تعرضت قوة عسكرية سودانية منتصف الشهر ديسمبر الحالي لإعتداء من مليشيات إثيوبية في جبل أم الطيور على الحدود السودانية الإثيوبية بمنطقة الفشقة وهو الإعتداء الثاني خلال 9 أشهر فقط، لكن هذه المرة بكمينٍ استهدف قوة قُتل منها أربعة عسكريين بينهم ضابط برتبة الرائد، تعديات الشفتة ليست جديدة بالطبع على المزارعين والمدنيين والقوات السودانية لكن الجديد هو تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح الذي تحدث عن إمكانية التفاوض مع الإثيوبيين على كيفية الزراعة واستغلال الأراضي في منطقة الفشقة بالطبع هذا التصريح من الحكومة الانتقالية لا يمكن قراءاته سوى أنه مفارق للمنطق والموضوعية في قضية الحدود ومسألة سيادة السودان على أراضيه وهي أراضٍ محتلة وظلت خارج سيطرته منذ نحو 26 سنة مضت، فلم تتوفر الإرادة الوطنية والمسؤولية السياسية لنظام الإنقاذ لاستعادتها مطلقاً وفرطت فيها، فيما مضى كان معارضو نظام الإنقاذ يصفون ذلك بالهوان والتفريط في السيادة إذاً ما الذي تغير الآن ليكون الأمر مخالفاً لما كانوا يُرفع من شعاراتٍ وطنية؟ حديث الناطق الرسمي للحكومة الانتقالية قابله تصريح رسمي من نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ديميكي مكنن اتهم القوات السودانية بشن هجمات منظمة بالأسلحة الثقيلة والمدرعات في اجتماع اللجنة السياسية رفيعة المستوى المشتركة بين البلدين وأن الجيش السوداني نهب محاصيل زراعية ومنعوا من جنيها وقتل مدنيين، وهدد بأن ذلك قد ينسف الاتفاقيات السابقة بشأن الحدود، أليس ذلك غريباً والمليشيات الإثيوبية اعتدت في إبريل الماضي على الفشقة وقتلت مدنيين وعسكريين؟ قد يكون من المفهوم أن الحكومة الإثيوبية تريد الضغط على السودان للحصول على مكاسب تريد تحقيقها خاصةً فيما يخص الأمن الغذائي مثلاً لكن كيف يُفهم تصريح الناطق الرسمي للحكومة الانتقالية فيصل محمد صالح في هذهِ الحالة وجيش بلاده يسترد أراضي سودانية ويدافع عن مواطنيه ومعروف تأريخياً أزمة هذهِ المنطقة؟ قد يقول قائل إن الجيش ليس جيشاً قومياً بعد وهي وجهة نظر سياسية تختص بعملية الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي داخلياً وإعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية لتتوافق مع عملية الانتقال والتغيير لكنها بالضرورة لا تعني الخارج ودول الجوار، هنا نتحدث عن سيادةٍ كاملة لا تنفصل عن رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب وهو القرار الذي أعاد البلاد لتكون دولةً كاملة السيادة بأي حال، في 11 إبريل الماضي أرسلت إثيوبيا رئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي محمد آدم الذي أجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان ثم رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك بخصوص الاعتداءات الإثيوبية وكانت خطوة لنزع فتيل الأزمة ألا يؤكد ذلك أن إثيوبيا تعترف منذ حينها بصحة موقف السودان؟ معلوم بالضرورة أن منطقة الفشقة ليست محتلة بالكامل فهناك علاقات تعامل بين مزارعين من الجانبين واستئجار أراض لكن ذلك لا ينفي تعدي إثيوبيا على أراضٍ سودانية وإلا لماذا يجتمع الجانبان لترسيم الحدود وحسم الملف ولا يمكن إنكار أن مليشيات الشفتة التي تتحرك بعلم الحكومة الإثيوبية تشكل تهديداً للأمن القومي السوداني، ولأول مرة منذ 26 سنة مضت انتشرت القوات المسلحة السودانية إبريل الماضي في مناطق لم تكن موجودة فيه من قبل وصارت أغلبها تحت سيطرتها وهي مناطق الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، وتحاول هذه المليشيات الإثيوبية كل سنة الدخول في مواجهات مع الجانب السوداني وحال حصل تراجع تقوم باستغلال المساحات التي تسيطر عليها زراعياً. موقف الحكومة الانتقالية وتصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية يحتاج إعادة نظر بأي حال فهو امتداد لما ظل متبعاً في سياسة السودان الخارجية منذ ستين سنة مضت بتقديم التنازلات على حساب الأمن القومي ومصالح السودانيين كما حدث في حلفا القديمة وتهجير أهاليها بسبب السد العالي ثم قضية حلايب وشلاتين والواضح الآن أن إثيوبيا تسعى للضغط على السودان من خلال قضية الحدود من أجل تحقيق نقاط تقدم في ملف سد النهضة.