كثر الحديث عن ولاية المرأة بعد تعيين كل من والي الشمالية ووالي نهر النيل، بلاد الكنداكات الملكات المحاربات من قبل التاريخ. لذا كتبت الكلمات التالية، ولكن قبلها أود أن أقول، منحتم أكثر من ستين عاما، اتركوا لها فرصة عل الله يحدث على يدها أمرا. بإجماع العلماء لا يجوز تولي المرأة الولاية العامة الكبرى " خلافة المسلمين" والإمامة العامة في الأمة على جميع المسلمين. أما في غير الخلافة العامة والإمامة العامة، فهناك العديد من الأقوال والشواهد التي تبيح للمرأة تولي العديد من المهام وإليكم الدلائل: – قام عمر بن الخطاب بحضور الصحابة بتولية الشفاء بنت عبد الله العدوية على السوق تحتسب وتراقب، وهو ضرب من الولاية العامة .وكذلك الواقع المشاهد أن المسؤولية جماعية والولاية مشتركة، تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءًا منها مع من يحملها. – قصة ملكة سبأ التي ذكرها القرآن الكريم، وأشاد بطريقة إدارتها الديموقراطية للحكم:"قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون"، فردوا عليها بأنهم: "نحن أولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين". المعنى أنهم كانوا رجالاً أقوياء مستعدين لخوض المعارك، وأرجعوا الأمر إليها لتتخذ القرار، سبحان الله، أوضحت وجهة نظرها، بأن الملوك إذا دخلوا قرية جعلوا أعزة أهلها أذله، فأرادت أن تتفادى ذلك بالهدية، فوافقوها. انظر مدى الشورى والذكاء.لم يسردها القرآن عبثا. الكنداكة أماني شاخيتو حكمت مملكة كوش، وقد اعتلت العرش بعد وفاة الكنداكة "أماني ريناس"، وكانت من الملكات العظيمات في مملكة كوش، وعلى يدها تمّ إخضاع أسوان لمملكتها حينما كانت خاضعة لحكم الرومان في ذلك الوقت ، واشتهرت بصدها للقوات الرومانية الغازية التي أرسلها الامبراطور الروماني أغسطس بعد رفضها لفرض الامبراطورية الرومانية الضرائب الباهظة على أتباع مملكتها. قادت الكنداكة أماني شاخيتو حرباً ضد الامبراطورية الرومانية تكونت من 30000 جندي بقيادتها لتحرير أسوان من قبضة المستعمر وتحرير سكانها، وهناك المزيد من الكنداكات النوبيات اللاتي حكمن بلادنا قبل التاريخ كالكنداكة أماني شانا داخت والكندكة أماني تاري وأماني كتاشن . وفي تاريخ سوداننا القريب سيرة الملكة ستنا بت عجيب التي حكمت منطقة شندي في القرن الثامن عشر وكان لها نفوذ كبير؛ وقصتها تثبت أن أهلنا الجعليين ليس كما يقال عنهم إنهم يضطهدون المرأة ؛ بدليل قبولهم بملكة عليهم حكمت حاضرتهم شندي وكانت ذات هيبة وجلال. – وقصة أم المؤمنين عائشة التي تولت رئاسة قومها في حرب الجمل رئاسة فعلية ومن كذلك قوله تعالى "المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" فاستفادوا من ذلك المساواة في الولاية بين المؤمنين دون تفريق بين الجنسين، كما استنبطوا من تكملة الآية "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" جواز العمل السياسي، والتولي للمناصب العليا .. – في الواقع المعاش نموذج انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند السابقة التي دخلت في حروب عدة مع باكستان المسلمة التي كان يقودها الرجال وقد مرمغت أنوفهم في التراب و كذلك الحال لمارجريت تاتشر التي كانت تلقب بالمرأة الحديدية والتي هزمت رجال الارجنتين في معركة جزر فوكلاند وكل منهما كانت نموذجاً للقيادة الصالحة لشعبها التي تقود وطنها إلى أوضاع سياسية واقتصادية أفضل، هذا إلى جانب كثيرات أخريات قدن بلادهن إلى مكانة اقتصادية تفوق بمراحل بلاد أخرى يحكمها رجال. – كذلك رئاسة الدولة في وقتنا ليست من باب الخلافة العظمى التي انعقد الإجماع على منعها عن المرأة والمنعدمة الآن، لأن الأمة الإسلامية صارت دويلات مثلها مثل ولاية الأقاليم القديمة لا تتولى المرأة إلا إقليمها دون باقي الأقاليم فهذا لايمنع من ولايتها لأنها خاصة بوطنها دون سائر أوطان المسلمين. – أما حديث (لايفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) متعذر في عصرنا لأن مفهوم الولاية العامة فى عصرنا الحديث منعدم، وذلك لانتقال المجتمع من:" سلطان الفرد " إلى " سلطان المؤسسة " ، والتي يشترك فيها جمع من ذوي السلطان والاختصاص. – لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضي الفرد إلى قضاء مؤسسي ، يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة.. فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء ، بالمعنى الذي كان وارداً في فقه القدماء قديماً، لأن الولاية هنا الآن لمؤسسة وجمع، وليست لفرد من الأفراد، رجلاً كان أو امرأة. – لقد أصبحت مؤسسة التشريع والتقنين مشاركة في ولاية القضاء، بتشريعها القوانين التي ينفذها القضاة، فلم يعد قاضي اليوم ذلك الذي يجتهد في استنباط الحكم واستخلاص القانون، وإنما أصبح " المنفذ " للقانون الذي صاغته وقننته مؤسسة، تمثل الاجتهاد الجماعي والمؤسسي لا الفردي في صياغة القانون. والله أعلم.