الفريق قوش استبق خطابه برسائل عدة ربما تشير إلى أن مرحلة جديدة من الوفاق والاستقرار السياسي ستكون السمة البارزة على الصعيد الداخلي، وتمثلت تلك الرسالة عملياً في قرار رئيس الجمهورية إطلاق سراح (80) معتقلا سياسيا بينهم قادة سياسيون وصحفيون وشباب وطلاب جرى اعتقالهم عقب التظاهرات الاحتجاجية على الغلاء التي اندلعت الشهر الماضي. المشهد قبل خطاب الأكاديمية يفسر كثيرا مفردات قوش في خطابه، فالرجل كان يعي تماما أنه جاء في توقيت تبدو عليه بوادر احتقان سياسي تراجعت على أثره ملامح الوفاق الوطني التي تسيدت سماء الخرطوم عقب الحوار الوطني. وشهدت العلاقة بين القوى السياسية المعارضة والحكومة توترات شديدة واحدثت ردة في مخرجات الحوار، وحل القادة السياسيون ضيوفا على المعتقلات من جديد عقب التظاهرات المحدودة بجانب تشتت جهود حكومة الوفاق الوطني ما بين إدارة الأزمة الاقتصادية وتطبيق مخرجات الحوار. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد شهدت الأسواق ارتفاعا كبيرا في السلع الضرورية وتحول السوق لغول أحال حياة الموطن لجحيم لا يطاق فضلاً عن الموازنة المالية التي وصفها الخبراء بالكارثية، وانفلات سعر الدولار ونشاط السوق الموازي الذي بات يتحكم في العملات إضافة لتهريب صادرات البلاد من الذهب والمشتقات النفطية والمواد الغذائية. مشروع عمل لهذه الأوضاع ربما جاء خطاب الفريق قوش أمس بمثابة برنامج عمل معلن لمواجهة الأوضاع الداخلية المتفاقمة، ويتضح ذلك في إعلان قوش "تصدي الجهاز بكل حزم وقوة وعزم لمهربي السلع وثروات البلاد ومنتجاتها والذين يعملون لإضعاف العملة الوطنية ولنيل من سمعة الجهاز المصرفي والمضاربين بقوت الشعب، وكل من يعبث بمقدرات البلاد ومقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية". وأكد قوش في أول حديث له عقب تعيينه مديراً عاماً للمخابرات أن الأمن سيقف في وجه كل من يحاول أن يعبث بالنظم الإدارية للدولة، وقال: "جهاز الأمن سيتصدى بقوة وحزم لكل من يعبث بمقدرات البلاد ومقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسيكون في مواجهة من يحاول العبث بالنظم الإدارية للدولة ويشوه دولاب العمل المدني". ويبدو أن الرجل الذي قضى خارج السلطة ما يقارب العقد من الزمان بات على معرفة تامة بطرق عمل مافيا الاقتصاد وبؤر الفساد ومناطق الضعف في أجهزة الدولة، بجانب إدراكه لتطلاعات التغيير التي يريدها السودانيون من أمن ورفاه وحرية وتحسين أوضاعهم المعيشية واستيائهم من تفشي مظاهر الفساد وانتهاك مقدرات وثروات البلاد، وأضاف: "أجهزة البلاد الأمنية، ستعمل لتصحيح الأوضاع الاقتصادية عبر منع تهريب الذهب وإيقاف المضاربات بالنقد الأجنبي". وتابع قوش: "جهاز الأمن، سيقوم بتوظيف كل إمكانياته البشرية والمادية لحماية أمن واستقرار البلاد والمحافظة على معاش الناس، ومنع أيدي العابثين والجشعين والمخربين أو الذين يعملون بقوت الشعب بطريق المضاربات وتهريب السلع وثروات البلاد من الذهب ومنتجات أخرى أو الذين يسعون لإضعاف العملة الوطنية والنيل من سمعة الجهاز المصرفي". رسائل الخارج الفريق قوش لم يتوانَ عن توجيه رسائله العابرة للحدود، جاعلاً من تخريج دراسين بينهم أجانب مناسبة لتوجيه رسائل خارجية على درجة عالية من الأهمية والدقة، إذ أكد العمل على تطوير الأكاديمية لتتسع لاستقبال الدارسين من الدول الشقيقة والصديقة وهي رسالة متسقة مع انشغالات الخارج وبعض دول الجوار فرجل المخابرات الذي ابتدر الحوار مع الجانب الأمريكي في تسعينيات القرن الماضي، يدرك بحسه السياسي أن ثمة رسائل عاجلة يجب وضعها في بريد واشنطون وحلفائها قبل بداية الجولة الثانية من حوار السودان وأمريكا حول رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. رسائل أخرى بعث بها قوش ربما لبعض دول الجوار، فأكد أن جهاز الأمن الوطني يعمل على تجفيف منابع التطرف والإرهاب ولن يسمح لأي كائن مهما كانت توجهاته الثقافية والدينية ليكون أداة لزعزعة أمن الآخرين. كما ذهب الرجل إلى أن مؤسسته الأمنية سيكون عوناً للأصدقاء والأشقاء لتحقيق الأمن والسلم الإقليمي، وأضاف: "جهاز الأمن سيستمر في تواصله مع دول الجوار والإقليم في إطار حسن الجوار والبحث عن مشتركات والأمن والاستقرار المتبادل".