جدلٌ كثيف يدور هذه الأيام عقب صدور قرارات من وزارة العدل تنص على عدة تعديلات قانونية على رأسها إلغاء حد الرِّدّة والسماح بشُرب الخمور وحيازتها وبيعها لغير المُسلمين، وكذلك تمّ تجريم خِتان الإناث إضافةً إلى الإقرار بحق المرأة السودانية في اصطحاب أطفالها في حال سفرها للخارج دون أخذ أذن زوجها ، كما أُلغيت المادة الخاصة بالزي الفاضح، وغيرها من مواد.. (السوداني) استنطقت عددا من اهل الاختصاص وخرجت بما يلي: تربُص خارجي أول من بدأنا معه الحديث هو خِرّيج كلية القانون بجامعة النيلين " محمد أحمد" فقال ل(السوداني): إن التعديلات التي أجرتها الحكومة الإنتقالية رُبّما القصد منها إرضاء جهات خارجية تتربص بالإسلام ، وأكد أحمد تعارضها مع المواطن البسيط المحافظ على دينه ، ونوه إلى أن التعديل الذي تمّ للمادة 154 تعديل يعاقب فيه مقدم الخدمة الذي يُعد محل لممارسة الدعارة مما يؤكد أن مُمارسة الدعارة بها تعديل فقط وليس حذف من القانون الجنائي ، وأوضح أحمد أن المواد التي ألغيت هي المادة (152) وهي تتحدث عن الافعال الفاضحة ولبس الزي الفاضح، مُبدئاً استغرابه عن الحملة الشرسة في مواقع التواصل الإجتماعي حول التعديلات ، متسائلاً عن متى أُخفي لبس الزي الفاضح من الشارع السوداني من الجامعات والمؤسسات وغيرها من الدور ليتم منعه، مُبيِّناً أن اللِبس الشرعي الذي أمر به ديننا الحنيف هو أقرب للعرف السوداني وطباعه السمحة لذلك لابد من تطبيقه السليم وعدم الالتفات للظواهر السالبة. تعديلات مطلوبة : لكن المحامي مُعز حضرة، مضى في اتجاه معاكس لمن سبقه بالحديث حيث قال إن التعديلات الجديدة مطلوبة لضبط القانون الجنائي الذي ظلّ مُسيّسا وخضوع مواده للعسكريين كما شاءوا ، وأضاف في حديثه ل(السوداني) أن مادة الرِّدّة لم تتواجد في القانون العالمي بل أنها جريمة بها جدل كبير وأن النظام السابق وضعها لاستغلالها سياسياً، وأوضح أن إلغاءها يساعد على توافق المجتمع السوداني لأنه متعدد الأعراق والأجناس والأديان، ونوه إلى أن مادة الخمر لا يجب معاقبة المسيحيين عملاً بموجب المساواة وأنهم غير ملزمين بالعقاب ، مؤكداً أن ختان الإناث ليس له علاقة بالدين أو صحة الإنسان بل أنها ممارسات خاطئة انتقلت إلى البلاد منذ العهد الفرعوني وأن إلغاءها واعتبارها جريمة شيء طبيعي ، مُبيّناً أن مادة الدّعارة لم تُلغ وإنما ضُبط نصها حتى لا يترك في يد الشرطي أو القاضي أو وكيل النيابة يفسره كما يشاء لذلك يجب أن تُقنّنْ المواد. حراك مناهض ونوَّه الأمين إلى أن المجتمع السوداني متدين بالفطرة لن يقبل بهذه التعديلات التي تتعارض مع تقاليده وعاداته ، وتوقع حراكا مناهضا لها وانقساما للمجتمع عند أول تطبيق على الشارع وخروج بيانات شجب وإدانة وكل التيارات الإسلامية تندد بخطورة تطبيق المواد على المجتمع ، وكشف عن أن التعديل الجزئي لبعض المواد لإثارة الفتنة والخروج عن القاعدة العامة و انقلاب على المُكوِّن الإسلامي الذي يبلغ (97%) نسبة الإسلام وماتبقى موزع على الديانات المختلفة ، مبيناً أن المواد حلّلت الردة وجرّمت التكفير وذلك عند ورود عبارة كافر على لسان شخص يُعاقب بالسجن لمدة تصل (10) سنوات ، متخوفاً من تضمينها للمناهج الدراسية للطلاب وتنشأتهم على نصوصها. تمهيد علماني إلا أن القانوني المعروف والسياسي المنتمي للنظام السابق، المحامي محمد الحسن الامين، اختلف جُملة وتفصيلا مع معز حضرة حين أكد أن الدوافع التي قادت لتلك التعديلات القانونية كحد الردة، الخمر ، ختان الإناث، الدعارة هي تمهيد لعلمانية الدولة وإخراج الدين الإسلامي من حياة الناس وتطبيق ما ورد بالوثيقة الدستورية، ويضيف في حديثه ل(السوداني) أن السلطة الإنتقالية لاتملك حق تعديل المواد بل من الطبيعي إنتظار تكوين السلطة التشريعية وتداول ما ورد في النصوص بما يتماشى مع نهج البلاد ، وزاد بالقول أن القوانين الجنائية بالسودان صاحبها تعديل جوهري في بعض موادها التي تمرحلت على (4) مراحل منذ الاستعمار بحيث ثم وضع القانون الجنائي للعام (1924) بواسطة الاستعمار البريطاني، ثم قانون (1974) في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري، وتعديله عام (1983) بواسطة الأحزاب الإسلامية، وأخيراً قانون (1991) بواسطة حكومة الإنقاذ الذي عُدِّلت بعض مواده خلال الأيام الفائتة. قوانين قهرية : ووصف