في بداية الطريق لمقر استراحة (جوّانا أمل) التي أنشاها (رجال بر وإحسان) قاموا باستئجار هذه الاستراحة ووفّروا للأطفال وذويهم كل سُبُل الراحة من سكن وإعاشة وترحيل، دلفنا إلى داخل المبنى فوجدناه جميلاً مُرتّباً، عدد من الشباب يقومون بترتيب المكان هنا وهناك، منهم من يرتدي زيّاً جامعياً، وبعد خطوات قليلة تسمع صَوت أطفال بالدّاخل وكأنّك في بيت أسرة أطفالها مُشاغبون، بعضهم جالس لمشاهدة قناة الأطفال المُفضّلة لهم، وآخرون يلعبون داخل صالة الألعاب وأصوات ضحكاتهم تملأ المكان بالبهجة والسرور، لكن من المُفارقات أن ذات هذه الاستراحة يوجد بها أطفال هدَّ السرطان (حيلهم) وجعلهم لا يقوون على الحركة مهما كان نوعها، فقط يذهبون لتلقي الجُرعات مُسنودين على ذويهم من المُرافقين، أما اللعب مع أقرانهم والحركة داخل غُرف وصالات الاستراحة فإنّهم ممنوعون منها بأمر السرطان اللعين. حكاية الطفل عثمان مع السرطان عثمان، طفلٌ لم يُكمل عامه السادس؛ استقبلنا وهو يبكي لألمٍ يحس به وحده لكنه لا يستطيع شرحه، ألمٌ لازمه منذ عامه الأول، وجعله صديقاً دائماً لدموعه، كل من بالاستراحة بدءاً بوالدته ينظر إليه وليس بأيديهم شيء سوى الدعاء بأن يُخفِّف الله عنه آلامه، استوقفنا هدوء والدته وجلوسها والنظر إلى ابنها وهو يتألّم وهي (أم) في العشرينيات من عُمرها، - حسب تقديرنا – لأننا عندما سألناها عن عمرها اجابت بأنها " لا تعلم " ولا يتهمون بذلك، لكن عندما مرض ابنها كان عمرها حوالي (12) عاماً، وأضافت أنها وطفلها يقيمان داخل هذه الاستراحة لأكثر من عام، جاءت من النهود تروي ل(السوداني) قصة عثمان بكرها والذي يُعاني من مرض السرطان منذ عامه الأول تحكي والدموع تنزل من عينيها لتقول إنّ عثمان يبلغ عمره الآن (6) سنوات، إنّ عثمان كان طفلاً سليماً مُعافى، وبينما هو يلعب مع ابن عمه الذي كان يحمل مقصاً بيده وهو على بُعد منه ليقوم بإدخال المقص له في عينه، ليقوم والده بأخذه مُسرعاً الى المستشفى ويقوموا بإجراء اللازم، تم تنظيف العين وإعطائه (قطرة وأدوية أخرى)، ولكن لم بعد فترة ظهر ورم بالعين بصورةٍ مُخيفةٍ جداً، ليتم استراجعه للطبيب والذي بدوره طلب تحويله لولاية الخرطوم لحساسية الحالة، وبالفعل قام زوجي باللازم وأخذ عثمان هو وجدته، وأنا لم أستطع الذهاب لأنّني كنت في حالة (وضوع) وعند مُقابلتهم للطبيب بالخرطوم قرّر له عملية مُستعجلة لتضرر العين، وتواصل الحديث بصعوبة، وتقول: قرر الأطباء استئصال العين لأن هنالك خلايا سرطانية بداخلها، ولم يكن بيدنا شيء سوى الرضاء بالمقسوم، وبالفعل أجريت العملية واُستئصلت العين وجاء عثمان إلى منزله بخير، ولكننا بعد ذلك لم نهتم بمُقابلة الطبيب لأنّنا ننظر إليه بعين أنه بخير، وتدهورت حالته مرة أخرى وتورمت العين أكثر من قبل، ليضطر والده بإرجاعه بعد 10 أشهر من العملية، لنتفاجأ بأن المرض تحول إلى "البطن" وسرعان ما فقد عثمان القدرة على السير وبَاتَ مشلولاً تماماً لتأثر الأرجل بالمرض والآن يأخذ إشعاعاً ثلاث مرات أسبوعياً، وأضافت: إنّ الطبيب طمأنهم على صحته. قصة تقشعرُ لها الأبدان "علي" طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، قضى نصف عمره هذا تحت تأثير مرض أقل ما يُمكن أن يُوصف به أنه فتَّاك جداً، وقد حرم "علي" من أن يعيش تفاصيل طفولته، فما أصابه أثّر على حالته النفسية، وجدته (السوداني) مُستلقياً على سرير بإحدى غُرف الاستراحات المُخصّصة لمرضى السرطان يغطي نفسه ببطانية ويرد بصوتٍ خفيضٍ حيث قال: (أشعر بالبرد قليلاً ولذلك أتغطى)، أمّا والدته فقد أكملت صلاتها وجلست على سجادتها تدعو ربها بأن يُخفِّف الألم على ابنها ويشفيه من إصابته، اقتربنا منها وسألناها عن مرض ابنها ومنذ متى فقالت: "علي" مصاب بسرطان بالمستقيم أصابه