في العام 1967م تم دمج حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي في حزب واحد اُختير له اسم «الاتحادي الديمقراطي»، وعندما تم دمج الحزبين أصدر السيد علي الميرغني زعيم الختمية بياناً بارك فيه الحزب الاتحادي الديمقراطي الموحد، وجاء في البيان أن «وحدة الصف والهدف، في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد اليوم أمر ضروري لتعزيز الاستقرار السياسي، محققين آمال الشعب والبلاد في مستقبل أفضل تحت ظل مجتمع إسلامي وحكم ديمقراطي سليم»، هذا البيان وتلك المواقف خاطبت الاتحاديين في ذاك الزمان عندما كانوا فصيلين، والأوضاع السياسية في تلكم الأوقات لم يطالها وصف التعقيد كما طالتها اليوم، عشرة فصائل وأكثر من حزب واحد وخلافات لا أول لها ولا آخر تعصف بالكيان الكبير يوماً تلو الآخر، فصيل يعلن عن نفسه اليوم وينقسم إلى ثلاثة فصائل في الغد، هذا التشرذم والانقسام أدى إلى ضعف الانتماء للجسم الواحد وللبرنامج الذي كان قائماً على مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فالقيادات الاتحادية نسيت أن هناك أجيالاً لم تر القيادة الأبوية الراشدة التي قادت مرحلة الجلاء والنضال والسودنة، فالاتحاديون الذين قام حزبهم على الأخذ باعتدال اليسار واعتدال اليمين هل صاروا بلا لون ولا رائحة ولا طعم؟ وأين هم من 9/7 ومن جملة المعطيات السياسية؟! مساحة من الحوار جمعتنا بالقيادي الاتحادي المهندس إبراهيم رضوان وزير الصناعة الأسبق فكانت قضايا ساخنة أجاب عنها الرجل بشجاعة في هذا الحوار الذي ينشر على حلقتين، حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال: { لقد كان إبراهيم رضوان من رجال وكوادر الحزب الاتحادي الديمقراطي الأقوياء الذين يقدرهم الميرغني في الحقبة الماضية فهل ما زال هذا التقدير موجوداً عند الميرغني؟ نعم ما زال التقدير موجوداً، وحسب علمي وقناعتي فإن الاحترام بيني وبين مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ما زال موجوداً، ولكنني أعود بك إلى الحديث الأول الذي ذكرته في الحلقة الأولى من الحوار، ذلك أن مراكز القوى والشللية في الحزب الاتحادي الديمقراطي ترفض شخصياتنا. { هل حجبوا ومنعوا - أقصد هؤلاء الذين وصفتهم (بالشلليات) - الود السياسي بينك وبين الزعيم؟ منعوا الاتصال وحجبوا الرؤية هنا. { الآن ظهرت مجموعات كبيرة من الاتحاديين وحدت قبلتها في منزل الزعيم الأزهري وبدأ كثير من النشاط هناك ويزداد هذا النشاط وينقص حسب درجات سخونة التعاطي السياسي، ويبدو أن الاتحاديين هنا قد توحدوا بقيادة ابنة الزعيم الراحل الأزهري (جلاء)؛ كيف تنظر إلى مستقبل هذه الحركة؟ حركة جلاء هي حركة يقف معها كل أبناء الاتحاديين القدامى الذين يعتقدون أن لهم إرثاً في هذا الحزب، وهذا خطأ، لأنه لا إرث لشخص إلا بما يقدمه لهذا الحزب من عمل، لكن أنا أعتقد أن الموقع الذي فيه جلاء الآن هو أفضل المواقع التي تمثل الاتحادي الديمقراطي، فالذين التفوا هناك هم أناس يجمعهم النقاء وتنتفي فيهم المصالح وأهل ثقافة عالية ومعرفة بالحزب الاتحادي الديمقراطي، فهم أطهر وأنقى مجموعة موجودة الآن في العناصر المنشقة عن الحزب الاتحادي الديمقراطي. { هل يمكننا القول إن عدوى الشلليات قد أصابت كل الأحزاب بل وانتقلت بسرعة - هذه العدوى - حتى أصابت الحزب الحاكم؛ المؤتمر الوطني؟ لا شك في ذلك، فالمؤتمر الوطني يعاني من الشلليات، فلا عدوى ولا خلافه فهو الآن صار مركزاً رئيسياً لهذه الظاهرة. فالمؤتمر الوطني إذا ما تعرض لشلليات مثلما تعرضت الأحزاب المختلفة فالأمر هنا مختلف فهو ليس مثل الأحزاب الأخرى، فهو حزب يحكم السودان لعقدين وأكثر من الزمان، ومن المؤكد أنه قد نال رضا هذا ولم ينال رضا ذاك من السودانيين، فله من المؤيدين والأعداء والخصوم في أنٍ واحد، وبالتالي فإذا دبت هذه الشلليات في قياداته فتأكد أن هذا سيؤثر على مقدرتهم في الحفاظ على الحكم الحالي، كما أنني أنبه إلى شلليات أخرى تحتمي بالحزب تحت مظلة تحرير الاقتصاد، فتحرير الاقتصاد أصبح عند بعض الناس في المؤتمر الوطني هو إحراز أكبر مكاسب ممكنة لهم وللمؤسسات التي يديرونها، وقادة المؤتمر الوطني يعلمون بهذا. { البشير قال في هيئة شورى الحزب إنه لا بد من أن ينصلح حال الأحزاب الأخرى وتنهض، وقال إذا استمرت الأحزاب في الضعف سننقسم نحن مرة أخرى.. كيف تنتظر إلى هذا القول؟ بلا شك هو حديث شخص وطني غيور حادب على مصلحة البلاد وأمين عليها، وحديثه هذا صحيح فهو يحاول تلمس متطلبات المرحلة بعد التاسع من يوليو القادم. { 9/7 اقترب منا فالمعارضة تطرح حكومة قومية والحكومة (أهل المؤتمر الوطني) تطرح الحكومة ذات القاعدة العريضة، مع أيٍّ تقف أنت من الحكومات؟ أقول إن السودان في تاريخه الطويل «ما ضاق ذلة» ولا انهياراً ولا شهد ضعفاً حكومياً إلا في ظل الحكومات القومية، فالحكومة القومية لا تصلح لأنها تكرس للخلافات والنزاعات وتنتقل عدوى الخلاف هنا من الأحزاب إلى مجلس الوزراء وكل هذا هو لنيل المكاسب فقط لذا فأنا أقف مع الحكومة ذات القاعدة العريضة. { هل تنصح بأن تكون حكومة تكنوقراط؟ الحكومة التي تتكون من التكنوقراط بالتأكيد هي أفضل، ولكن المشاكل السياسية الموجودة في البلاد أكبر من التكنوقراط، لأن التكنوقراط بحكم عملهم يظهر فيهم طابع التردد ووضع الاعتبارات الكثيرة، وبالتالي فالمطلوب إذن حكومة ذات قاعدة عريضة من مختلف الأحزاب يتم انتقاؤها بين البشير ورؤساء الأحزاب، والبشير عليه ألا يقبل بأي شخص تقدمه الأحزاب لأي منصب، فلا بد من أن يكون هناك اتفاق بين البشير ورؤساء الأحزاب لاختيار أناس لهم مقدرات خاصة وكفاءة وأمانة. { هل تنصح باستحداث منصب رئيس وزراء خاصة بعد تردد إرهاصات بالرغبة في إسناده إلى الصادق المهدي؟ منصب رئيس وزراء في ظل النظام الرئاسي «ما موجود» من ناحية دستورية مثل الذي فعله حسني مبارك، وأنا من مؤيدي الجمهورية البرلمانية أكثر من الرئاسية، ولكن في حالة رئاسة الجمهورية يجب على رئيس الجمهورية أن يكون المسؤول الأول والأخير ويوزع مهامه على مساعديه، فمنصب رئيس الوزراء هو الذي أضاع حسني مبارك. { لهذا إذن لا تنصح الإنقاذ (المؤتمر الوطني) باستحداث هذا المنصب؟ هل هذا حديثك؟ نعم لا أنصح الإنقاذ باستحداث منصب رئيس الوزراء طالما أن النظام جمهوري رئاسي، ولا أنصح الإنقاذ بالاستجابة تحت أي ظروف لأي تطلعات جهوية أو إقليمية، مثل أن يخصص منصب نائب رئيس لأية رقعة جغرافية في هذه البلاد انطلاقاً في ذلك من منظور جهوي، فمثل هذه الترضيات مضرة ولا تنفع، فالسودان إذا افترضنا مثلاً أنه يعاني من سبع مشكلات فهل نخصص سبعة مناصب لنواب رئيس الجمهورية؟ فالرئيس عليه ألا يستجيب لمثل هذه التطلعات الإقليمية التي بدأت تطل برأسها، وعليه أن يدحض هذه الأشياء بمنطق واحد هو أن كل المعارضين والمقاتلين طالما من أجل الديمقراطية، فلماذا إذن لا تقام انتخابات لتحدد ذلك؟ فلا يمكن لشخص أن يأتي بالمدفع والبندقية ليقول أنا نائب رئيس جمهورية أو أنا وزير مركزي. { لسان حالك هنا يشير إلى وثيقة سلام دارفور الأخيرة التي جاءت من اجتماع أهل المصلحة بالدوحة فكيف تراها وهل ستصل إلى غاياتها؟ أعتقد أنها ستصل إلى غاياتها، وفي وثيقة سلام دارفور لا بد من وقفة احترام وتجلة قوية لدولة قطر الشقيقة التي بذلت ما بذلت، وهي ليست أول دولة عربية تدخل في موضوع دارفور، فقبلها دخلت ليبيا في قضية دارفور فعقدت الموضوع وخلقت منه حرباً حقيقية، والآن قطر لا تريد من أحد لا جزاءً ولا شكوراً فهي صبرت وصابرت إلى أن جاءت هذه النتيجة، كذلك فإن دخول د. غازي صلاح الدين في هذا الموضوع أسهم في إنجاح مسار هذا الملف، فدخوله في قضية دارفور ساعد على تغيير المواقف إلى الإيجاب، وأنا أقول إن وثيقة سلام دارفور قد لا تحل مشكلة دارفور بنسبة (100%) ولكن ستساعد في حل المشكلة بنسبة كبيرة والباقي سيتحقق. { في ما يتعلق بالحل العسكري في أبيي والتطورات في جنوب كردفان مقروءاً كل ذلك مع الاتفاق الذي تم مؤخراً في إثيوبيا حول أبيي.. بماذا تنصح؟ أنصح المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بأن لا يجبراننا كسودانيين جميعاً شمالاً وجنوباً على أن ندخل في حرب ثانية، فالجنوبيون دولتهم قادمة ويحتاجون إلينا. فأبيي وجنوب كردفان من الذي تسبب فيهما؟ نجده هو باراك أوباما، لأنه عندما قال المؤتمر الوطني وبعض الأصوات العاقلة في السودان قالت أيضاً من الأفضل أن نناقش القضايا العالقة ليتم الوصول فيها إلى حلول، أمريكا حينها قالت لا بتأكيدها الجازم بضرورة أن يتم الاستفتاء في وقته، فأمريكا هي التي تتحمل وزر ما يجري في أبيي فلن يعيش الجنوب ولا الشمال في سلام ووئام ما لم تكن العلاقات بينهما جيدة. { ماذا تقول في معارضة القيادي الاتحادي علي محمود حسنين؟ الرجل غائب الآن عن السودان ومن أساسيات عمله السياسي أن يظهر بمظهر التطرف ويدخل في مواقف ليس لها معنى، ولذلك فأنا أعتقد أن وجود الأخ علي محمود حسنين في الحزب الاتحادي الديمقراطي كان من العوامل التي إدت إلى هدم الحزب، فلقد كان مناكفاً ومعاكساً، والناس عندما يقولون قولاً يقول هو قولاً آخر، والآن حسب تقدم السن ما عادت له قدرة على السير في هذا الطريق الخلافي. { كيف تنظر إلى التجمع الوطني الديمقراطي المعارض السابق والحالي؟ حقيقة أنا لم أكن معه، فالتجمع في يوم من الأيام تغول عليه الشيوعيون، والسودان مشكلته أن الشيوعيين يسرقون المكاسب وينسبونها لأنفسهم مثلما حدث في العام 1964م. { هل هذا الداء هو نفسه عند الإسلاميين؟ بطريقة أخف وبأخلاق أحسن، ففاروق أبو عيسى هو والراحل أحمد سليمان استطاعا أن يقنعا في يوم من الأيام أهل الأحزاب، ذلك أن الحزب الشيوعي تحت مسميات مختلفة أخذ تسع وزارات من أربع عشرة وزارة وذلك في زمان محمد أحمد المحجوب، ففطنت الأحزاب وقتذاك إلى تلك المسألة. ففاروق أبو عيسى منذ ذاك الزمان وحتى هذه اللحظة لم يفطن بعد ولم يع أنه لا يستطيع أن يقود أية مجموعة من الناس لمصلحة الحزب الشيوعي لأن أساليبه انفضحت، وكل الذي يعمل فيه الآن هو المحاولة بقدر الإمكان ليقود الناس إلى الشيوعيين لكنه لن يستطيع.