الاستاذ حضرة المجتمع السوداني بالمنضبط منذ القدم قبل سَنْ القوانين وقبل المواد التي أدخلها نظام الإنقاذ في قانونه للعام(1991)، لافتاً إلى أن المواد والقوانين التي وضعت حينها لم تزد تَدين المجتمع ، مشيراً إلى أنها عبارة تشوهات ليس لها علاقة بالدين وأثبتت فشلها، لأن قُصد منها قهر وإهانة المواطن السوداني والمرأة لذلك لم تخدم المجتمع وانعكست على زيادة نسبة الجرائم ، وكشف أن تعديل المواد في هذا التوقيت لكي لايتعارض مع الوثيقة الدستورية التي تتحدث عن مبدأ المساواة وعن مُجتمع يعطي حرية التَدين للأشخاص ،وأن إلزامهم بقوانين تحرِّم ما أُحّلّ لهم دينهم غير الإسلام هذا تدخل وانتهاك لحقوقهم ، مؤكداً أنه في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام تتعايش معه عدة ديانات في مكةوالمدينة وكانوا يمارسون عاداتهم من سُكر وغيرها ولم يُطردوا من المدينة لأسباب تتعلق بالخمر بل بالغدر والخيانة. علماء سلطان : وأنكر حضرة وجود جهة تتحدث باسم الدين كهيئة لعلماء السودان لتخرج ببيان إدانة وشجب للتعديلات وشبهها بهيئة عُلماء السلطان بدلاً عن السودان ، مضيفاً بأنهم يرتزقون من النظام السابق وصمتوا عن فساده طيلة الثلاثين عاماً الفائتة، وختم حديثه بأن المجتمع والشارع السوداني عُرف بتدينه وتصوفه في التعامل في كل مناحي الحياة لا ثؤثر عليه تعديل لمواد قانونية. توقيت غير مناسب مولانا سيف الدولة حمدنا الله، بدأ حديثه لنا بإشادة بالوزير نصرالدين عبدالباري ووصفه ب(المقتدر) هو ومساعديه لخروجهم بحزمة التعديلات التي أُدخلت على عدد من القوانين. إلا أنَّ الرجُل استدرك بقوله: لكن كم كنت أتمنى لو أن وزارته قد أمسكت يدها عن إدخال التعديل الخاص بالسماح لغير المسلمين بالتعامل في الخمر وتعاطيه، ذلك أنه وحتى بفرض أحقية غير المسلمين في ذلك، فإن التوقيت لم يكن ملائماً لإجراء تعديل في مثل هذه المسائل الخلافية التي تؤدي إلى إنقسام المجتمع كما حدث الآن من وراء هذا التعديل الذي كان يحتاج أن يسبقه تمهيد وحوار فكري وفقهي ومجتمعي حول مواءمته وجدواه . ومضى بقوله: إذا أخذنا ما ورد في الاعتبار، ثم وضعنا حق غير المسلمين في التعامل مع الخمر وتعاطيه في أحد كفتي الميزان، وفي الكفة الأخرى وضعنا ما تقتضيه المصلحة العامة التي تقتضي توحيد أفئدة وإرادة المجتمع (في كامله) نحو بناء الدولة المدنية ومواجهة القضايا الكبرى كقضية وقف الحرب وقضايا السلام وجمع السلاح ومعالجة الاقتصاد وإزالة الأمراض التي خلفها النظام البائد في المجتمع الفساد الوظيفي والرشاوي… إلخ، فإن الراجح قطعاً كان يقتضي تجنب كل ما من شأنه قسم المجتمع وإنشطار الصفوف في هذه المرحلة . وأضاف حمدنا الله بأن تعاطي الخمر ليس من الحقوق الأساسية للإنسان غير المسلم، كما انهم لم يطالبوا به حتى تتم المسارعة بإحقاقه في هذه المرحلة والحكومة لا تزال تتلمس طريقها بصعوبة في فترة فيها ما يكفيها من خلافات لتفتح على نفسها أبواباً جديدة، وخاصة في مسألة قد تؤدي إلى إشعال التطرف، فهناك من يرى فيها خروجاً عن الدين ومن موجبات محاربة الدولة والخروج عليها. غير صحيح..!! ويمضي مولانا سيف الدولة حمدنا الله بحديثه قائلا: في الجانب الآخر، غاب عن هذه التعديلات رفع القيد الذي وضع في القانون الذي يقضي بعدم جواز توقيع عقوبة السجن في الجرائم التي يرتكبها من بلغ سن السبعين، والاستعاضة عن ذلك بإيداع المجرم بالإصلاحية، كما حدث في الحكم الذي صدر على المخلوع عمر البشير، فقد كان المنتظر ان يتم تعديل هذا النص بأن يجعل من الممكن توقيع عقوبة السجن على المجرم دون حد أقصى للعمر، على أن يجعل للقاضي سلطة تقديرية في مراعاة حالة الشيخ الذي يكون طاعناً في السن ولا تحتمل حالته إرساله للسجن بالحكم عليه بإتخاذ تدابير أخرى يكون من بينها الإيداع بالاصلاحية أو الحجز المنزلي… إلخ فالسبعيني ليس بشيخ عاجز يحتاج للرعاية في جميع الحالات كما يُوحي بذلك هذا النص في القانون، ذلك أن معظم أهل الإنقاذ ارتكبوا ما ارتكبوه من جرائم وهم في سن السبعين وبعضهم تجاوز الثمانين ولكنهم كانوا في شدة وقوة الصبيان، وهناك من يشاركون في العملية السياسية اليوم وهم في مثل هذه السن أو أكثر. مع العلم بأن التعديل شمل جواز الحكم بالإعدام على من بلغ السبعين في قضايا معينة دون أن يشمل جواز الحكم بالسجن على من بلغ نفس السن.