من خلال خطاب السيد رئيس مجلس الوزراء للأمين العام للأمم المتحدة، وما أعقبه من شروحات منه شخصياً، ومن السيدة وزير الخارجية، ومن السيد خالد عمر أحد قيادات قوى الحرية والتغيير، استنتجنا أن الحكومة في شقيها السياسي (الجزء الأكبر منه)، والتنفيذي، تعول تعويلاً كبيراً على البعثة الأممية التي استدعاها السيد رئيس مجلس الوزراء لإخراج السودان من أزماته، ومن بينها الأزمة الاقتصادية. يطمح المنادون باستدعاء البعثة الأممية، أن تساعد السودان في أربعة مجالات اقتصادية مهمة هي: عمليات الاستيعاب والتسريح وإعادة الدمج DDR ، الخدمات وقرى العودة النموذجية، تحويل العون الإغاثي لعون تنموي، والإحصاء الشامل والانتخابات في جانبها التمويلي. وقد قدر المنادون بهذا الاتجاه الاحتياج التمويلي في حدود 17 مليار دولار. وهذا الرقم مطابق لما توصلت إليه البعثة المشتركة لتحديد احتياجات السودان(الجام)((Joint Assessment Mission) في العام 2005 حيث حددت الاحتياجات التي قدمت للمانحين بمبلغ 17580 مليون دولار (سبعة عشر ملياراً وخمسمائة وثمانون مليون دولار). وعلى الرغم من أن الظرف الدولي كان مواتياً جداً غير أن ما انساب من عون تنموي بلغ أقل من 25% من المطلوب، وقد التزمت دولة النرويج ومملكة هولندا بما وعدت به، غير أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول أخرى لم تقدم إلا النذر اليسير مما التزمت به. وهو سلوك مألوف من هذه الدول، وله أمثلة أخرى كثيرة. في الوقت الحالي فإن انسياب أي تمويل من المؤسسات المالية الدولية، أو من دول بعينها، سوف يكون عسيراً جداً بسبب جائحة كورونا، التي أثرت على اقتصادات مختلف دول العالم، والتي ستشهد انكماشاً بنهاية العام 2020 بنسبة -3% حسب بيانات صندوق النقد الدولي لشهر أبريل 2020، يستثنى من ذلك دولة الصين التي يتوقع أن يستأنف اقتصادها النمو بنسبة 1.2% بنهاية 2020 مع توقع نسبة نمو هائلة في العام 2021 بنسبة 9.2%. والهند التي يتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 1.9% بنهاية 2020 وتوقع نسبة نمو 7.4% في العام 2021 حسب بيانات الصندوق نفسه. استناداً لهذه الأرقام، ولتوقع حدوث انكماش كبير جداً في الاقتصاد السوداني بسبب انخفاض أسعار الذهب عالمياً، وتوقع انخفاض تحويلات المهاجرين بسبب الظروف الاقتصادية في دول الاغتراب، حيث أعلن محمد الجدعان وزير المالية ووزير الاقتصاد السعودي المكلف عن اضطرار المملكة لاقتراض 220 مليار ريال، فضلاً عن إجراءات قاسية جداً متوقع اتخاذها من بينها إيقاف عدد من المشروعات في طور البناء، مما يترتب عليه بالطبع التخلص من أعداد كبيرة من العمالة الوافدة. في ظل هذه الظروف، يتوقع تفاقم أزمة الاقتصاد السوداني. وسوف يكون من غير المناسب إطلاقاً الاعتماد على عون من دول هي تعاني أصلاً. قد يكون من المناسب الدخول في شراكات اقتصادية مع الصين، ومع الهند، وكلا الدولتين لهما معرفة واستثمارات في الاقتصاد السوداني. تستهدف الشراكات الإمداد بالغذاء للمنطقة العربية، وفق الدراسات المعدة في هذا الإطار. ولنصرف النظر في الوقت الحالي عن البعثة الأممية، وتكلفتها السياسية السالبة، وفائدتها الاقتصادية غير المؤكدة. والله الموفق