أحد شعراء الحقيبة يصف مجموعة من الفتيات مررن أمامه، يصف استقامتهن وتتابع خطواتهن وامتلاء أوساطهن قائلاً (فشكليتن ملان جبخانة ماهو بهيل ** غرام ريدن فتن هابيل قتل قابيل)، والفشكليت هو (القاش أو الحزام الذي يربطه العسكري في وسطه) شرطياً كان أم في القوات المسلحة، والأقرب أنه كان يقصد الشرطي باعتبار أنه المشهد المتاح أمامه يومياً وأنه الأقرب إليه وجداناً وتعاملاًَ. استدعاء شاعر الحقيبة لمشهد الشرطي في وصف الفتيات ينم عن مشهد نابع من الوجدان والعلاقة الحتمية والازلية بين الشرطة والمجتمع، هذه العلاقة لا يكتب لها الاستقرار هكذا حباً وعشقاً وقد تتعرض في بعض الأحيان وتتأرجح بين الرضى والقبول تارة والسخط والنفور تارة أخرى وذلك مع قناعة الطرفين بأنه لا غنىً لكل طرف عن الآخر في علاقة تبادلية أوجدتها ضرورات أمنية واجتماعية، ومن هنا كان وما زال السجال والجدل اليومي بين قادح ومادح الشيء الذي يجعل ضرورة صيانة هذه العلاقة من التصدعات التي يثيرها تصرف فرد من أفراد الشرطة يتجاوز فيه المعقول من السلوك فتثور ردة فعل من بعض أفراد المجتمع، وللصبغة الاجتماعية الكاملة التي تنطلق منها ومن أجلها عمل الشرطة كان حرص قادتنا القدامى واقتناعهم بضرورة أن تظل قنوات التواصل مشرعة بين الشرطة والجمهور في كل زمان ومكان، وفي مناخ عام يحكمه الإعلام ويسيطر عليه بفضل انتشاره وقدرته الفائقة في النقل، قناعة قادتنا بأهمية الإعلام في نشر كل أنشطة الشرطة ودورها المفصلي في العملية الأمنية وتوثيق تلك الأنشطة تجسدت في دعم ورعاية أنشطة الإعلام فكانت ساهرون بإمكاناتها الضخمة والتي ينطلق منها صوت الشرطة السودانية وتصدر عنها مجلة الشرطة الشهرية. إلا أن السؤال الجوهري الذي لم يجد إجابة شافية حتى الآن! هل أفلح إعلام الشرطة في التخفيف من حدة الجفوة بين الشرطة والمجتمع؟ وهل أفلح الخطاب الإعلامي الشرطي الموجه للجمهور بأن يؤكد أن ما تقوم به الشرطة بالذات في التصدي للمظاهرات يأتي في إطار الواجب والمسؤولية القانونية؟ وهل اخترق الخطاب الشرطي البؤر التي تنطلق منها نداءات الكراهية للشرطة (دسيس مان) علي سبيل المثال؟ هل كان الأصوب اسلوب البلاغات في مواجهته أم طريقة رسولنا صلى الله عليه وسلم مع ذلك الإعرابي الذي اقتحم المسجد وقال يا محمد مجرداً هكذا حتى قام عليه الصحابة يريدون قتله، فكان لطف رسولنا صلى الله عليه وسلم أن قال خلو بيني وبين الرجل وجعل يعطيه حتى قال كفى وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًَ رسول الله، ثم كان الدرس العظيم من رسولنا للصحابة، قال إن ما بيني وبين الرجل كرجل جفل منه بعيره فأصبح الناس يطاردونه والبعير يزداد نفوراً حتى تدخل الرجل وقال خلو بيني وبين بعيري وأمسك أطراف ثوبه وتوجه للبعير الذي أتاه فلجمه بعد ذلك. لا ننكر أن ساهرون قدمت جهداً كبيراً في خدمة ملفات كثيرة في الشرطة ويبقى المطلوب أن ندعم ذلك بمزيد من أصحاب الموهبة الإعلامية ومن لهم قدرة في قراءة ميدان الأحداث واتجاهات الكلام والقدرة في التنبؤ ومن ثم صياغة خطاب يتسرب لوجدان المجتمع، فالإعلام أحبتي إبداع قبل أن يكون عملاً روتينياً أشبه بأداء الواجب.