منذ أن وطأت قدماي هذا الخليج بأماراته المتعددة حرصت على أمرين ؟؟ أولهما سبر أغوار المؤسسات الخليجية بحثاً عن خطوط تربط الحركة الثقافية والإبداعية والإعلامية السودانية بمؤسسات الخليج النظيرة كي تستفيد المؤسسات السودانية من الإمكانات الخليجية السخية وفي هذا الأمر حققت بعضاً من نجاحات لا أزهو بها بقدر ما أعتبرها واجباً تمليه علي مهام وظيفتي . الأمر الثاني الذي أوليته عناية رحبة هو تفويج وفود إعلامية للسودان على خلفية أن دبي وحدها تحتضن أكثر من150 قناة فضائية متخصصة وفي هذا الأمر أيضاً حققت جزءاً من خطة طموحة فقد أنجزت حتى الآن 10 رحلات قوامها صحف ومجلات وقنوات فضائية كانت حصيلة هذه الرحلات تقارير متوازنة عن السودان كشفت حقائق جديدة لمسائل ملتبسة حول دارفور واتفاقية السلام وضمن تلك الرحلات فاز الأستاذ الروائي الأردني معن البياري بجائزة الصحافة العربية للعام 2009 عن تحقيق له عن نيالا وسأنشر في عدد الغد الجمعة إن شاء الله رسالة الشكر التي بهث بها لي . هذان الأمران هما اللذان توافرت لهما وعلى هامشهما حاولت تجسير العلاقات بين القنصلية وبين الصحفيين السودانيين المقيميين هنا عن طريق الحوار الهادئ الذي يحترم الخيار السياسي والفكري والموقف من القضايا كافة . قبل يومين كسرت هذا التقليد الذي أوليته اهتمامي ومنحته كل وقتي فقمت بجولة على الأسواق الشعبية بدبي حيث قابلت سودانياً وزوجته حرصت وحرصا على التحية والسلام والمجاملة وأثناء ممارستنا لهذا الطقس الوطني الحنون الذي يميّز سماحتنا بين كل الشعوب ( إزيك وكيفنك ) سألني الرجل هل أنت محمد محمد خير ؟ فأجبته ( بنعم) فقال لي مباشرة لماذا أصبحت لا تهاجم الحكومة ؟ فذّكرني سؤاله إجابة لصديقنا المرحوم المهندس الهادي سوار الذي تجاوز الستين ولم يتزوج وسأله أحدهم لماذا لم تتزوّج ؟ فأجابه ( والله نسيت ) ! وما من عادتي نكران ماضيّ الذي كان ولكن كل ما أحببت قبلك ما أحبوني . لا أدري لم قفز هذا البيت الشعري البدر شاكر السّياب على ذهني وأنا أستمع لسؤال إبن دمي الذي قابلته في السوق ربما لأنه يتصل بالماضي وينتمي لموقفه فبدر شاكر السّياب كان مثلي أيضاّ بدأ شيوعياً وانتهى لصوفي بحمد الله على نعمة المرض لك الحمد مهما إسقطال البلاء ومهما إستبد الألم لك الحمد إن الرزايا عطاء وإن المصيبات بعض الكرم أجبت الرجل لأن الحكومة (بقت كويسة ) مقارنة على ما كانت عليه حين كنت أهاجمها فهي الآن توفّر مساحات للرأي المعارض ينشر في أكثر من ثلاثين صحيفة بلا رقابة وبلا وصاية وحين كنت أهاجمها لم أكن أهاجمها وأنتقدها من الخرطوم كنت أحتمي بالقاهرة وتورنتو وأنشر في الحياة اللندنية والفجر والوفد لكنها الآن تتيح المجال لكل من يتهجى المقال بأن يهاجمها ويدعو لمنازلتها ويبّشر بسقوطها فابتسم الرجل إبتسامة لوذعية تقبل التفسير بأنها بريئة وبأنها موغلة في الخبث كأنني حققت ذاتي وذاته يوم كنت أهاجم الحكومة وكأنني نفيت نفسي يوم كففت عن الكلام المباح !! هل يصبح الكاتب محترماً وذا شعبية إذا إلتزم حتى نهاية التاريخ خط الهجوم على الحكومة وهل يصبح خائناً ومرتداً ومن خلعاء الفكرة إذا كف عن ذلك واختار طريقاً آخر ؟ وأثناء إنشغالي بهذه الجولة التساؤلية فاجأني الرجل بسؤال أكثر لجاجة ( أها أستاذ البديل شنو ؟ ) وفي هذه الأثناء كانت زوجته تنظر إليه بكل رضى الزوجية النابعة من المحبة والرحمة كأنه بهذا السؤال أجهز عليّ ، وكأنني بصمتي الذي لم يفصح عن البديل انهزمت في معركة أعد لها كل أسلحته التقليدية والمحظورة ، لكنني تفاجأت ونحن نشرب عصير البرتقال ( حين أصررت عليهما بالتعارف عبر عدم العروض جفا ) بأنهما مع الحكومة تماماً وأنهما يرتبان للعودة للسودان بعد أن ( إتصلح ) وأصبح مستمتعاً بالشوارع والبنزين والخبز وبالمستقبل الواعد كما قالت شريكته !!!!!