في ال23 من نوفمبر توصلت أطراف التفاوض في مسار دارفور بجوبا لاتفاق حول ما اعتبرتهُ أكثر القضايا تعقيدًا وأهمية وهي قضية الخدمة المدنية القومية التي وصفت بأحد جذور الأزمة، وقد تم الاتفاق وقتها على معالجة الخلل في مرحلتين وطبقًا للناطق باسم العدل والمساواة، عضو وفد مسار دارفور للتفاوض معتصم أحمد صالح تم الاتفاق على معالجة الخلل في مرحلتين كانت الأولى الاتفاق على استيعاب أبناء وبنات دارفور بنسبة 20% في جميع مستويات الخدمة المدنية، وتكوين لجنة مختصة، على أن يقوم رئيس الوزراء بالإجراءات التصحيحية المطلوبة خلال 45 يوماً من تاريخ استلام تقرير اللجنة، وعلى الرغم من اعتبار أن ما تم هو ضمن استحقاقات عملية السلام، إلا أن هذه الخطوة وجدت نقدًا من البعض وتكرارًا لأخطاء النظام السابق. نص الاتفاق على أن يكون التعيين في جميع المستويات المدنية العليا والوسيطة في التعيينات الجارية الحالية وفي جميع الوظائف الموجودة ووظائف إزالة التمكين، وشملت أيضًا وكلاء الوزارات، السفراء، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، الإدارات والأقسام المختلفة في المفوضيات القومية والجهاز القضائي والنيابة العامة. وقال عضو وفد مسار التفاوض عن مسار دارفور معتصم أحمد صالح في حديثه ل(السوداني): إن المرحلة الثانية تم الاتفاق فيها على تكوين لجنة من ذوي الاختصاص والخبرة خلال 90 يوماً من تاريخ التوقيع على اتفاق السلام، مشيرًا إلى أن مهمة اللجنة تنحصر في تحديد الخلل في الخدمة المدنية وفي تمثيل أبناء وبنات دارفور في جميع مستويات الدولة على أن تنجز اللجنة مهامها خلال مدة لا تزيد عن 6 أشهر من بدء عملها وتقوم برفع توصياتها إلى مفوضية إصلاح الخدمة المدنية وطرفي الاتفاق. يذكر أنهُ تم الاتفاق على أن يقوم رئيس الوزراء بالإجراءات التصحيحية خلال 45 يوماً من تاريخ استلام تقرير اللجنة وبإعمال معايير الثقل السكاني والتمييز الإيجابي واستصحاب التجارب السابقة وشروط التأهيل والكفاءة. سياسية التمكين عطبٌ كبير أصاب الخدمة المدنية في عهد الإنقاذ، مراقبون اعتبروا أن سياسية التمكين التي انتهجها النظام السابق أسفرت عن انهيار هذا القطاع إذ شُرد ذوو الكفاءات وظلت بوابة الدخول متاحةً لمنسوبي النظام السابق، وبرزت مظاهر الفساد والمحسوبية وأهدارت قيم وضوابط الخدمة المدنية. المحلل السياسي الحاج حمد اعتبر في حديثه ل(السوداني) أن هذه البنود هي ذاتها التي جاءت باتفاقيات دارفور بأبوجا والدوحة والسلام من الداخل، معتبرًا أن خريجي المدارس المدنية والعسكرية لديهم هوس بأن المخدم هو الحكومة، مشيرًا إلى أن الخدمة المدنية نظام لتدرج وظيفي يتعلم فيه الفرد تقديم خدمات إما إجرائيه أو خدمية موضحًا أنها تخضع لما يسمى بالبيروقراطية. وأضاف: إذا أدخلت شخص ولم يمر بمراحل الترقي والتدرج في السلم الوظيفي هذا يعني أنك خصمت من كفاءة النظام وكذلك رد الفعل السالب على بقية العاملين يحدث معارضة سالبة للنظام السياسي. وأضاف: ما أفسدت الإنقاذ الخدمة المدنية إلا بإغراقها من أعلى، أيّ وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، لافتًا إلى أن شعارات الكفاءة والمهنية ظلت حبرًا على الورق، واصفًا ذلك بأنهُ وعد من لا يملك لمن لا يستحق. ردة سياسية الكاتب الصحفي أسامة عبد الماجد وصف في حديثه ل(السوداني) الاتفاق الذي تم بالردة السياسية من الحكومة الانتقالية ومن خلفها قوى الحُرية والتغيير التي كانت تقول لا جهوية، مشيرًا إلى أنها كرست بذلك للمناطقية بصورة فوق المعدل معتبرًا أن ذلك يَضر بالمشهد السياسي. وأضاف: كل منطقة يمكن أن تأتي بعدها لتتطالب بذات الشيء، أبناء الوسط والشمال خاصةً أنهُ تم تحديد نسبة 14% لأبناء شرق السودان في الخدمة المدنية. ويرى أسامة أن الخدمة المدنية، الشرطة، مؤسسات الدولة لم يتم التأسيس لها يومًا وفق هذا المفهوم، موضحًا أنهُ حتى إبان النظام السابق على الرغم من الانحراف لكن يقدم الولاء على الكفاءة وليس المناطقية، معتبرًا أن ذلك يضر أيضًا بالخدمة المدنية فلربما لن تتمكن مناطق أخرى من الدفع بأبنائها. واعتبر أسامة أنهُ كان من الواجب على الحكومة الانتقالية أن تصل لمعادلات مع الحركات المسلحة بصورة أفضل من ذلك خاصةً أن الأخيرة جزء من قوى إعلان الحُرية والتغيير، ويُرجح أسامة أن ينسحب أثر ذلك على الحُرية والتغيير وغيابها عن المشهد السياسي في الفترة القادمة الذي سيكون حصريًا بين الحركات المسلحة والمكون العسكري.