انتهت زيارة دولة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للسودان بنتائج إيجابية للغاية، أثبتت مقولة الصديق وقت الضيق، وليس هناك ضيق أكثر مما تكابده بلادنا في الوقت الحالي، سياسياً وأمنياً واقتصادياً. الاتفاقيات بين البلدين شملت مجالات متعددة. ففي المجال الاقتصادي تم الاتفاق على زيادة الكهرباء المشتراة من مصر للشبكة السودانية الى 300 ميجا وات بدلاً عن 75 ميجا وات. وتم الاتفاق على تنشيط هيئة وادي النيل للملاحة النهرية. وعلى ربط خطوط السكك الحديدية بين البلدين. وبفتح وتسهيل الاستثمار للشركات المصرية بالسودان. وتسهيل التبادل التجاري بين القطرين. وتبادل المنح الدراسية ومجالات التدريب. طبعاً مفهوم الشراكة الاستراتيجية يمتد لمسائل أعمق في السياسة الخارجية والأمن والقوات المسلحة، ويبدو أن البيان الختامي لم يشأ التفصيل فيها لأسباب معلومة. غير أنني أرى أن يمتد التعاون الثنائي بين القطرين في المجال الاقتصادي لمجالات أعمق. أدعو للعملة السودانية المصرية الموحدة (جسم)، وهي الأحرف الأولى من الكلمات الآتية: (الجنيه السوداني المصري). أما لماذا مصر هي الأنسب لشراكة مثل هذه فإنني في الإجابة سوف أركز على الجانب الاقتصادي. وأعتقد أن الجوانب الأخرى في غاية الوضوح، من حيث اللغة، والعادات والتقاليد المشتركة والمتشابهة، والتداخل العائلي، والقبائل والحدود المشتركة، ووادي النيل الذي يجمعنا. تأتي مصر في المرتبة الرابعة من حيث الشراكة الاقتصادية مع السودان في مجالي الصادرات والواردات، وذلك وفق إحصاءات التجارة الخارجية الرسمية السودانية لعام 2019. حيث إن ترتيب الشركاء تأتي في مقدمتهم الإمارات التي نصدر لها بقيمة 1299 مليون دولار ونستورد منها بقيمة 1441 مليون دولار وبالتالي يميل الميزان التجاري لصالحها بقيمة 142 مليون دولار. وفي المرتبة الثانية الصين التي نصدر لها بقيمة 748 مليون دولار ونستورد منها بقيمة 1802 مليون دولار، وبالتالي يميل الميزان التجاري لصالحها بمبلغ 1054 مليون دولار. وفي المرتبة الثالثة السعودية التي يميل الميزان التجاري لصالحها بقيمة 490 مليون دولار. وفي المرتبة الرابعة مصر، التي يميل الميزان التجاري لصالحها بقيمة 130 مليون دولار، حيث صدرنا لها بما قيمته 366 مليون دولار، واستوردنا منها بقيمة 496 مليون دولار. من المؤكد أن ما يظهر من حجم للتجارة بيننا ومصر هو أقل من الحقيقي بكثير، لأن الإحصاءات لا تتضمن تجارة الحدود، ولا تتضمن التهريب الواسع الذي يتم بين الدولتين. إن تنظيم وتسهيل التجارة بين القطرين على أساس الدولار الحسابي كمرحلة أولى، ثم الانتقال إلى استخدام العملة النقدية الموحدة (جسم) وفقاً لاتفاق خاص بين البنكين المركزيين للدولتين، سوف يمثل أكبر دافع وداعم للعلاقات الاستراتيجية، من خلال الاستثمارات المشتركة التي يمكن أن تنفذ بين القطرين. والله الموفق.