* والآن علينا أن نوضح للشعب السوداني الصامد؛ ومن منطلق المسؤولية المهنية، ما يجلي الموقف ويجعل صورته واضحة المعالم للجميع – فنقول: إن مجموع الدول والمنظمات الدولية التي كانت تقف إلى جانب السودان وتدعمه عند بداية التفاوض بين المدنيين والعسكريين؛ وحتى وصولهم للإتفاق السياسي والوثيقة – إنما كل ذلك كان حقيقيًا – وعلينا أن نعلم أولًا أن الغالبية العظمى من الممثلين لتلك الدول والمنظمات الدولية؛ إنما هم أشخاص دبلوماسيون، أي يتخذون من الدبلوماسية مهنةً لهم؛ وبالتالي فلا يكون لديهم الإلمام الكامل بالعلوم القانونية المتخصصة المرتبطة بذلك الموضوع، ومن ثم لم يظهر لهم أي موقف يثير الشك حول حقيقة دعم دولهم ومنظماتهم ووقوفها إلى جانب السودان – إذًا الثابت أن الدعم والمساندة للسودان كانا حقيقيين – فلماذا لم يلمس السودانيون أي دعمٍ ولو معنويًا؟! * الإجابة على ذلك تكمن في أن ما خرج به المدنيون والعسكر من اتفاقٍ ووثيقة؛ إنما يحمل في طياته عديد المخالفات لقواعد القانون الدولي الوجوبية الآمرة (الملزمة للدول)، وللأسس السليمة والقواعد المهمة وواجبة الإتِّباع لمبدأ الشرعية الثورية؛ مثل "الثورة تُقَيِّدْ ولا تُقَيَّدْ" – فكيف يتسنى لمجموع تلك الدول والمنظمات الدولية أن تساعد على أمورٍ هي خارج الشرعية الدولية – ولتوضيح الصورة أكثر – يجب أن نعلم أن أولئك الدبلوماسيون الممثلين لدولهم ومنظماتهم، قد أخذوا معهم عند عودتهم لبلدانهم ومنظماتهم الدولية صورًا من الإتفاق والوثيقة، وتم إخضاعهما للدراسة والفحص من جانب الجهات المختصة لديهم (القانونية)، وقد ثبت لهم ما قلنا به من مخالفات – وعملًا بمفهومنا السوداني البسيط (البيان بالعمل) – نوضح ما يلي: * إن العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية للعام 1966م، والذي صادق عليه السودان نهائيا في مارس 1986م؛ والتزم بما جاء فيه كأحد أعضاء (هيئة الأممالمتحدة)، قد جاء متضمنًا نصوصًا وجوبيةً آمرة (القواعد الملزمة للدول) – وهو ما يعنينا في هذا الصدد – ومن بين تلك النصوص الوجوبية الآمرة والتي تعنينا خصوصًا هنا، ما تضمنته المواد "1/1" و "2/1" و "2/3" و "25" من ذلكم العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية – فوفقًا لما تقضي به المادة "1/1" من العهد الدولي آنف الذكر؛ فإن مجموع الشعب السوداني هو وحده أولًا من يملك حق تقرير مصيره بنفسه – وثانيًا وبموجب حقه في تقرير مصيره؛ هو وحده من يملك الحرية الكاملة في تقرير مركزه السياسي – أي اختياره لنظام حكم بعينه وتابعيته له – ملكي؛ إمبراطوري؛ سلطاني؛ رئاسي … إلخ – أيًا كان ما يختاره من نظام حكمٍ بعينه، فالمهم في الأمر أن الشعب هو وحده من يختار ويقرر لنفسه هذا النظام أم ذاك – فكيف يُنص بعد ذلك في "الإتفاق والوثيقة" والموضوعين فقط لإدارة الدولة السودانية خلال المدة الإنتقالية – أن نظام الحكم خلال تلك المدة الإنتقالية هو نظام برلماني؟! * ألم يكن من الواضح أن ذلك مخالف لنص القانون الدولي الوجوبي الآمر آنف الذكر؟ * وأن ما يترتب على ذلك هو عين ما تعاني منه دولتنا السودانية حاليًا؛ من موقف سلبي وعُزوف للمجتمع الدولي نحوها – قد يقول قائل: ولكن ثورة الشعب هي التي أقرت ذلك – وهنا نرد على ذلك بالآلية المتفق عليها دوليًا؛ في كيفية ممارسة الشعب لحقوقه وحرياته، وهي (الإستفتاء والإنتخابات) – فالإستفتاء على الدستور؛ هو وحده الذي يوضح ويثبت أن الشعب قد مارس وكواقعٍ ملموس؛ حقه وحريته الأصيلين في اختيار نظام حكم بعينه – إذًا فالشرعية الثورية لا تعني مخالفة قواعد القانون الدولي الوجوبية الآمرة – وكل ما عدا ذلك يكون في مكنتها، مع مراعاة القواعد المهمة واللازمة الإتِّباع في الثورات؛ مثل (الثورة تُقَيِدْ ولا تُقَيَدْ). 