يظن البعض أن السيرة النبوية لم تحدثنا عن شيء غير القتال مع غير المسلمين من يهود ونصارى أو حتى المشركين، والواقع أن السيرة حكت لنا عن خيارات وأحوال كثيرة مارسها الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ومارسها المسلمون من بعده أيضا من إمكانية للموادعة حتى مع الخصوم من غير المسلمين والمتاركة والمهادنة والمصالحة وغير ذلك من اتفاقيات كثيرة عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود والنصارى والمشركين نقلتها لنا سيرته المطهرة. من ذلك صلح الحديبية الذي عقده مع المشركين بشروط وصفها الصحابة وقتها بالمجحفة للغاية في حقهم وبرغم من ذلك قبلها الرسول صلى الله عليه وسلم ووقع ذلك الصلح مع المشركين كما لم يمنع وجود الكعبة بيت الله الحرام أولى القبلتين وهي تحت سطوة المشركين والهيمنة عليها بالكامل من ذلك الصلح، هذا لمن يستدل بعدم جواز الصلح مع اليهود الآن بسبب احتلالهم الأقصى ثالث الحرمين الشريفين. ولا يمنع قوله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) من عقد الاتفاقيات والصلح مع غير المسلمين من أهل الكتاب، فالصلح والاتفاقيات لا تستوجب لعقدها شيئا من الرضا أو المحبة أو المودة فقد يتم ذلك دون رضا من الطرفين وإنما فقط القبول فالرضا الذي بمعنى المحبة او المودة لا يستلزمه قبولك بعقد صلح مع جهة ما مما يؤكد بأن رضا اليهود واليهود المشروط بمتابعة ملتهم لا يحمل منعا لنا بعدم جواز الدخول في علاقات او صلح مع أهل الكتاب، وكيف يفهم ذلك ورسولنا الكريم قد عقد ما يعرف بصلح الحديبية مع من هم أبعد لدينا من أهل الكتاب كما لا دليل لمن يتذرع بأن ما عقده الرسول من صلح للحديبية أنه كان بوحي من السماء فإن كل ما نتأسى به من رسول الله فهو وحي فلا يخرج تأسينا به في ما فعله في صلح الحديبية عن سائر صور تأسينا به الأخرى. ويلاحظ أن الدول التي طبعت مع اسرائيل قبل دولة الإمارات كانت ذات فائدة أعظم بل أكثر نفعا للشعب الفلسطيني من التي قاطعت. والله ولي التوفيق