منذ خمس سنوات وبدأ العلاج منذ أربع سنوات، وأضافت كان يُعاني دائماً من الإمساك وصعوبة في الإخراج وفي كل مرة نذهب فيها إلى الطبيب يقوم بإعطائه مليّنات، لكنه لم يتحسّن فذهبت به الى مستشفى الحصاحيصا وبعد إجراء التحاليل اللازمة طلبوا منا التوجه الى مستشفى ود مدني وعند وصولنا للمستشفى قمنا باطلاعهم على جميع الفحوصات، وطلب الطبيب إجراء فحص آخر، قال إنه غير موجود بود مدني وعلينا التوجه الى الخرطوم، جئنا الى الخرطوم وأخذنا نتيجة الفحص وعدنا إلى ود مدني وطلبوا منا فحصاً آخر، فأصبحنا نذهب ونأتي عدة أشهر، وفي النهاية تم تحويلنا الى مُستشفى السلاح الطبي، وكانت حالة ابني تسوء يوماً بعد الآخر، مكثنا بالسلاح قرابة الشهر ولم يتغيّر شيء من وضع "علي" الصحي، وعندما طلبت من الأطباء إعطاءه علاجاً، قالوا إن علاجه غير متوفر هنا وعلينا الذهاب إلى برج الأمل ليتلقى العلاج المُناسب، وفور وصولنا إلى البرج قمنا بمُقابلة الأطباء وأخبرونا أنه يجب إخضاعة إلى جلسات كيميائي فهو مُصاب بسرطان في المستقيم، لم أتقبّل فكرة مرضه فأخذته وعدت به إلى المنزل لكنه لم يتحسّن، وبعد عام عاد به والده إلى الخرطوم وبدأ العلاج وتحسّنت حالته وشفي ورجع معافىً وعاد لمُواصلة دراسته، وتواصل: في يوم ما عاد من المدرسة ومشيته تغيرت وعندما سألته ماذا بك لم يخبرني، وبقي على هذا الحال عدة أيام، وفي يوم تحجّجت بأنّي أريده أن أمسح جسمه بالزيت فوجدت حبة بمؤخرته عندما سألته عن سببها قال إنّه وقع على الكنبة لذلك لم يكن يمشي بطريقة مريحة، فأخبرت والده وسافر به على الفور لمقابلة الطبيب فقرّر إجراء عملية له وقطع جزءٍ من المستقيم ويخضع للإشعاع مرة أخرى، تم إجراء العملية وبدأ جلسات الإشعاع لكن إحدى أرجله تأثرت وأصبح لا يستطيع المشي، وأضافت: تقرّرت له عملية أخرى لإعادة المستقيم إلى مكانه وبعد ذلك سنبدأ العلاج الطبيعي ليتمكن من المشي مرةً أخرى. مدير الاستراحة مدير المشاريع باستراحة (جوّانا أمل) عبد الخالق قاسم قال ل( السوداني) إنّ هذه التجربة ليست الأولى، بل سبقتها تجارب مُماثلة، أمّا هدفها فهو توفير المأوى لمن داهمهم السرطان وجاءوا من الولايات البعيدة، أنشأها فاعل خير سوداني التزم بإيجار المبنى وكان الهدف توفير جو صحي معافى يتمتّع برفاهية عالية للأطفال، حيث كانت البداية ب 15 طفلاً والآن ارتفع العدد إلى 35 طفلاً، يتم تحويلهم من برج الأمل إلى هذه الاستراحة، فالمبنى مقسَّم لجزئين أحدهما خاص بالنساء وأطفالهن المرضى، والآخر للرجال وأطفالهم، وهنالك غرفة خاصة تُسمى "العزل" مُخصّصة للأطفال بعد أخذ الجرعات، حيث يوفر لهم فيها جو عالي الرطوبة نسبةً لسخونة العلاج، ونحتاج فيها لزيادة "المُكيّفات"، هنالك صالة مُخصّصة للألعاب وأخرى للتلفاز. ويضيف بقوله: نقدم لهم ثلاث وجبات تُحدِّدها أخصائية التغذية كل طفل وخط وجباته، بالإضافة للمكملات الغذائية والتي تمثل مشكلة كبيرة نسبةً لارتفاع أسعارها ل (250) علبة بها (60) حبة يأخذ الطفل ثلاث حبات يومياً، يحتاج التوفير والدعم، وهنالك عربة مُخصّصة لنقلهم من الاستراحة إلى المستشفى وبالعكس، ولا يخرج طفل إلاّ بعد قرار الطبيب المُعالج باكتمال شفائه. ويشير عبد الخالق الى ان المشاكل التي تواجههم تتمثل في وجود عربة واحدة للترحيل، فقد تتحرّك مع شخص ويحتاج آخر لنقله الى المستشفى، بالإضافة للمرتبات التي تُصرف ل (7) وظائف "أخصائي تغذية، شركة نظافة، مُشرفين، طبّاخين وإشراف ليلي"، لذلك مطلوبات الاستراحة هي (80) ألف جنيه + عربة إضافية + مُولِّد كهرباء 32 kvA + توسع في الاستراحة لاستيعاب أكبر عدد + تجهيز غرفة الألعاب بمواصفات خاصة. ومن هنا نُناشد الدولة والمُنظّمات وكل الخيِّرين بأن يُساهموا معنا في هذا العمل الجليل من أجل أطفال السرطان.