أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إلغاء قرار تعليق المساعدات المقدمة لإثيوبيا، الذي أصدره الرئيس السابق دونالد ترامب، على خلفية النزاع حول سد النهضة. وذكرت الوزارة، أمس الأول، أن هذا لا يعني أن جميع المساعدات الأمنية والتنموية التي تبلغ قيمتها نحو 272 مليون دولار ستبدأ على الفور في التدفق، بل يعتمد ذلك على التطورات الأخيرة"، في إشارة واضحة إلى الصراع المميت في منطقة تيغراي، بحسب وكالة" أسوشيتد برس".
خلفية الحدث وبحسب تقارير إعلامية فإن ملف سد النهضة يتعقد يوماً بعد يوم دون وجود أفق لحل قريب يرضي أطراف النزاع، وفي خضم الخلافات أعلنت الولاياتالمتحدة تعليق جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا ردا على قرار أديس أبابا البدء بملء السد قبل التوصل لاتفاق مع مصر والسودان.. وجاء القرار الأمريكي في سبتمبر من العام 2020م، حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك إنّه "بسبب قرار إثيوبيا الأحادي الجانب ملء سدّ النهضة بدون اتّفاق مع مصر والسودان" فإن وزير الخارجية مايك بومبيو وبتوجيهات من الرئيس دونالد ترامب "قرّر تعليق جزء من المساعدات المخصّصة لأثيوبيا مؤقتاً"، فيما لم يحدّد البيان مقدار المساعدات المشمولة بقرار التعليق ولا مدّة تعليقها. وأضاف المتحدّث أنّ الانتقال إلى "الملء أثناء المفاوضات يقوّض ثقة الأطراف الأخرى"، متهماً الحكومة الأثيوبية بعدم الوفاء ب"التزاماتها" فيما يتعلق بالمفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي قبل الشروع بأيّ خطوة عملية. وقدرت تقارير اعلامية قيمة المساعدات التي جمدتها الولاياتالمتحدة بنحو 130 مليون دولار. رد الفعل وقتها جاء رد الفعل سريعا من السفير الإثيوبي لدى واشنطن فيتسوم أريغا، وقال في تغريدة على حسابه بتويتر، إنّه تلقى تأكيدات بأنّ أيّ تخفيض في المساعدة الأمريكية لبلده سيكون "مؤقتاً"، وقال إن "السدّ لنا وسننجز بناءه بسواعدنا"، مضيفاً: "سنخرج إثيوبيا من الظلام". التحليلات آنذاك فسرت الموقف الأمريكي الذي اتخذه الرئيس السابق ترامب، كرد فعل على تحفظات أديس أبابا على تدخل أطراف أخرى في النزاع، لا سيّما بعد محاولة وساطة قامت بها الولاياتالمتحدة، بناء على طلب مصر، وانتهت في فبراير من العام الماضي بالفشل، وربما ما أغضب واشنطون اتهامات إثيوبيا لها بالتحيّز للقاهرة. وتتفاوض الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا منذ 2011م للوصول إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله، لكنّهم رغم مرور هذه السنوات أخفقوا في التوصّل لاتفاق. وتنظر كل من مصر وإثيوبيا إلى المسألة على أنها قضية "وجودية" بالنسبة لمستقبل شعوبها. وقد اشتكت مصر بالفعل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي دعا بدوره إلى مزيد من المفاوضات التي استمرت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، لكن الحل الوسط لا يزال بعيد المنال. مراجعة سياسات الكاتب الصحفي والمتخصص في الشأن الإفريقي محمد مصطفى جامع قال في حديثه ل(السوداني) إنّ الإدارة الأمريكية الجديدة صرحت بأنها ستراجع كل السياسات الخارجية التي انتهجتها إدارة ترامب ومن بينها الموقف الأمريكي من سد النهضة، حيثُ كانت توجه انتقادات للإدارة السابقة بأنها متحيزة لصالح مصر في جولات الوساطة التي استضافتها واشنطن العام الماضي. وأضاف: التوقعات كانت تشير إلى أن إدارة بايدن ربما تتخذ موقفًا أكثر توازنًا بمعنى أنها قد تخفف الضغط على إثيوبيا، لكن ملف الصراع في إقليم تيغراي حال دون ذلك، ولذلك استمرت إدارة بايدن في حجب المساعدات