الاعتذار بعد إثارة الشارع والرأي العام، بسلوك أو تصريح كان له رصيد في (تنشنة) الشارع العام، واعتبره كثيرون ظاهرة صحية لجهة أن الاعتذار مسلك حميد، ويعني استشعار الشخص المعني خطأ ممارسته أو تصريحه، بالإضافة إلى أن ممارسة الاعتذار تُمثِّل قيمة عالية لا يمارسها إلا الشجعان، وهو ما يتَّصف به بروفيسور قاسم بدري. التحليلات تذهب إلى أن اعتذار بدري جاء رد فعل على محاصرته بالانتقاد من مُقرَّبين منه، وهو ما دفعه للتراجع عن تصريحاته والاعتذار عما بدر منه، ويدللون على ذلك بأن تصريحات الرجل السابقة ل(السوداني) تُوحي بأنه لا يحفل بالرأي الحكومي أو المُعارض، وإنما بقناعاته فقط، بالتالي فإن مُحفِّزات تشكيل الرأي العام في مواجهته لا تعنيه بقليل أو كثير. ويعتبر مُراقبون للموقف أن قاسم بدري لم يكن يجدر به المكابرة منذ البداية على الاعتذار، لجهة أن العنف مرفوض تجاه أيِّ بشري بغضِّ النظر عن نوعه سواء كان رجلاً أو امرأة، مع الوضع في الاعتبار أن تصرفه نابع عن محاولته حماية حياة طالبات جامعته من تداعيات الخروج للتظاهر، ويرون أن بدري نفسه أوضح أن الأمر لا يعدو أن يكون أكثر من صراع سياسي بين الحكومة والمعارضة، وأن طالبات الأحفاد لن يَكُنَّ وقوداً له. وهو ما فسره كثيرون منطقاً تبريرياً مقبولاً نوعاً ما، إذ لا أعلى أو أغلى من قيمة الحياة نفسها. قاسم ليس الأول بدري لم يكن البطل الأول في مسلسل الاعتذار، وسبقه كثيرون، لعل أبرزهم اعتذار وزير الإعلام أحمد بلال عقب تصريحات له بالقاهرة تتجاوز الخط الرسمي للدولة بالحديث عن قناة الجزيرة، مثيراً الجدل حول أحقية الناطق الرسمي التحدث برأيه الشخصي والحد الفاصل بينهما. حينها أعلن رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان الطيب مصطفى مثول بلال أم اللجنة واعتذاره، واصفاً إياه بالشجاع الذي اعتذر. اعتذار عابر للحدود مس أفئدة الشارع السوداني وامتص انفعاله، مارسه وزير الداخلية العراقي في يوليو من العام الماضي عقب اعتدائه بالضرب والتعذيب للشرطة الاتحادية العراقية في الموصل على المواطن السوداني موسى بشير، ومنحه الجنسية العراقية. كذلك شهد أبريل من العام الماضي جدلاً كثيفاً في أعقاب احتدام الصراع الحزبي بين وزير الإعلام أحمد بلال والوزيرة السابقة إشراقة سيد محمود، وما تبعه من جدل أثاره مقال للصحفي أسامة عبد الماجد تحت عنوان (بلطجة سياسية) اعتذر عنه رئيس تحرير (السوداني) ضياء الدين بلال، مؤكداً أن ثمة سوء فهم واجتزاءً لمُفردات المقال. بعيداً عن الاعتذار للشارع السوداني والرأي العام، قريباً من الاعتذار المُوجَّه للدوائر الرسمية، شهدت الخرطوم اعتذار السيدة (ف.ش) في القضية التي شغلت الرأي العام والمعروفة ب(سيدة الدويم)، إذ اعتذرت عما وصفته بفبركة قصة اختطافها في يوليو من العام الماضي لتبرير غيابها من المنزل دون إذن أُسرتها وزوجها، وأنها خرجت من منزلها بسبب مشكلة اجتماعية قاصدةً أحد الشيوخ بمنطقة الدويم، ولأنها لم ترد على مكالمات ذويها ادعت اختطافها. في ذات الفترة اعتذرت سيدة الأعمال السودانية جواهر المبارك، عبر تسجيل (فيديو) للسلطات وأشادت بالأمن السوداني. وكانت السيدة قد نشرت مقطع فيديو، كشفت فيه عن تعرضها لمضايقات من قبل بعض منسوبي جهاز الأمن وبلاغات كيدية ومضايقات مستمرة واستدعاءات من قِبَلِ أحد الضباط. سبقت الناشطة د.ساندرا فاروق كدودة السيديتين السابقتين في توجيه اعتذار للسلطات والشارع العام في يونيو من العام 2015م، عن ادعائها الاعتقال والتعذيب خلال فترة اختفائها من 12- 15 أبريل 2015م، وعدم ظهورها في منزلها بضاحية الطائفبالخرطوم، وعقدت مؤتمراً صحفياً أعلنت فيه اعتذارها للشعب السوداني وللأجهزة الأمنية والنظامية المختلفة، لما سببته من إزعاج بادعاء اختطافها. لم تكن السيدات أول من ابتدر الاعتذار للسلطات، واستبقهم في ذلك الإمام الصادق المهدي في يونيو من العام 2014م، حينما أعلنت الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي أن حديث الإمام الصادق عن الدعم السريع مستمد من شكاوى ليست بالضرورة كلها صحيحة، وأنهم يعتذرون عنها، الأمر الذي ترتَّب عليه إطلاق سراحه من سجن كوبر عقب شهر من اعتقاله. جدلٌ بلا اعتذار ساخرون من الأمر برُمَّته يرون أن ضغوط الرأي العام لا تأثير لها إلا لمن هو في عالم وسطي ومعزول عن الحكومة والمعارضة، لجهة غياب أي تأثير للرأي العام على الطرفين الحكومي والمعارض، وإجبارهم على الاعتذار عن تصرُّف أو سلوك، مُدلِّلين على ذلك بتصريحات سابقة لوزير المالية الأسبق علي محمود في حقِّ الشعب السوداني ومطالبته إياه بالرجوع ل(أكل الكسرة). وعلى الرغم مما وجدته تلك التصريحات من انتقاد لاذع، إلا أنه لم يعتذر عنها. مؤخراً أيضاً كان رد فعل الشارع العام وغالبية القوى السياسية على حديث نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الاستثمار بشأن التطبيع مع إسرائيل، صاخباً وكثيفاً وهجوماً انتقادياً، إلا أن ذلك لم يُفلح في انتزاع اعتذار أو تراجع عن تلك التصريحات. بيد أن أشهر الاعتذارات أو التراجعات عقب ما أشعلته من جدل كثيف جاءت في العام 2011م إبان تسريبات منسوبة لمساعد رئيس الحزب الحاكم وقتها د.نافع علي نافع بأنه لن يتم إطلاق سراح الترابي إلا على (عنقريب)، الأمر الذي أثار حفيظة المؤتمر الشعبي المعارض وقتها، وحرَّكَ مخاوف الكثيرين، فكان رد الفعل وفي خطوة نادرة بإصدار نافع علي نافع اعتذاراً باسمه ممهوراً بعنوان مكتبه الحزبي عن ذلك الحديث، فيما فسره مناصرو الحزب الحاكم بأنه نفيٌ لما رشح من أحاديث.