رحل الإمام الصبور المهذب وترك في السودان يتماً وفراغا وترك فينا حجته الدائمة للخيار الذي اعطى له مع عمره كل ذهنه الوقاد. الرجل الذي تنفس معنا ولأجلنا أن تكون الديمقراطية عائدة وراجحة. كانت حياته عامرة بالنقاش من نور التربية والتعليم. كان كبيرا جملة تفصيلا.. وكان جديرا بالاحترام في كل ثواني حياته مع الناس بشهادة كل الأجيال.. كان يحدد البوصلة بسهولة لمن حوله بذلك الحب والكياسة والتجرد. رحل الإمام المنعوم بحب الناس من كل نوع. منعوم بالتاريخ والعلوم وكانت الجدارات تأتيه طائعة مختارة، حتى غرق في نعم ربه ابدا شكورا يوزع التوازن للناس كل سنين عمره. رحل إمام الأنصار بعد جهود لا مثيل لها في رسم طريق الأمجاد لبلده وكيانه. رحل إمام الأنصار وحكيم السودان والعشم باق فيك. إلى اين مسافر أيها الرجل الكبير؟! كلماتك لم تنتهٍ بعد. ننتظر كتبك القادمة ومحاضراتك والندوات، لتواصل بنهج الأنبياء ذلك الطريق والتبليغ. أيها الرجل الجميل من أين لك كل هذا البراح؟ لتجيب على كل سؤال على الإطلاق وخلال سبعين عاما توزع الوعي وقوة النقاش والتفكير الوسطي والحب والديمقراطية. لقد كنت الرجل المناسب ملهما تُحْدث الفرق في مكان كنت فيه او دخلت عليه أو ذاهب له.. كنت حالة مختلفة من الحضور الباذخ.. تشع بالنور كلمات بعد كلمات.. شرفت المنابر سبعين عاما من التألق والإبهار.. تناسبك المنصات وتستحق الجماهير.. نورت الدنيا لكل من التقى بك في عمره من الساعات إلى الايام والشهور والسنين. حققت كل الممكن في رمشة عين، ومن اول خطوة تؤكد فيها أهمية الآخرين مع الحب والاحترام. ماذا بينك وبين الله أيها المنعوم بالرضا والحب؟! أيها الساعي فينا لترسيخ الديمقراطية ثقافة وطريقا وحجة كنت قمرا وأكملت المهمة قادما من بيوت وجامعات أكملت مهمة نبيلة وتركت حجتك أيها المثقف الكبير نورا يمشي بين الناس.. وقاموسك من اللغة والخطاب وخلال سبعين عاما استحققت نوبل التي بخلوا بها عليك، نعطيها لك من هنا من معظم شعب السودان لأنك لم تبخل يوما على وطنك، كنت شعلة وشمعة وبيانا للناس من كل المنابر ولكل الناس. وفي نهاية كل حوار من حواراتي التي اجريتها معك.. كنت اخرج محبورا وممتلئا؛ من قديس باهر باهر باهر، يوزع خبز حياته كلمات وفكرا ورؤية، كنت تُحدث الفرق بتلك السهولة وبذلك التألق. في زمان رئيس وزراء منتخب من الجماهير أو مضطهد من الإنقاذ حينما قلت جملة للتاريخ والبقاء "إن الديمقراطية عائدة وراجحة".. كنت معتقلا للتو لم تنس لفة عمامتك بالإطار ذاته ولم تنسَ أدبك الجم ولا لياقة الملوك وانت معتقل مثل الشرفاء مؤمنون بالحقيقة وانها عائدة وراجحة تركت يتما وفراغا ستكون خسارات العمر اكثر لمن حولك والسودان فيك فقده جلل يا بحر النقاش لم تمل بحجة الآخربن وكنت معلم الحوار الدائم استاذ الوسطية وقديم الثقافة في كل الشؤون ثاقبا تعرف دوما أعمق وتكثر من اللازم، كنت انصع مثال يحتذى، الرجل الذي لم يخف في الحق لومة لائم، عذبتك الإنقاذ فذهبت إليهم تنصحهم، خاصمك الأحبة فعادوا لحجتك فرحين. عشت بيننا حياة مثالية وهذا كان في حده المعقول غريب وعجيب أيها الصابر المهذب. إلى اين مسافر ونحن امة في طور التشكل وانت الاوسطي، وأمل الأمة المرجو فينا؟ كنت المعنيَّ في الوصف الخالد لكل عظيم في امته انك ملأت الدنيا وشغلت الناس بالفكر والسياسة والادب كنت افضل مرسل وكنت احسن مستقبل واجهت الدنيا العريضة بحجة متراسخة من الحق والبلد التي احببتها فعلا انتاجا عميما في المنابر والمكتبات لم تحبك الولاياتالمتحدةالأمريكية كما ينبغي، لأنك كنت مخلصا لتاريخ بلدك وأهلك بشكل نهائي، وحينما كنت تتحدث للناس، كنت دوما تنظر نحو الشمس، وليس المصالح وبوابات عبور النجاة والتبرير. وشرفتنا في العالم الأول أستاذ للوسطية المنجزة من رائحة البلد ومن النظر البعيد جمعت الأصالة والمعاصرة في حزمة بنفسج وحددت الحلول والنجاة من الإفراط والتفريط وبعد اليوم وانت قد سافرت الى الأبدية ولن يجد جلساؤك أيها الرجل الحديقة اي مثيل فكيف ننعيك لهم وبأي دموع يبكون؟ يبكون علومك الدفاقة أيها الرجل الذوق ملأت لحظات العمر من حباب العيون كنت المثابر الكبير في الطريق الصحيح حتى عشية وداعك إلى الإمارات ومن حق حزب الأمة اللوعة والحزن ومن حق الأنصار الحداد المفتوح ومن حق السودانيين أن يجتمعوا في الرثاء والبكاء وانك رجل وحيد زمانه في مسيرة خالية من النبذ والاساءات والفحش والتشفي، أيها الرجل المليء بالحياء والاحترام. تستحق وسام الثبات في الحياة النظيفة نحو الآخر بكل تعقيداتها، وتستحق المركز الأول في اللعب النظيف مع الآخر بالحجة القوية، وطوال سبعين عاما كنت تسعى بين الناس، تبعدهم عن العنف قدر الإمكان، بتفكير متماسك أساسه المدافعة بالتي هي اقوم واحسن. واقصد بالسبعين عاما دوما، سبعين العمل الجاد والمسؤول والناضج. رحلت بقضاء الله وقدره، ولكنك رحلت في أشد ايام العشم لجمع الكلمة الوطنية وانت سيدها القديم تليق بك، ايام الانتقال وانت المهندس المناسب، وأيام التحول، وانت البارع في صياغة تلك المراحل. وزمن ازمتنا الوطنية يناسبك تمام التمام أن تفسد كل البارود لإشعال الوطن بنوايا الاشرار من الداخل والخارج. انطفأ النور أيها الأنصار فاشعلوا مصابيحكم اشعلو كل المصابيح املأوا الفراغ وهذا احسن عزاء ساووا الصفوف وهذا افضل بكاء اقيموا حجته بينكم وهذا افضل وفاء انه فقدكم الجلل فقد الوطن الكبير ما في ذلك أدنى شك والدموع سهلة لو تريح النفوس المتعبة كنتَ سودانيا كما قالوا عنك وانصفت الجزيرة ابا في مقابلة نادرة مع أكسفورد العالم والدنيا. وكنت سودانيا قحا وانت تقدم بناتك للشارع والناس معقمات بالعلوم والتواضع ذاته والمحبة. لم يخاطبن الأنصار ولا الحزب من الشرفات ووراء الزجاج، بل كن في الفعل وردة الفعل يوميا مع الجماهير. قدمت أولادك رجالا عاديين مع بقية السودانيين، وكنت في أبهى صورة انتصارا للحياة محاطا بهم، رجلا مؤمنا بأن الدنيا دار عبور سنترك فيها آثارنا على ذلك النحو. والكرونا التي اخذتك بالايام المعدودة، إلى مثواك الاخير، لن تحدد جثمانك بتشييع محدود، سيأتي الأنصار من كل فج عميق من الجمهورية العريضة، السودان الذي زرته ركنا ومدنا وقرى وفرقانا، بنجومية لم تنطفئ لحظة واحدة، نجومية الوطني والسياسي المثقف. السودان الذي بكيته حبرا وهموما ودموعا احيانا، ها هو يبكيك بالطول والعرض، فمن يخبر الملوك من اركان الدنيا، بغرفتك البسيطة، واحتياجاتك كلها محدودة بين القلم الورق، والابتسامة التي واجهت بها الجميع، فانتصرت من كل النواحي وفي كل الأوقات أيها الانصار انطفأ النور فأشعلوا مصابيحكم اشعلوا كل المصابيح ويا أيها العالم أنعوا السودان برحيل واحد من ابر الأبناء رحل وسافر إلى الأبدية بذلك الجعل الرهيب المنابر بعدك يتيمة والرأي الآخر مكلوم والمنصات في تمتمة لا فصاحة بعدك تكون الممتد إلى الشمس وصلا من الأرض ويا اشتياق الجماهير لصوتك الراسخ في الأذن طوال سبعين عاما المحبوب المهذب يا ملاذ السياسيين الحيارى في زمن الاختلاف والتنابذ كنت دوما الحل الوسط والبستان الذي ينتج كل الزهور لكل العطور كانوا يخرجون من صوالينك العامرة متفقين وسعداء ذهبت بقضاء الله وقدره ونحن في طور التشكل وأمامنا مهمة صعبة كانت بمقاسك سهلة وعادية رحل الرجل الذي يشبه السلام تمام التمام بحر الرجاء ونهر النقاش لكل منا ونحن بالآلاف ذكرى منه وكلمات وصور وأمر. لم تفتر له عزيمة وهو يواجه امر الوطن بجلد الرجال وصبر العلماء وكياسة السياسيين وأفق المثقفين. وفي مفارقة عجيبة لم ير منه قهقهة مجلجلة وكان يكتفى بالابتسامات ادبا جما انطفأ النور أيها الأنصار فأشعلوا مصابيحكم فأشعلوا كل المصابيح إلى جنات الخلد ولا نقول إلا ما يرضي الله {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم البقاء لله وحده والعزاء للأسرة والأنصار والحزب والسودان