سمعنا كثيراً سُوء الحال الذي يُعاني منه سُكّان منطقة الأزهري مربعي (3 و4)، لكن حقيقةً فمن رأى ليس كمن سمع، امتطينا عربة الصحيفة صباحاً وقَصدنا تلكم المنطقة الكائنة جنوب شرقي الخرطوم، وكِدْنا نفقد العربة لو لا مَهارة (السَّائق) "أبَّشر" فهذه المنطقة وتحديداً مربع (4) يَضيقُ بحُفر عَميقة بإمكانها (ابتلاع) لوري وليس عربة صغيرة، والسَّبب هو أنّ (القلاّبات) التي تنقل التُّراب لتعمير الأحياء الأخرى إنّما تفعلُ ذلك بتدمير هذا المُربع المغلوب على أمره، وليست هنالك جهة تُراقب أو تُحاسب، حسبما قال لنا مُواطنون، فإنَّ عشرات (القلابات) تأتي إلى مربع (4) بالأزهري وتستخدم آليات حفر عميقة لتحضير تلال من (تراب المُونة والرَّدميات) لتحمله وتبيعه لسُكّان منطقة سوبا الأراضي لاستخدامه في البناء والردميات وصناعة الطوب الأخضر. ويقول أهل المُربع إنَّ انتشار الحُفر العميقة أدّى لجفاف المنطقة وحرم كثيراً من المُلاّك الاستقرار بمنازلهم، التي دفعوا من أجلها (دم قلوبهم) فكانت النتيجة الحتميّة لذلك هجرهم لمنازلهم والاكتواء بنيران الإيجار في مناطق أخرى، أو استقروا بمنازلهم (مُرغمين) فيشكون باستمرار من زعزعة أمنهم وتكرار جرائم السرقة وصناعة الخُمور البلدية داخل (الحُفر) والمنازل المهجورة، هذا إضافةً لتراكم مياه الأمطار والسيول في مُوسم الخَريف. جرائم الحُفَر العميقة يقول حذيفة عبد الله – مُواطن وعضو سابق باللجنة الشعبية ل (السوداني): إنَّ جرائم السرقة وممارسة الفاحشة وصناعة الخمور أكثر ما يُقلق مضاجعنا وكل تلك الجرائم المذكورة تُرتكب داخل الحُفر المنتشرة بمربع (4) والتي تسبّبت في حالات وفيات نتيجة للغرق بمياه الأمطار والسيول القادمة من منطقتي "سوبا وصافولا"، وجيوش البعوض والذباب وغيرها من الحشرات التي تغزو المنطقة، مُشيراً إلى أنّ المحلية لم تقم بدورها تجاه المنطقة رغم ذهابهم إليها أكثر من مرة، حيث لم تكن هنالك أيّة استجابة لمَطَالب أهل الأزهري، ويُواصل حذيفة بقوله: لذلك أصبحنا كمُواطنين نقوم من خلال مَجهوداتنا الفرديّة بإزالة الظواهر السَّالبة ومُحاولة دفن تلك الحُفر التي تأوي الحرامية وكل المُجرمين، والآن وُفِّقنا في دفن الكثير منها، لكن يبدو أنّ المشكلة أكبر من إمكانياتنا بدليل أنّ العشرات منها ما زالت مَوجودة ومَازلنا نتعشَّمُ في المَحليّة لدفن تلك الحُفر والتي ضَبطنا فيها قبل أيام، ثلاثة من المُتخصصين في اختطاف شنط النساء بالشارع العام، حيث كانوا يختبئون داخل تلك الحُفر.. وحتى اللحظة لم يقم مَسؤولٌ من المحليّة بزيارة الموقع للوقف على حجم الضرر الذي خلّفتها لنا هذه الحُفر. أسعار خياليّة للعقارات السُّؤال الذي يَطرح نفسه هنا، هل تَسبَّبت هذه البَيئة الطَاردة في تدهور أسعار العقارات بهذه المربعات بالأزهري؟ الإجابة بحسب عَددٍ من أصحاب العقارات بالمنطقة (لا)، فالأسعار مُرتفعة جداً وعليها طلبٌ كبيرٌ، مع التّأكيد على وجود ضعفٍ واضحٍ في العرض ليس في منطقة الأزهري فحسب، بل في كل العاصمة بسَبب الارتفاع المُستمر في الأسعار خَاصّةً في ظل ارتفاع العُملة الأجنبية مُقابل المحلية، حيث يقول علاء الدين أحمد – صاحب مكتب عقارات بالأزهري - إنّ أسعار هذه المنطقة في ارتفاعٍ مُستمرٍ وعليها طلبٌ عَالٍ جداً، مُنوِّهاً إلى أنّ الحُفر التي تُوجد في مربع (4) لم تُؤثِّر على أسعارها مُطلقاً، حيث يتراوح سعر القطعة بمنطقة الأزهري ما بين (مليار وأربعمائة إلى مليار وخمسمائة ألف جنيه) هذا بالنسبة للقطعة العادية، أمّا الناصية والمُميّزة فيتراوح سعرها ما بين (مليار وسبعمائة إلى اثنين مليار جنيه)، مُشيراً إلى أنّ سبب ارتفاع العقارات بالأزهري يعود لموقعها المُميّز ووصول الخدمات إليها منذ وقتٍ طويلٍ، إضافةً لقُربها من المطار والسوق المركزي وأيضاً المدينة الرياضية، كل تلك المُميّزات جعلتها مَرغوبةً. (الجمرة بتحرق الواطيها) ولتناول القضية من الناحية الهندسيّة، يقول عضو اللجنة الشعبية المهندس حسن مصطفى ل (السوداني): بوصفي مهندس مُنشآت أؤكِّد أنّ مُشكلة هذه الحُفر أكبر من إمكانيات أهل المنطقة، بل ربما تكون أكبر من إمكانيات المحليّة نفسها، لكن نحن كلجنة شعبية كان واجبنا يحتِّم علينا الذهاب للمحلية حيث وضعناهم في الصورة، بل اقترحنا عليهم الحُلول وبالتأكيد هذه المُشكلة تحتاج لتدخُّلٍ عاجلٍ من الولاية في أعلى مُستوياتها لأنّها أصبحت وكراً للجريمة، أما في موسم الخريف فحدِّث ولا حرج.. ولأنّنا (نطأ الجمرة)، قُمنا بإنشاء جمعيّة وألزمنا أهل الحي بدفع مبالغ مالية في محُاولة لدفن تلك الحُفر، أمّا المحلية فكانت وما زالت غائبةً تماماً ولم تقدم لنا شيئاً حتى الآن. من ناحيته، قال جون قرشون - أحد سكان الحي - إنّ سبب تلك الحُفر المنتشرة بمربع (4) هو نقل التراب بواسطة أصحاب القلاّبات منذ العام 1984م بغرض ردم المنازل وبنائها، حيث كانت المنطقة خالية من السكان في ذلك الزمان، الأمر الذي خلّف تلك الحُفر التي تزداد خُطُورتها في فصل الخريف حيث تغمرها المياه فتهدِّد المَارِّين خُصُوصاً الغُرباء الذين لا يَعرفون طبيعة المنطقة، تُهدِّدهم بالغرق لأنّها غير واضحةٍ نهائياً.. والمُؤسف جداً لم يأتِ لنا أيِّ مسؤولٍ للوقوف على المشاكل التي نُعاني منها. الوحدة الإدارية تعترف! وبعدها، ذهبنا إلى رئاسة محلية جبل أولياء، حيث تتبع لها منطقة الأزهري، لكن المحلية حوَّلتنا للوحدة الإدارية بالأزهري نفسها، وفيها التقينا بالضابط الإداري مُحمّد الحاج، فابتدر حَديثه ل (السُّوداني) قائلاً: لقد وجَّهنا عربات النفايات والأنقاض التي تحمل مُخلّفات البناء أن تتوجَّه بما تحمل لردم تلك الحُفر، لكن أهل المنطقة احتجوا ورفضوا الأمر نهائياً، حيث تُواجه أصحاب العربات مشاكل حين يذهبون بالأنقاض لدفن الحُفر، منها خوفهم على أنفسهم وعرباتهم من ردة فعل أهل المنطقة!! وبسؤالنا له عن سَبب انتشار هذه الحُفر، قال الحاج، إنَّ السَّبب الحَقيقي للمشكلة هم أهل منطقة سوبا الأراضي الذين بنوا منازلهم على حساب منطقة الأزهري، فكانت النتيجة الحتمية انتشار هذه الحُفر، لأنّ تراب منطقة الأزهري هو الأجود والأعلى سعراً في الأسواق، الأمر الذي أغرى أصحاب القلابات للتغوُّل على هذه المنطقة. وأضاف محمد الحاج بقوله: من جانبنا قُمنا بإيقاف الحُفر في مربع (4) وفرضنا عُقُوبات صَارمةٍ على المُخالفين. مُنوِّهاً إلى أنّه بفضل هذه الإجراءات تقلّصت مساحة الحُفر وليست هنالك زيادة في مساحة الحُفر، وكذلك نحن نقوم بتوجيه كل قلابات الأنقاض لدفن الحُفر. واتفق الحاج مع رأي المُواطنين القائل بأنّ مُشكلة حُفر الأزهري أكبر من إمكانيات المحلية ويُفترض أن تتدخّل وزارة التّخطيط العُمراني والبنى التّحتية مع المحلية، وكذلك سُكّان المنطقة حتى يتسنى للجميع مُجابهة هذه المُشكلة، وفي الوقت ذاته نفى الحاج وصول شكاوى إليهم من السُّكّان، مُؤكِّداً أنّهم قاموا بدفن العديد من الحُفر في مناطق مُختلفة من المحلية كحُفرة الفردوس التي شهدت من قبل حالة غرق أطفال، وأيضاً مربع (25) بالأزهري حيث تَمّ ردم أكبر حُفرة هُنالك، ولكن مُشكلة هذا المنطقة تحتاج لمَجهودات كبيرة تتطلّب تضافر الجهات كَافّة.