انتهزت فرصة وجودي بطيبة برس أمس .. فمررت على مركز المعلومات الملحق بقاعة التدريب الصحفي .. والذي يعود الفضل في تأسيسه ورعايته للأستاذ فيصل محمد صالح .. قبل أن يغادر طيبة برس بالطبع .. وقع نظري أول ما وقع على كتاب بعنوان .. (ما رأيكم إذا ؟ دليل للصحفيين السودانيين ) .. هذا هو عنوان الكتاب أما موضوعه فقد كان خلاصة دورات تدريبية نظمتها هيئة الإذاعة البريطانية .. بي بي سي .. بالتعاون مع طيبة برس .. استمرت طوال العامين الثالث والرابع من الألفية الثالثة ..بتمويل من الاتحاد الأوروبي .. استفاد منها حوالى الف صحفي سوداني .. ولحظتها كنت مشغولا بالجدل المثار حول لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يوينو 1989 وإزالة التمكين .. وما إن كان موضوعيا أو محض حملة سياسية مرتبة .. هدفها قطع الطريق على .. ضبطيات كبيرة .. ستعلن عنها اللجنة كما يقول العضو الأبرز فيها وجدي صالح ..! كان غريبا .. وأنا أقلب في ذلك الكتاب .. أن تلتقط عيني الفقرة التالية ( كن حذرا على وجه الخصوص من المصادر المخفية الهوية ، وهم من يصرون على عدم الكشف عن هويتهم ، أسأل نفسك لماذا يصرون على ذلك ؟ هل لديهم ما يخفونه ؟ هل بوسعك التأكد من رواياتهم عن طريق مصدر مستقل ؟ ما هي نواياهم الحقيقية ؟ تحقق بالكامل من المعلومات وحاول أن تجد تأكيدا فعليا لها ، يعتقد كثير من الصحفيين أن المعلومات التي يعطيها من لا يكشف عن هويته أو تلك التى لا تكون للنشر يمكن بصورة ما الاعتماد عليها اكثر من تلك الواردة من مصادر علنية ومتاحة ، هذه مغالطة وعلى الصحفيين أن يحذروا من الوقوع في مثل هذا الافتراض ) .. أما وجه الغرابة فهي أنه في تلك اللحظة تحديدا كان ذهني مشغولا بالتفكير في خبر تم تداوله على نطاق واسع نقلا عن .. باج نيوز .. قبل أيام يقول ..( أفادت مصادر مطّلعة بوزارة المالية ل"باج نيوز"، عدم تسلّم وزارة المالية أيّ مبالغ من لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد. والمصادر ذاتها، أشارت إلى أنّ أيّ أموال توّرد لخزينة الدولة، وسيكون له أوجه صرف معروفة ومعلومة. وطالبت لجنة إزالة لجنة التمكين بتوضيحاتٍ حول أين وضعت تلك الأموال ولمن سلّمت متسائلة هل تمّ إيداعها في حساب وزارة المالية أم سلّمت نقدًا أم شيك باسم وزارة المالية.)..! كان الخبر والتحذير الذى قرأته في كتاب ال(بي بي سي) عن المصادر غير المعلنة يصب ولا شك .. في صالح لجنة إزالة التمكين .. إذ يكون السؤال .. ما الذى يمنع مصدر المالية من الإفصاح عن هويته طالما كان واثقا من معلوماته قادرا على الدفاع عنها .. ؟ ولكن سؤالا قد يقفز في المقابل .. هل سيكون هذا المصدر قادرا على الدفاع عن نفسه ..؟ إن هو أفصح عنها ..؟ هذا سؤال مهم .. ولكن الأهم منه .. لماذا صمتت اللجنة في مواجهة كل ما يثار الآن .. اللجنة التي تضم صحافيا يعرف قيمة المعلومات و أثرها .. والصمت وخطورته .. مثل ود الفكي .. وقانونيا ضليعا يعرف قيمة البينات والأدلة وأثرها في إفحام الخصوم .. مثل وجدي صالح .. يجب أن تعرف أن الصمت يخصم منها ولا يضيف اليها .. وأن الشفافية تعصمها ولا تعريها .. ! و لئن كنا قد بدأنا من كتاب .. بي بي سي .. فسنختم من كتاب الصحافية الأمريكية الشهيرة مارغريت سوليفان .. الذي خصصته للتعامل الحكومي مع الصحافة ومع المعلومات .. فقد ابتدرت كتابها هذا بمقتطفين .. الأول من الرئيس الأمريكي الرابع جيمس ماديسون 1822.. يقول فيه .. ( إن وجود حكومة شعبية من دون معلومات شعبية أو وسيلة للحصول عليها ما هو إلا مقدمة لمهزلة أو مأساة ، أو ربما لكلتيهما ) .. أما المقتطف الثاني فمن الرئيس الأمريكي السادس عشر والأشهر إبراهام لنكولن 1864 .. حيث يقول .. ( دعوا الناس يتعرفون على الحقائق ، وعندئذ ستكون البلاد آمنة ) ..! نلاحظ فقط أن الرئيسين .. ومع فارق زمني قارب الخمسين عاما .. و مع اختلاف العبارات .. قد اتفقا على أهمية الشفافية في قطع الطريق على الفوضى .. وفي تحقيق الأمن القومي .. !!!.