ظللت مقتنعاً منذ مدة بأن كثيراً من التوترات التي وصلت لحد حمل السلاح والتمرد والخروج هي تصرفات تفتقر إلى الخبرة في التعامل وأخطاء مسؤولين بعيداً عن المركز لا يحاسبون عما يفعلون هذا بالطبع غير التصرفات في المركز مثل الظلم والتعسف الذي وقع على البعض واستمر ذلك دون معالجات وحسم. أعرف كثيرين حوربوا في أرزاقهم وفصلوا من العمل لأسباب واهية بسبب ما قيل للصالح العام ولم يكن كذلك بل لمجرد وشاية من أحد مؤيدي أو منسوبي النظام يريد إزاحته ليحل محله فيضطر ذلك المظلوم للخروج يلتمس الرزق الحلال خارج الوطن ويتطور الأمر إلى أن يصبح معارضاً شرساً مستعداً ليفعل أي شيء ضد النظام.ومالنا نذهب بعيداً فما حدث في كجبار للمواطنين إلا مثالاً صارخاً لسوء التصرف الذي أدى لتداعيات سالبة. لعل الناس يذكرون كيف بدأ تمرد الحركة الشعبية عام 1982 عندما تصرف بعض المسؤولين العسكريين تصرفاً غير سليم مما أدى إلى تمرد كاربينو وجون قرنق وأعضاء الكتيبة 105 فى بور فانتشر التمرد كالنار في الهشيم. ولعل تصرف الرئيس نميري غير المسؤول بإعادة تقسيم الجنوب إلى عدة أقاليم ولم يستشير حتى مكتبه السياسي كيف ساهم ذلك في عودة التمرد أكثر ضراوة. مشاكل الأراضي خاصة الاستثمارية حدث عنها ولا حرج فقد تأكد لي أن عدم الخبرة وسوء الإدارة والفساد والقرارات المتعارضة في حل النزاعات حول الأراضي التي يتصف بها كثير من المسؤولين تؤدي في كثير من الأحيان إلى مشاكل عديدة بل توقف الاستثمارات والاستفادة القصوى منها وأستطيع أن أعدد بعضاً منها وهو عين ماذكره أحد الوزراء السابقين والخبير الاقتصادي في الاجتماع المخصص لقضية الاستثمار في الاجتماع الموسع لمجلس الوزراء قبل أشهر عندما أشار إلى ضعف الإرادة الحكومية وتعدد مراكز القرار مما أضعف من قضية الاستثمار ومعلوم أن بعض المستثمرين تراجع عن الاستثمار في السودان وذهب إلى مصر وآخرون إلى إثيوبيا حيث الكفاءة والسرعة والتسهيلات مما جذب حتى المستثمرين السودانيين. ولعل تذبذب السياسات النقدية منذ عقود خاصة في مجال النقد الأجنبي والصعوبات التي لقيها الناس دفعتهم إلى الذهاب لمصر وفتح حسابات بالعملة الحرة في البنوك المصرية حيث يستطيع الواحد الإيداع والسحب في أي وقت بل يمكن لمن لديه عملة مصرية أن يحولها إلى عملة حرة وهو يغادر مطار القاهرة. لقد قلت في كل المؤتمرات وكتبت كثيراً منذ إعدام المرحوم مجدي في بداية الإنقاذ أن تتركوا العملة وشأنها يحددها العرض والطلب وقوة الإنتاج وحجم الصادرات فتكون مثل الهواء والماء فلن تتدهور بل ستأتي أموال المغتربين للبلاد بأحجام كبيرة بدلاً من تركها والاحتفاظ بها خارج الوطن فهاجمني البعض بل سمعت تصريحاً غريباً لا أتذكر مصدره من أحد المسؤولين قال: لولا الإنقاذ لوصل الدولار إلى عشرين جنيهاً!!! ومالنا نذهب بعيداً وقضية المناصير حية نشهدها ونسمع عنها يومياً حتى تفاقمت والسبب هو سوء المعالجة والإصرار على الخطأ منذ البداية رغم أن الجميع أكد على حق المناصير الذي هو أوضح من الشمس في رائعة النهار.