سئل ابن شهاب عن المروءة فقال: اجتناب الريب وإصلاح الحال والقيام بحوائج الناس هؤلاء هم المعاشيون فمنذ فجر الاستقلال أسس ذلك الجيل الجميل ثوابت راسخة من الجدية والمسؤولية واحترام الوقت والعمل تحكمه المرجعية الأخلاقية وتميزهم المهنية الرفيعة كمالا في السلوك وثقة في التطلع وصدقا في التوجه ورقة في التعامل اضافة الى ما يتصف به اولئك الأفذاذ من (كاريزما) لا تخطئها العين أرسى أولئك العظماء قواعد الديمقراطية الحقيقية منهجا والتزاما وتجردا وأسلوب حياة وأكملوا رسالتهم حسما وعدلا ووضوحا والآن هم في جحيم المعاش يترنحون بين اليأس والرجاء لا يعرفون عن المسؤول عنهم يمضغون الصبر والصمت ويجترون الذكريات ويحدقون في هباء السراب ويتساءلون متى تصل أصواتهم الي المسؤول والسؤال المشروع والمطروح من هو المسؤول ولا مسؤول وكيف لمسؤول أن يجمع بين مواعيد عرقوب وبخلاء الجاحظ وجهل ابي جهل وكذب مسيلمة وفرعنة فرعون وحماقة ابو الدقيق وخبث الثعالب وصمت ابي الهول…!!! وكيف له القيام بحوائج الناس وحلحلة مشاكلهم سقطت الخدمة المدنية في مستنقع (الفوضى المثالية) وغياب كامل للتوصيف الوظيفي وغيبوبة مكتبية ومراهقة إدارية من سدنة التخلف والاستبداد السياسي من اقزام الخدمة المدنية. فالدول الراقية المتحضرة تعتني بكبارها من المعاشيين فهم الخبرات والمراجع والكنوز وهم الخير والبركة والمعاشي عندهم يتقدم الصفوف بكل الخدمات بل إن المعاشي إذا عبر طريقا يتوقف الزحام احتراما وتقديرا والمعاشي في السودان كاسف البال قليل الرجاء محبط يتجرع الظلم والهوان ويبقى المعاشي في جراح بغير سواحل منبوذا ومرفوضا منفيا خارج منظومة الوطن يعاني من الذل والظلم والهوان والجوع الكافر مرددا :فالجوع أبو الكفار مولاي انا في صف الجوع الكافر مادام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار…! والمقصود بالصف الآخر لا يحتاج الى شرح ودرس عصر وأنا ما بفسر وانت ما بتقصر .ويظل المعاشي يحكي شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تعرض الى سفهاء الطائف :(اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقله حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين الى من تكلني الى بعيد يتجهمني ). وزارة المالية)ام الى عدو ملكته أمري (وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي) أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلحت له الدنيا والآخرة أن تحل بي غضبك أو تنزل علي سخطك ولا حول إلا بك ) لقد ضاع هذا الرصيد الضخم وتبددت هذه الثروة القومية بفضل هذا الزيف الكثيف من الإعلام الكاذب المضلل المأجور وفي ظل هذا التجاهل الشديد للحقائق وإنفاق الأموال على مؤتمرات الهستيريا التي تملأ حياتنا ضجيجا وتمنعنا من اتخاذ القرارات الحاسمة اصبح المعاشي منفيا خارج منظومة الوطن: كل المنافي لا تبدد وحشتي مادام منفايا الكبير بداخلي ..! ومعاشي آخر يستقبل العيد وهو معلم الله وداقي الدلجة وماسح شاشة وطاشي شبكة وهو يردد في أسى وحسرة :العيد أطل على وجهي تتراقص أشباح الماثم والجوع هنا غول أسحم غول يتلمظ لا يرحم وآخر ذهب بصرف (مماته الشهري) فلم يجده وعاد وجيوبه ملآى بالغبار والظلم :رجعت وفي يدي أوراقي الصفراء وحزمتان من الندم والعاملون بالصندوق يتمرغون بالمليارات ويقذفون إلينا بالفتات عندها تظاهر مئات المعاشيين متجهين الى صندوق المعاشات في منتصف ذلك النهار :لو انهم حزمة جرجير يباع لخدم الافرنج بالفندق الكبير لظللت رؤوسهم من هجير شمس الظهيرة ورطبت وجوههم من سعير السموم وبللت شفاههم بالماء.. لكنهم إهمال ..لكنهم ضياع لكنهم رعاع…من الحثالات التي في القاع ومنهم من سقط أرضا من كثرة الأمراض المزمنة ومنهم من ينتظر رحمة الله . متى يمتنع هؤلاء وأولئك عن تعاطي حبوب منع الكذب وكلنا نعلم أن المعاشي(اب الكل) وهو في أرذل العمر والثمانين تسارع الخطى :وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند الآن أصبح المعاشي مثل (بنلوب الصابرة) في الأسطورة الاغريقية يغزل خيوط الصبر والأمل وينتظر من ينقذه وقد كان من قبل إرثا من الأخلاق والنبل المضاعف نسجه وحلاوة الإيثار نجدة مستغيث الليل والآن أصبح يئن على وسائد شوكه والقهر يوقظه ويقعده التوجس هل ستوقظه طبول العز بعد سباته زمنا طويلا سنظل نحفر في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على سطح الجدار ..! ويكمل الصورة المبدع المبتكر شاعر الدهشة زميلنا الكريم وصديقنا الحميم الراحل المقيم الأستاذ عمر الطيب الدوش حين قال :زمان كنا بنشيل الود وندي الود وفي عينينا كان يكبر حنانا زاد وفات الحد زمان ما عشنا في غربه ولا قاسينا نتوحد وهسع رحنا نتوجع نعيش بالحسرة نتأسف على الماضي اللي ما برجع …! وانا أقول أهز بالشعر أقواما ذوي وسن في الجهل لو ضربوا بالسيف ما شعروا علي نحت القوافي من مقاطعها وما علي إذا لم تفهم البقر…! أ.صلاح الطيب الأمين خبير تربوي المنتدى التربوي السوداني 0918288840