ظلت المؤسسة العسكرية في السودان تحكم البلاد قرابة نصف قرن من الزمان؛ حتى ترسخ في عقيدة الجيش بأن الحكم في البلاد إحدى مسؤولياته ومن واجباته المنوط به القيام بها. بعيد ثورة ديسمبر ما كان للمنظومة العسكرية بمختلف أشكالها أن تجد قبولاً لدى الجماهير الهادرة وكما أن نظام الإنقاذ تغيرت الوان البوت فيه بمسميات مختلفة وجميعها ما كان لها أن تحظى بتأييد داخلي على تولي الحكم وخاصة بعد زوال نظام حكم عسكري مؤخراً؛ وفي محاولة للاستفادة من الأخطاء التاريخية في السودان بكسر حلقة نظام عسكري ثم انتفاضة شعبية تفضى إلى حكومة مدنية مُضعفة أو ضعيفة يعقبها انقلاب عسكري جديد، تم اقتراح بعض الحلول منها إطالة الفترة الانتقالية معللين بأن الأحزاب السياسية في البلاد لم تمارس عمل سياسي حقيقي وظلت كامنة لمدة ثلاثين عاماً وكذلك البلاد تنزف حرباً أهلية في مناطق متعددة ومتفرقة وإتاحة فرصة سلام داخلي ومن أهم التوصيات كانت تكوين حكومة تكنوقراط وتم الإجماع على شخصية وجدت التأييد لدى عامة الشعب إلا من كان من مؤيدي النظام السابق وهنا نسميهم الشامتين ، لتولي رئاسة مجلس الوزراء واختيار وزراء تكنوقراط يعبرون الفترة الحرجة من تاريخ البلاد. يعلم جيل الثورة مدى التعقيدات التى يعيشها واقع السودان من عزلة دولية وواقع اقتصادي جعل الكبير والصغير يسعى ويفكر بالهروب من السودان الى أي مكان في العالم يجد فيه مسكنا وتعليما وعلاجا ووفرة في الخدمات العامة وبيئة نظيفة تليق بالكرامة الإنسانية؛ ولا شيء آخر حتى وإن كان تحقيق ذلك بقليل من العنت ولا حلم بأي مستقبل آخر. بدأ اختيار وزراء الانتقالية ولم يتم فيها اختيار ما نسبته 1% مما توافق عليه وإنما كان الاختيار مبني على المحاصصة الحزبية بل حتى المناطقية واختيار مبني على الصداقة والمعرفة الشخصية ونظام الشلليات حتى وصل مؤخراً مرحلة وجود اثنين أشقاء في جسم واحد أياً كان مسماه؛ وفي بدايات الحكومة بلعها من صنعوا الثورة على مضض في سبيل المحافظة على استمرار نجاح الثورة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان وظل التخبط يلازم الأداء العام للحكومة والكل يتابع في صمت وكلما علا صوت ناقدا ارتفعت حناجرهم ان ذهبنا اكلكم الجيش او عاد اليكم النظام السابق او كتائب الظل والفشل ليس منا بل منهم يضعون العراقيل على طريقنا فأصبحت اسطوانة مكرورة ان سعت الحكومة في إيجاد حل لمشكلة او لم تسع. طوال العام ونصف العام والشعب يحلم بعيش رغيد وامل جديد يلوح في الأفق وأكثر ما اوغر في صدور العامة الكذب والمماحكة والتسويف والعبارات الفضفاضة التي لا تفضي إلى حل لأي مشكل؛ طوال المدة المنصرمة ولم يتحسن حال الشعب بل تدهور ما كان عليه حتى أصبحت المناطق والأحياء السكنية تعاني من تراكم الاوساخ في كل مكان حتى الشوارع العامة وداخل الأحياء، كما أن صناع الثورة يعلمون من يتربص بأداء الحكومة وكانوا كلما دعوا إلى مسيرات ووضع المتاريس خرج المتاعيس يبشرون الشعب بانهم يعملون في تناغم وانسجام والمؤسف حقا انهم يشاركونهم ليلا في صنع جسم او قرار ثم ينظرون ردة فعل الشارع ان كانت الغالبية رافضين، انقلبوا مع بزوغ اول خيوط الفجر يعلنون بأنهم لا يعلمون بما تم شيئا؛ وان كان الغلبة مؤيدين كانوا لها اباً وعماً وخالا وشكروا من لم يستحق الشكر. الشعب ليس بغافل يعلم الكاذبون من الصادقين ويعلم صانعي العراقيل و الطامعين والشامتين وكل أولئك لديهم معلوم وإنما هم صابرون إلى يوم معلوم فيه يذهب الحمدوكيون والعسكريون كلهم اجمعين، ويأتي الله بآخرين صادقين.