كورونا كوفيد 19 ذو الحمض النووي والمنقول بالأثير برا وبحرا وجوا والذي كتم أنفاس الاقتصاد العالمي وضربنا من بين ما ضرب ولم يكتف بذلك بل ضربنا ضربة تحت الحزام بمتاريس كورونا كوفيد الجديدة وهي الضربة غير القانونية لأنها ربما تكون قاتلة والشكوى لغير الله مذلة. وهذه الكورونا الملعونة أصابتنا بفيروس التعطل عن العمل وعدم الإنتاج المميت والذي إذا ما أصاب دولة ما فليس له علاج سوى: § أكسجين العمل الجماعي الجاد المتكاتف المتحد. § وقف الأعراض المصاحبة للمرض من انتقاد أطراف الضفة الأخرى والبحث عن سوءاتهم ونبش الأخطاء السابقة وإضاعة الوقت في ما لا يجدي. § معالجة ما أصيب من انهيار في الاقتصاد وسوالب اجتماعية للحد من العواقب القادمة. § فرض قيود على زلات اللسان والقلم وحظر الأنشطة السالبة الآتية من جهات أكثر ضررا ً وسلبية أياً كان مصدرها. § الابتعاد عن الرهاب العنصري بأنواعه السياسية والاجتماعية واحتواء الحوارات غير الهادفة. فمن المعلوم سلفاً للجميع أن بناء الدول يقوم على سواعد أبنائها بالعمل وهو واجب حدّ العبادة وهو هدف مبدأه عمل جماعي إيماني … إيمان بالله … وايمان بالوطن … إيمان بالذات … وثقافة العمل لا تأتي بالتمني، بل ثقافة تنشأ في المجتمع وتتوارث لتتناسب مع حياة كل مجتمع على حدة بحسب تفكيره واحتياجاته وإيمانه بالنهوض بالدولة دون الانتقاص من شأن أي مهنة مهما صغرت لأنها بالتأكيد لها تأثيرها على دورة مسيرة العمل المستمرة وتشكل فيها أحد الدواليب الهامة لتدفعها دون التوقف للتصنيف العشوائي الذي يحدّ من تدفق المهارات والإبداع والإتقان دون تسيب أو إهمال. ومنذ بدء الخليقة كان إعمار الأرض مسئولية من هم على سطحها وكل له دوره وقد استخلفنا الله عزّ وجلّ لهذه المهمة وجعلها أمانة في أعناقنا وهو تحد كبير لتحمل المسؤولية وأدائها على وجهها الأكمل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وقد أوصانا حبيبنا المصطفى بقوله: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) ، وكان ذلك درس من الدروس الأولى في تنمية الموارد البشرية الذي بدأه رسولنا الكريم وتلك تنمية رأس المال البشري في الإسلام بدأ منذ نزول الرسالة لسيدنا الحبيب .. دروس في دفع الذات – تحفيز الطاقة وتغير السلوك الى الإيجابية – ثقافة العمل – روح الفريق والعمل الجماعي Team Work – الخ … الخ…. كل ذلك للنهوض بالدولة وتنميتها … ولكن بدا واضحاً وضوحاً جلياً أننا نقوم بعكس ما أفترضه الواجب لتفجير الطاقات وحشدها لبناء الدولة المتعثرة أصلا وفصلا، فمنذ نجاح ثورة الشباب ومشاهدتنا لتلك التحركات والطاقات الشبابية المتفجرة القوية ، دبت فينا آمال عِراض بأن القادم أجمل وبأن تلك السواعد ستبني صروحاً يفخر بها التاريخ وتخلق سوداناً جديداً زاهراً … وقلنا حنبنيهو .. وأن القادمين أبطال المستقبل … ومازالت تلك الآمال وقِيّدة رغم انحسار الاندفاع بسبب توجيه تلك الطاقات الى طاقات انصرافية سالبة جعلتها في موقف المتفرج الناقد صائد أخطاء الغير دون أن يكون له دور في حركة البناء …. أصبح الشغل الشاغل البحث عن عيوب الآخرين لتوجيه اللوّم والتقصير بدلا من التوجه للعمل والإنتاج وترك النقد لمن هم من مهامهم ذلك .. أصبح الجميع شغله السياسة دون أن يدفع عجلة واحدة للأمام .. أصبح الهمّ هو البحث والدخول في حوارات الطرشان الجوفاء دون ما تقتضيه قواعد وآداب وأهداف الحوار … لا أحد يذهب لمكان عمله لينتج عملاً يكون إسهاما ملموساً في المشاركة الفاعلة … الغالبية تنتظر أن تمطر السماء ذهبا .. الغالبية منّا تتعذر بأسباب هو أحد مسبباتها … لو علم أنه بإنتاجه في مكان عمله لدفع عجلاً أو دولاباً آخر في مكان آخر