بالقرب من بوابة مستشفى الشعب التعليمي بالخرطوم وجدنا امرأة تبلغ من العمر (60) عاما – حسبما ذكرت لنا - تجلس على (كرتونة) افترشت في أرض الله الفسيحة، قالت والحسرة تملأ جوانبها والدموع تكاد تنهمر من عيونها المرهقة: جئتُ من الجزيرة (ود مدني) لأجل رؤية زوجي المريض بمستشفى الشعب وكانت بحوزتي فقط (10) جنيهات خلاف (حق المواصلات) لكن فوجئت بأن التذكرة أصبح سعرها (15) جنيهاً، (وحاولت ناس البوابة يقطعوا تذكرة بالعشرة جنيهات لكنهم رفضوا وهسي ما عارفة أعمل شمو؟!!). ويبدو أن حال الكثيرين لا يختلف كثيراً عن تلكم المرأة، فما إن اقتربنا من (شباك التذاكر) سمعنا أصوات المواطنين تعلو احتجاجاً على زيادة كبيرة في التذاكر قال البعض إنها أتت بلا مُبررات ودون أن يتم مقابلها تقديم خدمات، فحتى مقاعد الجلوس لا تتوفر إلا في الكافتريات، التي لا يذهب لها مرافق إلا لشراء وجبة أو عصير أو غيرهما. أولى بها المريض واصلنا جولتنا مع عدد من المواطنين أمام بوابة مستشفى بحري التعليمي حيث قالت المواطنة نهال علي: أنا كمواطنة أعلن رفضي القاطع لهذه الزيادة، وأعتقد أن الوزارة قد جانبها الصواب لأنه في مثل هذه الظروف الاقتصادية السيئة كان على الوزارة مراعاة حال للغلابة وأن تفتح أبواب المستشفيات مجاناً أمام الزُوّار، لأنه في الأساس لا يمكن لشخص أن يدخل مستشفى ما لم يكن له مريض بالمستشفى، لكن المسؤولين خيبوا ظننا ورفعوا قيمة التذكرة إلى (15) جنيها، ومضت نهال بقولها ل(السوداني): من الأفضل للزوار أن يجمعوا قيمة هذه التذاكر وتسليمها للمريض لكي يستفيد منها هو بدلاً عن الحكومة. وفي ذات السياق، شكت المواطنة نجوى عبد الحميد من زيادة أسعار التذكرة وقالت: هذا غير معقول و(نحنا الفينا مكفينا) وأضافت أنها جاءت من منطقة ألتي بالجزيرة وقيمة المشوار (10) جنيهات فقط، فلا يُعقل أن يكون ثمن الدخول للمستشفى (خمس دقائق فقط) بعشرة جنيهات، مناشدة الجهات المسؤولة النظر للأمر. وتقول مواطنة - فضلت حجب اسمها - إن المواطن السوداني تتالت عليه الضربات لدرجة أن جسده لم يسلم منه عضو حتى وصل الأمر لزيادة سعر تذكرة الدخول للمستشفيات، مشيرة إلى أن المستشفيات لا تقدم للزوار أبسط الأشياء مثل الماء ومقاعد الجلوس حيث يقف الزوار على أرجلهم طيلة موعد الزيارة. (ضُل شجرة نيم) تحت ظل شجرة (نيم) بالقرب من مستشفى أم درمان التعليمي وجدنا أسرة تجلس على الأرض وحولها الأطفال وكانت ملامح الألم تسيطر على وجوهم بوضوح. (السوداني) ومن خلال الحديث معهم علمت أن لديهم مريضاً داخل المستشفى لأكثر من ثلاثة أيام، وبسبب ظروفهم المالية فضلوا البقاء تحت ظل هذه الشجرة خارج حوش المستشفى، وقالت آمنة خليفة: بعد أصبح ثمن تذكرة الدخول (15) جنيها، فهُم يحتاجون لقرابة المائة جنيه يومياً للدخول فقط، هذا خلاف مصاريفهم الأخرى وعلاج واحتياجات مريضهم الذي يرقد بأحد العنابر، وأشاروا إلى أنهم حتى عند الخروج من المستشفى لأمر طارئ يستوجب عليهم قطع تذاكر جديدة للدخول. وأثناء تجولنا أمام (شباك) تذاكر مستشفى أم درمان التعليمي سمعنا ضجيج بعض المواطنين احتجاجاً على زيادة سعر تذكرة الدخول، والجميع يتساءل: متى وكيف ولماذا زادت أسعار التذاكر لمستشفى حكومي يُفترض أن يعالج الناس مجاناً ويفتح أبوابه للمرافقين والزوار بلا مقابل؟! موسى مختار كان أحد هؤلاء الزوار الذين طرحوا أسئلتهم للعاملين بشباك التذاكر ورد عليهم بعد أن أخبروه بأن قيمة تذكرة الدخول (15) جنيهاً صارخاً في وجوههم بصوت: (ليه؟ هي مستشفى أم منتزه؟) وعندما لم يجد منهم أية إجابة وفي ذات الوقت لم يسمحوا له بالدخول غادر المكان غاضباً وهو يقول: (ما دايرين نزور زاتو.. مع السلامة). تذكرة دخول الحمامات!! الخلاصة التي خرجنا بها من زيارتنا لمستشفيات الشعب، بحري وأم درمان، أن الحال فيها جميعاً لا يختلف كثيراً عن بعضها فمعاناة المرضى والزوار تقرأها في وجوه الجميع، والسبب حسبما قالوا يعود لتردي الخدمات ثم جاءت زيادة تذكرة الدخول لتكمل الناقصة، حيث شكا عددٌ من المرافقين من عدم وجود ماء للشرب وعدم ومقاعد للجلوس، هذا خلاف ارتفاع أسعار المأكولات بالكافتريات، وأكدوا أن المستشفيات لا تكتفي بثمن تذكرة الدخول البالغة (15) جنيهاً بل تفرض رسوماً أخرى لدخول حمامات المستشفى بقيمة مالية تبلغ (5) جنيهات. وهذا ما جعل الحاجة عزيزة النور تقول إن زيارة المريض واجبة على كل مسلم ومن عادات وتقاليد المجتمع السوداني، وهي من العادات التي يستحيل التخلي عنها رغم تدهور الوضع الاقتصادي الضاغط على السواد الأعظم من المواطنين وبالتالي مراعاةً لظروف الناس كان ينبغي ألا تفكر الوزارة نهائياً في زيادة أسعار تذاكر المستشفيات الحكومية التي يتعالج فيها الفقراء ويزورهم كذلك الفقراء واختتمت بنبرة حزينة: (حسبي الله ونعم الوكيل). اسألوا الوزير!! بعد أن أكملنا جولتنا مع المرضى توجهنا صوب (شُبَّاك) التذاكر بمستشفى أم درمان وسألنا الموظف المسؤول، عن مبررات هذه الزيادة الكبيرة في أسعار تذاكر الدخول.. لكن قبل أن نكمل معه كلامنا قال لنا: (امشوا اسألوا الوزير)!! أما مسؤول التذاكر بمستشفى الشعب التعليمي فقال: أنا لا أملك شيئا، فقد أتتني التذكرة بالقيمة الجديدة (15) جنيهاً وأضاف: (الناس مجبورة تدخل لأنو دا واجب). أما المتخصص في بيع التذاكر بمستشفى بحري فامتنع هو الآخر عن الحديث، ونصحنا نحن أيضاً بأن نبتعد عن هذه القضية لأنها تُعرِّضنا للمساءلة القانونية – حسب قوله -. وبالعودة لمسؤول التذاكر بمستشفى أم درمان الذي قال لنا: (أمشوا أسألوا الوزير)، فقد شكا مأمون محمد علي حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم من الزوار الذين يرتادون المستشفيات لزيارة مرضاهم، واصفاً إياهم ب(العبء الثقيل) على المستشفيات، وقال خلال حديثه بمنبر (سونا) الذي انعقد في الأيام الماضية؛ إن (40%) من التكلفة في المستشفيات تذهب منصرفات للزوار. المجلس التشريعي ينفي إجازتها!! السؤال الذي نختتم به هذا التحقيق هو: هل أجاز المجلس التشريعي بولاية الخرطوم، قرار زيادة تذاكر الدخول إلى المستشفيات الحكومية لتصبح ب(15) جنيهاً؟ توجَّهنا بهذا السؤال إلى النائبة البرلمانية بمجلس تشريعي الولاية "نجاة كرداوي" فقالت ل(السوداني): المجلس التشريعي لم يصدر قراراً بزيادة أسعار تذاكر الدخول للمستشفيات، وأيّ قرار لم يصدره المجلس باطل، أما زيادة أسعار الخدمات التي تقدمها الدولة فتأتي دائماً من خلال الموازنة العامة وتُجاز من قبل اللجنة ومن ثم تدخل حيِّز التنفيذ لتصبح مُلزِمة للمواطنين، وهذا ما لم يحدث في هذا الموضوع وبالتالي هذه الزيادة غير قانونية.