إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يومٍ مضى جزءٌ من العمر، يمضي قطار العمر ويأخذنا ونحن في غفلة، نرحل في هدوء دون أن نشعر، فماذا قدمنا لآخرتنا؟ وحتى في حياتنا، البعض لا يعرف شكر النعمة، وعدم شكر النعمة عبارة عن مرض، يُعرف بالمرض الصامت، إنه مرض لا ترى له ملامح، ولا تشعر له بأية أعراض، نعم، هو مرض (التعود على النعمة)، وذلك حين تألف نِعمَ اللهِ عليك وكأنها ليست بِنِعَم، وتفقد الإحساس بها كأنها حق مكتسب. نتعود الدخول على أهل بيتنا، ونجدهم بخير وفي أحسن حال، ورغم ذلك قد لا نحمد الله وبعضٌ آخر ينسى شكر النعمة، نذهب للتسوق ونضع ما نريد في عربتنا وندفع التكلفة ونعود لمنازلنا دون أدنى إحساس بالمنعم الواحد الأحد وشكره، وقد نظن هذه النعمة عادية ومن حقنا في الحياة، وحتى لو كانت من حقنا وعادية أين مقابل التمتع بها، في المقابل لو أعطانا أحد شيئا شكرناه وأثنينا عليه ومدحناه، فكيف بالله واهب النعم؟ لتنتبه فأنت في خطر، فإذا أَلِفْتَ النعمة وصرت تأكل منها وهناك من بات جائعاً، أو من يملك طعاماً ولا يستطيع أن يأكله بسبب مرضه وأنت في صحة وعافية، فاحمد الله وأشكره كثيراً، أن تدخل بيتك وقد أنعم الله عليك بالستر والمودة بوجود الأم أو الأب أو الزوجة والأبناء وجميعكم في صحة وعافية وفى أفضل حال، فاحمد الله وأشكره شكراً كثيراً. لا تجعل الحياة ترغمك بأن تألف النعم، بل أرغم أنت نفسك وحياتك أن تألف الحمد والشكر، وإذا سُئُلت عن حالك فلا تقل ما في جديد، فأنت في نعم كثيرة لا تُحصى ولا تُعد، فقد جددها الله لك في يومك هذا فوجب عليك حمده وشكره، فغيرك قد حُرِم منها، فكم من آمنٍ أصبح خائفاً، وكم من صحيح أصبح سقيماً، وكم من عامل أصبح عاطلا، وكم من غني أصبح محتاجاً، وكم من مبصر أصبح أعمى، وكم من متحرك أصبح عاجزاً، وأنت جُددت لك كل تلك النعم، فقل الحمد لله على ما أعطى وأبقى، فاللهم كما رزقتنا النعم، فارزقنا الشكر على النعم، واجعلنا حامدين شاكرين، نقدر نعمك علينا، فلنحمد الله ونشكر فضله علينا، ولنكن من القليلين الذين قِيل عنهم: (وقليل من عبادي الشكور)، إذاً لنسابق الزمن وندرك أنفسنا وأحوالنا قبل أن يوافينا الأجل، فأنفاسنا دقائق لا تعود، والحياة قصيرة جداً. وفي ذات السياق تحضرني قصة لفتاة كانت تجلس في حافلة (باص صغير)، وعندما توقف الباص في المحطة، ركبت امرأة وجلست بجانب الفتاة، واصطدمت بها هي وحقائبها الكثيرة دون أن تعتذر، وعندما رأى رجل هذا المنظر، انزعج وسأل الفتاة: لماذا لا تتكلمي وتقولي شيئاً لهذه المرأة الفوضوية؟ أجابت الفتاة بابتسامة: ليس من الضروري أن تكون قاسياً وتجادل على شيءٍ تافه، فالرحلة قصيرة جداً، وأنا سوف أنزل في المحطة القادمة، هذه الكلمات تستحق أن تُكتب بماء الذهب ونعمل بها في تصرفاتنا اليومية. نعم ليس من الضروري أن تكون قاسياً وتجادل على كل شيء، لأن الرحلة قصيرة جداً، فإذا انتبه كلٌ منا بأن رحلتنا في الدنيا قصيرة، لن نجعلها مظلمة مليئة بالجدل وعدم العفو عن الآخرين وسوء الخلق وعدم شكر النعم. فإذا لم يحترمك أحدهم ولم يقدرك أو خانك أو غشك أو استهزأ بك أو نسي معروفك ووقفتك معه وسؤالك عنه، كن هادئاً وتذكر أن الرحلة قصيرة جداً. إذاً لنملأ قلوبنا بالمحبة والسلام وشكر النعم، فالمحبة شعور العظماء وليس للجبناء أو سيئي الأخلاق لهم فيها نصيب . أخيراً رحلتنا قصيرة ولا يمكن الرجوع إليها بعد تركها، ولا أحدٌ يعلم مدة رحلته، هل سيبقى للمحطة التالية وللساعة القادمة أو لليوم التالي أم لا ؟9 لذلك، لنبقى متفائلين مع من حولنا، ولنكن هادئين طيبين كاظمين الغيظ صبورين متغافلين ومتسامحين مع الآخرين ،نقابل الناس بابتسامة ووجه صبوح، ونترك بصمة أمل لغيرنا فالحياة لا تصفوا لأحد. خبير المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية [email protected]