1057 كلمة. * ووفقًا أيضًا لما تقضي به المادة "2/1" من العهد الدولي آنف الذكر، فإنه يقع على عاتق الدولة تعهد والتزام؛ بإحترام الحقوق المعترف بها في العهد الدولي لحقوق الإنسان، بل يجب عليها أن تكفل تلك الحقوق لجميع الناس (المواطنين والأشخاص المتواجدين في إقليمها من غير مواطنيها)، دونما تفرقة فيما بينهم لأي سببٍ كان. * ووفقًا كذلك لما تقضي به المادة "2/3" بفقراتها الثلاث من العهد الدولي آنف الذكر، فإنه يقع على عاتق الدولة أيضًا؛ تعهد والتزام بتوفير طريق فعَّال للتظلم، من أي شخص إنتُهكت حقوقه وحرياته المعترف بها في العهد الدولي لحقوق الإنسان – حتى إذا صدر الإنتهاك من أي شخص يتصرف بصفته الرسمية – وأن تكفل سلطة قضائية تصدر أحكامها بشأن ما يُدعى به من انتهاك – وعليها كذلك بأن تكفل قيام سلطاتها المختصة؛ بإنفاذ الأحكام الصادرة من تلك السلطة القضائية – إضافةً إلى أنه ووفقًا لما تقضي به المادة "25" بفقرتيها الإثنتين من العهد الدولي آنف الذكر، فإنه يجب على الدولة أن تتيح لكل مواطنٍ دونما أي تمييز؛ فرصة أن يشارك في إدارة الشؤون العامة للدولة – سواء كان ذلك مباشرةً أو بواسطة ممثلين يتم إختيارهم بحرية – كما يجب كذلك إتاحة الفرصة لكل مواطن أن يتم انتخابه، أو أن يقوم هو بإنتخاب من يراه بحرية. * إن ما قد يعتبره البعض نقدًا لا طائل من ورائه غير الإحباط – نقول لهم: إن هو إلا تشخيص لما تعاني منه بلادنا الحبيبة؛ لا يكتمل مبتغاه دونما وصف العلاج وتقديمه – وهو هنا الحلول العملية والفعالة – ومن ثم نقول لذوي الشأن (العسكريين والمدنيين): إن الحلول لا تأتي من خلالكم؛ وإنما تأتي من خلال مؤسسات الدولة، فأنتم قد قمتم بما رأيتموه صوابًا؛ وإن لمستم أم لم تلمسوا خطأ ما قمتم به، فإنه يقع عليكم واجب تفعيل عمل مؤسسات الدولة؛ لتقول هي كلمتها من واقع ما يُقدم إليها وما يثبت لديها بعد الدراسة والبحث والتمحيص. * وما نعنيه هنا هو بث الروح في مؤسسة محكمتنا الدستورية الموقرة، التي تعلمون أن مدة ولاية قضاتها الأعضاء الموقرين قد انتهت منذ شهر يناير الماضي، فإما أن تُجدد لهم مدة ولاية أخرى؛ أو تمديد ولايتهم لمدةٍ معينة (سنتين)، أو أن يتم تعيين قضاة جدد بالمحكمة الدستورية الموقرة – علمًا أن الأمر بوضعه الحالي يشكل جريمةً سلبيةً (الإمتناع عن تجديد ولاية قضاتها أو تمديدها)؛ تقع تحت طائلة القانون الجنائي (تقويض النظام الدستوري /الثوري/ للبلاد)، ذلك أن الوثيقة الدستورية ومن قبلها البيان الأول للمجلس العسكري؛ قد تضمنا استمرارية مباشرة المحكمة الدستورية لأعمالها طبيعيًا، ومن ثم فإن ترك المحكمة الدستورية بوضعها الآني؛ من حيث انتهاء ولاية قضاتها دون تحريك ساكن، وبما يجعلها لا تستطيع مباشرة دورها وواجبها الوطني في الحفاظ على كيان الدولة وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية؛ وفق ما هو منصوص عليه في البيان الأول والوثيقة الدستورية، فذلك يُعتبر تقويضًا سلبيًا للنظام الدستوري "الثوري" للبلاد، حيث أن الفعل المُجَّرَمْ – وبحسب تعريف الفعل في القانون الجنائي – فهو يشمل الإمتناع عن القيام بالفعل المخالف للقانون، وهو ما يخالف أصلًا القواعد الوجوبية الآمرة للقانون الدولي آنفة الذكر – فهذه هي الطريقة الوحيدة للتدليل