوات المسلحة بطبيعة حالها هي دوماً صاحبة الأدوار الفاصلة والحاسمة عند الكروب والملمات، وهي التي أوفت بمسئولياتها وواجباتها حين وقوع العدوان ومحاولة المساس بالأرض والسيادة.. ولأن صدقت القوات المسلحة بواجبها في رد الاعتداء وعقد لواءات الانتصار في الفترة الماضية التي اختار فيها آخرون وسيلة الحرب لتحقيق نواياهم، قاد قادتها جولات المفاوضات بذات المسؤولية، وبكامل الوعي الوطني دون تفريط أو (انبطاح) ومع تناغم كامل مع استراتيجية الدولة التي تعتمد السلام وحسن جوار الآخرين.. وزير الدفاع ترأس اللجنة الأمنية والسياسية في مرحلة ما قبل القمة وهو بهذه الصفة كان على رأس أمر التفاوض كله، ولأن المنطق والتخطيط للجولة كان يقتضي ذلك، فرأس الرمح كان الملف الأمني الذي يبدأ من ترتيبات ميدان المعركة المنتهية مروراً بمرحلة العزل بين القوات ثم التفاوض على إزالة الأسباب وفك الارتباطات المعادية قبل فتح الملفات الأخرى، أو بالسير المتزامن معها كما حدث لاحقاً بعد تأكيد الإرادات واعتماد الضمانات وإبداء المرونة الواجبة. والاتفاقات التي تم التوصل إليها في الأجندة الأخرى التي شملت الموضوعات الاقتصادية ومن قبل قضايا النفط وقضايا المواطنة، لن ترى النور أو تتنزل إلى واقع التنفيذ لو حدثت أي اهتزازات في المسألة الأمنية، وأشير هنا إلى الحديث الصحفي للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي أشار فيه لعدم تدفق نفط الجنوب ما لم يكن مساره آمناً وسالكاً. احتفال تخريج الألف ضابط كان مناسبة جيدة للقيادة العسكرية لتؤكد فيه أن السلام مع جوبا ليس تكتيكاً، وإنها أتت إلى التفاوض بعقلٍ مفتوح وقلبٍ مفتوح، وأن الاتفاق الذي وقع ليس بالهش وإنما بالقوة اللازمة لمصلحة الشعبين، وكانت مناسبة جيدة أيضاً لمزيد من تأكيداتها على قدرتها علي حراسة الحدود وتأمين البلاد، وإنها ما زالت تدمر أوكار الخونة والمأجورين وتجرعهم كؤوس الهزائم والخيبات. تعظيم سلام قيادة الجيش تطورون وتحدّثون، وتقاتلون وتنتصرون، تفاوضون بنفس العزيمة والشجاعة والرؤية وتحرسون مكتسبات ما أنجزتم، وتخرِّجون في جامعة كرري العسكرية الفتية ألف ضابط بألف معنى.. وإلى الملتقى،،، .