ويقوم ذلك العجل بالدوران ليدفع عَجَلاً في مكان مختلف لتدور كل العجلات لتستمر دورة الإنتاج ولبدأت الاستفادة من الطاقات المهدرة. والكل يفترض أنه الرقيب الأوحد الحافظ لهذه الثورة ….. نعم … الكل رقيب عليها والكل حريص على استمرار نجاحها …. ولكن لابد أن تكون عين ترقب وعين على الإنتاج ، لو تعطل عَجَل دفع واحد أو ترس لتعطلت بقية الدواليب وبالتالي توقفت المسيرة برمتها!!! كان (تتريس) الشوارع لتعطيل عربات القمع والظلم ، ولكن بعد الثورة أصبح تتريس الإنتاج مشكلة أكبر. حبس تلك الطاقات في مكامن التغييب المفتعل وتعطيل الجهود يؤدي الى إيقاف دوران إطارات مركبة الدولة .. فكيف تسير دولة بإطارات معطلة أو متهالكة ؟؟ ……. توقفت بسبب الإحجام عن العمل عن جهل أو تمرد مقصود وانقادت الى لذة النقد الهادم دون إدراك والتفرغ له ليلاً ونهاراً دون اللجوء للنقد الذاتي … هل جلس أحد منّا لجرد حساباته في دفتر هذه المسيرة؟ ماذا قدم للوطن سوى نقد الآخرين؟ ماذا أنتج ؟ ماهو المقترح الإيجابي الذي طرحه؟ جلسنا ننبش في أعمال الماضي لا لمحاسبة وطنية أمينة… بل للاستمتاع بجلد سيرة شخصيات ولى زمام أمرها لغير رجعة – جاي تفتش الماضي خلاص الماضي ولى زمان – ونغني أنت كوز فعلت وتركت … وانت شيوعي فعلت وتركت …. وأنت …. وأنت …..أي لون أو مبدأ كان …. ومضى العام ونحن مازلنا في ظلال التبطل نقبل محاسبة الغير ولا نقبل محاسبة أنفسنا، وذلك ما لا يسهم في إنشاء دولة متهالكة عليها أن تنهض من جديد. هذه الفترة تحتاج الى العمل الجاد ومساهمة كل فرد فيها … لو لم تعمل أنت .. لا أستطيع أن أعمل أنا … وإذا توقفت عن عملي توقف عمل شخص آخر ويستمر توقف السلسلة برمتها …. المزارع لا يستطيع أن يقدم منتجه ما لم يعمل مهندس البترول والسلسلة التي خلفه حتى سائق شاحنة الجاز ليزرع المزارع خضرة لبيوتنا وقمحا للفران لعطينا خبزا ….. سائق الحافلة ما لم يعمل لن يصل المنتجون الآخرون لإعمالهم ليكملوا سلسلة الإنتاج … مهندس الكهرباء وسلسلته … الطبيب وفريقه…. الأستاذ وعلمه… الطالب واجتهاده … القانوني وعدله… المحاسب ودقته … الكناس وهندسته الصحية… الصحفي وعينه الأمينة الثاقبة… الجزار ومهارته… الميكانيكي وإبداعه… الخ … الخ …. سلسلة تترابط مع بعضها البعض وتشكل كل فقرة فيها عضوا من أعضاء المجتمع … ولتعمل بشكل صحيح لابد من تنظيم تلقائي متماسك مستمر بترابط كل عضو فيه والتكيف مع بقية الأعضاء، وأي خلل في تلك السلسلة يؤدي الى تعطلها دون ريب … وأي تعطيل يحدث فنحن شركاء فيه دون استثناء وستجد بصمتك بلا شك. فالفرد ليس رقماً ملهياً عنه داخل جماعة، بل هو عنصر أساسي وفاعل وخلاق تُبنى به المجموعة، فالعمل الجماعي يحقق نفسه من خلال الأفراد وهو يوحد الهدف ورغبة التعاون وحشد القوة ومهارات الأفراد في مجموعة وتوجيهها بمسؤولية لتحقيق الأهداف حتى وإن كانت هناك مسافات مختلفة أو متباعدة. فالثورة اصبحت حقيقة والتفاصيل تكمن في كيفية أداء العمل والواجب اليومي في إطار جماعي متناغم. فالخطط الموضوعة مسبقاً من يمين أو يسار، يجب بلورتها في مساهمات ومبادرات ورؤى متزنة ، وطنية موحدة هدفها بناء سودان موحد دون تعسف جماعي على أية أفراد. والعمل على مواجهة التحديات ومعالجة تراكمات الماضي يجب أن يكون من أولويات هذه الفترة لمعالجة: § التضخم الوظيفي في الأعداد غير المطلوبة وبدون أعباء وتسكينها في وظائف تتماشى مع مؤهلاتهم وخبراتهم للاستفادة من طاقاتهم المعطلة وبث روح العمل والمسئولية في نفوسهم. § إنهاء التوظيف على أساس الولاء السياسي بصرف النظر عن الكفاءة والجدارة مما كان يقوي التفرد الذي يمتاز بالنرجسية والمزاجية والقرارات الانفعالية. § معالجة