على احترام دولتنا لمؤسساتها؛ سيما العدلية منها، والتي جاء البيان الأول للمجلس العسكري بعد الثورة المجيدة؛ موفيًا في هذا الشأن بإلتزامات السودان الدولية والإقليمية – كما ولا ننسى أن إحدى مطالب ثورتنا المجيدة؛ الممهورة بالدماء الزكية والأرواح الطاهرة لشهدائنا الأبرار، كانت وستظل "العدالة"، وهي لا تتحقق إلا عبر المؤسسات العدلية للدولة، ما يرفع من شأن بلادنا دوليًا وإقليميًا، ومن خلال ذلك فقط يتم تقديم يد العون لبلادنا – المادي والمعنوي – وما أحوجنا حاليًا لذلك؛ وعلى الأخص الدعم والعون المعنوي، فبلادنا وكما يعلم الجميع؛ بلاد وبحمد الله تعالى غنية أصلًا – وحتى يكون ما قلنا به في هذا المقام واضحًا، نُذَّكِر بما رد به سعادة رئيس المحكمة الدستورية الموقرة – على تساؤلٍ سابق لرئاسة الجمهورية – حول سلامة إجراءات تعديل الوثيقة الدستورية، فقد أفاد بأن ما يَرُدْ به لا يلزم المحكمة الدستورية كمحكمة – لأن هنالك طعون مقدمة ضد الوثيقة الدستورية ذاتها – ولتعميم الفائدة والتوضيح أكثر؛ نذكر وبشيء من التفصيل جزءًا مما تضمنه ذلك الرد؛ وهو المَعْنِي هنا – فقد جاء فيه ما يلي: (ثانيًا: إستنادًا على ما ورد أعلاه رأينا أنه بعد تعديل الوثيقة الدستورية يُمتنع على المحكمة إبداء رأي قاطع حول صحة هذا التعديل وذلك لوجود دعاوى دستورية رُفعت أمامنا، وإحتمال ورود دعاوى أخرى مماثلة تتعلق بالوثيقة الدستورية نفسها، تستلزم إصدار أحكام بشأنها.)- إنتهى. * وفي الختام وللتعبير عما يعتمل بصدورنا من حب لوطننا السودان العظيم ؛ بمشيئة القهار الحليم – نأمل وبقوةٍ في أن يؤدي الجميع قَسَمًا؛ ولنُسَمِه "قَسَم سودان الثورة"، ونرى أن تكون صيغة ذلك القسم كالتالي: *[أقسم بالله العلي العظيم؛ أن أكون مخلصاً وصادقاً في ولائي للسودان دون غيره – ودمائي وروحي فداءً له – وأن أقوم بواجباتي ومسئولياتي كمواطن سوداني – ولبلدي الواحد بكامل مصالحه أولاً وأخيراً – بكل جدٍ وأمانة، وبطريقةٍ تُعلي من شأن السودان وتراعي مصالحه فقط؛ دون غيرها من المصالح الشخصية أو الحزبية أو الجهوية وخلافها، وأن أعمل بأقصى جهدي وبأسرع ما تيسر؛ مع كل الغيورين على السودان والحادبين على مصالحه دون غيرها، على وضع وتنفيذ الخطط الأفضل لإنطلاق السودان نحو التقدم والرُقي؛ والإرتقاء به لمصاف الدول المتقدمة والعظمى – وبما يودي لرفاهية شعب السودان – وأن ألتزم بمبادئ الثورة وأحميها وأحافظ عليها، وأراعي قوانين جمهورية السودان فيما لا يتعارض مع مبادئ الثورة وما يصدر من تعديلاتٍ لها، وأن أدافع عن سيادة البلاد؛ وأعمل على وحدتها وتوحيدها – واضعاً في ضميري وأمام عيناي أيقونة شهداء وجرحى الثورة الأبرار من أبناء الوطن، الذين بذلوا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية فداءً لسودانٍ جديدٍ عظيم – والله تعالى على ما اقول شهيد]. * شعب السودان المعلم: بعد أن يكون كل فرد منا قد قرأ القسم أعلاه؛ فلا شك نكون قد ألزمنا أنفسنا به، وما حواه هو أصلًا ولا شك أيضًا الأحب إلينا بعد الله تعالى – فلا تحنثوا بقسمكم؛ ولتبروا وطنكم فهو اليوم في مسيس حاجتكم، وطننا ينادينا؛ فلنترك مصالحنا الخاصة والقبلية والجهوية والحزبية، ولنقل للتو: ألا لبيك يا وطني – ولنطلق لسواعدنا العنان؛ ونعمل معاً بروحٍ وطنيةٍ خالصة لسوداننا دون غيره، ولنضعه بقناعةٍ مترسخة وبإرادةٍ قوية في مصاف الدول المتقدمة بل والعظمى وليتعاظم عليها – [وعَظَماتي لله وحده (مقتبس من الوالد رحمة الله تعالى عليه وعلى الوالدة)].