قبل أسبوعين زار السودان دولة رئيس مجلس الوزراء المصري الأستاذ/ مصطفى مدبولي، ووفد رفيع من السادة الوزراء المصريين. عُقدت مع الجانب السوداني بقيادة دولة رئيس الوزراء السوداني الدكتور/ عبد الله حمدوك اجتماعات ناجحة، أسفر عنها التوقيع على عدد من الاتفاقيات المهمة. الاتفاقيات بين البلدين شملت مجالات متعددة. ففي المجال الاقتصادي تم الاتفاق على زيادة الكهرباء المشتراة من مصر للشبكة السودانية إلى 300 ميجا وات بدلاً عن 75 ميجا وات. وتم الاتفاق على تنشيط هيئة وادي النيل للملاحة النهرية. وعلى ربط خطوط السكة الحديدية بين البلدين. وبفتح وتسهيل الاستثمار للشركات المصرية بالسودان. وتسهيل التبادل التجاري بين القطرين. وتبادل المنح الدراسية ومجالات عدة للتدريب في مؤسسات مختلفة بمصر. الاتفاقيات على المستوى الاستراتيجي لها وسائل ومعايير علمية لقياس أثرها على مستوى الاقتصاد الكلي لكل قطر. أما على المستوى الشعبي فتقاس نجاعة الاتفاقيات بانعكاسها المباشر على حياة عامة الناس، ترقية لها، وتحسيناً لمصادر الرزق والحياة. يركز هذا المقال على الأثر على المستوى الشعبي. أرسل سعادة السفير المصري بالسودان حسام عيسى إشارات إيجابية في هذا الاتجاه، إذ كشف عن عودة المنح والدراسات التدريبية المصرية في كافة المجالات، كما أعلن عن وصول فريق طبي مصري للسودان، وأن الجانبين المصري والسوداني سيعملان على تسهيل إجراءات التبادل التجاري بين البلدين، خدمة للمواطنين من السودان ومصر الذين يقومون بالمتاجرة بينهما. من واجب الجانبين تعميق مثل هذه الإشارات الإيجابية في هذا الوقت بالذات، ذلك لأن أعداء التكامل والتعاون بين البلدين كثر، عداء يشوبه في الكثير من الأحيان الجهل وعدم المنطق، مثل القول أن أسباب الفيضانات في السودان هذه الأيام هو بسبب قفل بوابات السد العالي لإغراق المدن السودانية. قد يصدق بعض البسطاء مثل هذا المنطق المعوج، وهم لا يعلمون أنه من المستحيل عودة المياه من أدنى النهر بمصر إلى أعلاه بالسودان، وأن المياه الزائدة خلف السد العالي يتم تصريفها لمفيض توشكي، عبر قناة الشيخ زايد، والممتدة لمسافة 250 كلم، لري مشروع توشكي الزراعي بمساحة 540 ألف فدان في الصحراء الغربية. ندعو الجانبين لقرارات مباشرة تساعد مواطني الطرفين، من ذلك إعفاء السودانيين المقيمين بمصر من رسوم الإقامة التي تم فرضها مؤخراً عليهم، عبر إجراءات معقدة تتضمن الحضور الشخصي للأسر والأطفال وأخذ البصمات، على أن تتم المعاملة بالمثل للمصريين المقيمين بالسودان. كما ندعو للقبول المجاني في المدارس والجامعات المصرية لأبناء السودانيين المقيمين بمصر. وندعو لعودة الدولار الحسابي بين القطرين، لتتم كل المعاملات التجارية عبر النظام المصرفي، بدلاً عن الطريقة الحالية البدائية في نقل الأموال النقدية عبر الحدود، وهي طريقة تعرض المواطنين والتجار من الجانبين لعصابات الاحتيال، وتزوير العملة. والله الموفق.