التسيب واللامبالاة الناتج عن الشعور بعدم الرضا الوظيفي، مما يؤدي الى عدم الإنتاج والفساد ثم الفقر، فالفقر هو نتيجة للترهل والفساد الإداري وليس سببا فيه والفساد هو نتاج لعدم الكفاءة المؤسسية وضعف الاستقرار السياسي والرتابة الحكومية البيروقراطية وضعف الأنظمة التشريعية والقضائية التي تتطلب سرعة المعالجة. § العمل على تحسين الكفاءة الإنتاجية § دعم بيئة العمل § رفع الروح المعنوية المنهارة بسبب التجاذبات § تحسين القدرة على حل النزاعات § تطوير الحياة المهنية ظهور العقبات والحواجز قد تكون من أفراد أو من سياسات تحكم العاملين ولا تتماشى مع/ أو تتواكب مع المرحلة الجديدة، ولذلك لابد من الكشف عن هذه الحواجز أو المنغصات التي تعيق تلك المسيرة : § معوقات العمل الجماعي أو إعاقة الإنتاج § سوء القيادة § سوء التخطيط § ضعف التواصل § المشاكل الشخصية بين الأفراد والمؤسسات § انخفاض مستوى التدريب الوقوف والتعطل لتصفية الحسابات والتغييب لن ينتج بصلة ….. وليس معنى ذلك أن يفلت من يستحق العقاب، ولكن ليتفرغ كل لشأنه … والجهات القانونية شأنها أن تعمل بحماس لصناعة العدل المُرضي، وذاك ميدانها، ولابد من فرض نظام العقاب والثواب لتستوي عدالة المجتمع والكل يجب أن يعمل في مجاله وتخصصه … موظفين وعمالا وقوات نظامية وأصحاب رؤوس الأموال الوطنية … الكل دون تجنيب أو إقصاء …. وعين الرقيب على كل من يمشي على سطح الوطن دون تحابٍ أو مجاملة ولتكن نظرتنا نحو هدف واحد في هذه المرحلة لنعبر بسلام ونضع الأسس لدولة جديدة لها استراتيجيتها وأهدافها لنبنيهو كما كان العزم في بداية الثورة دولة فتية تقوم على سواعد شبابها وترسي مفهوم وثقافة العمل أولاً وتشخيص وعلاج الأزمات الموروثة والمفتعلة، وإرساء الاستقرار الذهني والنفسي، وإرساء قواعد ثابتة لثقافة الحوار المثمر وخطط التدريب والتعليم للقضاء على البطالة للمساهمة في البناء الاقتصادي وإسهام رؤوس الأموال الوطنية المخلصة في قطاعات التجارة والصناعة بإتاحة الفرص للشباب للتدريب لسد احتياجات سوق العمل ولتقليص تكدس الخريجين المتنوع. ولأن ثقافة العمل الجاد المؤسس من المتطلبات الأساسية للنهوض والتحول الوطني وهو أهم العوامل لتأسيس قاعدة منهجية للعمل والإنتاج والتنمية وتقوية منظومة ثقافة العمل والتربية الوطنية والإيمان بأن النهضة الحقيقية تكون بالإنتاج وليس باستصعاب العمل وتقليل الجهد والتمني والأحلام الوردية، بل بالعمل واستنهاض القدرات وتعزيز العمليات الإنتاجية لمواردنا المتنوعة التي أكرمنا بها المولى عزّ وجلّ لتسهم في الدخل الوطني … وتلك ثقافة لا تتأتى دون ترسيخ وتأهيل يبدأ من مفهوم وخصائص العمل والواجبات لكل وظيفة وحقوقها وتطوير المهارات والنزاهة والانضباط ومكافحة الفساد، وكثير من الروابط المتعلقة بذلك حتى نصل الى التعرف على دور العمل في النهوض بالحضارات والوعي وبأهميته وتقديره وسمو مكانته. من تجاربي الخاصة مع التعامل مع عدة جنسيات أجنبية، التمست أن ثقافة العمل لدى الكثيرين منهم تعتبر سلوكا إجتماعيا انسانيا ويتكون كتراث فلسفي بضوابطه كرأسمال ثقافي يؤدي الى أشكال الإنتاج الجماعي الملهم، وما لمسته من الشباب لدينا، لا ينقصه سوى التوجيه والأخذ باليد وهو ما افتقدوه في السنوات الماضية، فلديهم من الذكاء والحماس ما يفوق الكثيرين جداً من غيرهم في بلدان أخرى، ولديهم من الطاقة المحبوسة والمهدرة ما يقود الى كل ما هو مثالي لتذيب حالة عدم المساواة في مجتمعنا المعروف بفطرة الترابط. بمعايير صالحة وثابتة نصل الى مقاييس ذات شفافية تقوض الفساد والترهل غير الفاعل والحدّ من قدرة الشباب لأداء الأعمال والشعارات البراقة كزبد البحر.