التنموية والأمنية لكنها لفتت إلى أن قرار الحجب أصبح مرتبطًا بالتطورات الأخيرة في إثيوبيا دون أن تذكر صراحة الصراع في إقليم تيغراي والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي يتهم بها الجيشين الإثيوبي والإريتري. مبعوث أمريكي ويمضي جامع في حديثه ل(السوداني) مشيرًا إلى أن هناك اتجاها قويا في الإدارة الجديدة لتعيين مبعوث أمريكي إلى منطقة القرن الإفريقي تكون مهمته المساعدة في إيجاد حل للصراع في إقليم تيغراي وتسوية قضية سد النهضة إلى جانب مشكلة الحدود بين السودان وإثيوبيا، متوقعًا أن يتم تسمية المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي في الأسابيع المقبلة، مشيرًا إلى أن هذا يفسر إحجام الإدارة الجديدة عن التعليق بشكل مباشر على قضية سد النهضة أو الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا. لا تأثير وحول توقيت الإعلان ومدى تأثيره على موقف السودان في قضيتي سد النهضة والحدود لاحقاً يقلل جامع من فرضية وجود أثر وقال: لا أعتقد ذلك، الإدارة الجديدة متحفظة على إعلان موقف واضح، تقول إنها ما زالت تدرس الملف، ربما الرسالة موجهة إلى إثيوبيا في المقام الأول القصد منه الضغط عليها لإنهاء الصراع في تيغراي. وأضاف: بمعنى أن القضية المهمة بالنسبة للولايات المتحدة حالياً هي انتهاكات حقوق الإنسان وليس سد النهضة. موقف السودان واعتبرت الحكومة السودانية أنّ قرار إثيوبيا الفردي بملء خزان سد النهضة يعد تهديدًا للأمن القومي. ودعا وزير الري والموارد المائية، ياسر عباس، في حديث سابق لوكالة رويترز، الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى الوساطة في النزاع بين أثيوبيا ومصر السودان بشأن السد. وبدأت إثيوبيا مرحلة ملء خزان السد العام الماضي على الرغم من مطالبة مصر والسودان بأن يتم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة أولاً.. وقال عباس أن مضي إثيوبيا في ملء خزان السد في يوليو المقبل "سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزراعة وتوليد الكهرباء". مؤخرا وبحسب تقارير اعلامية حذر كبير المفاوضين السودانيين في ملف سد النهضة الإثيوبي، مصطفى حسين الزبير، من "كارثة عطش" تهدد السودان؛ بسبب إصرار إثيوبيا على الملء الثاني للسد. وأشار الزبير، رئيس الجهاز الفني بوزارة الري والموارد المائية إلى ضرورة وجود إرادة سياسية لحسم نقاط الخلاف؛ للوصول إلى نتائج حاسمة في الجولات المقبلة بين مصر والسودان وإثيوبيا. وأضاف الزبير: "لم يتم تحديد جولات تفاوض أخرى بعد.. لكن دون إرادة سياسية لحسم نقاط الخلاف المفتاحية؛ لن نصل لأي اتفاق، حيث تم التوافق على معظم البنود". وتابع الزبير"قلنا في السابق إنه تم الاتفاق على 90% من الاتفاقية، وتبقت بعض نقاط أساسية قانونية، مثل هل هي اتفاقية ملزمة أم قواعد استرشادية للملء والتشغيل، وكذلك آلية فض النزاع، وما هي علاقة اتفاقية ملء سد النهضة باتفاق تقاسم المياه". وحذر الزبير من أن الملء الثاني الأحادي لسد النهضة يهدد نصف سكان السودان ب"كارثة عطش" ربما تستمر شهرا، موضحا أن بلاده لديها خيارات لمواجهة هذا الاحتمال لحفظ الحقوق المائية والأمن القومي. وقال كبير المفاوضين السودانيين إن الخرطوم لديها "عدة خيارات تشمل الجوانب الفنية والسياسية الدبلوماسية، للمحافظة على حقوقه المائية وأمنه القومي، حال أقدمت إثيوبيا على الملء الثاني للسد بشكل أحادي". وأوضح أن "ما طالب به السودان خلال الجولات السابقة هو أن هنالك خبراء تم تعيينهم بواسطة الاتحاد الإفريقي قدموا تقريرا علميا نعتقد أنه قيم ومتوازن في يوليو الماضي، ولم يتم الأخذ بتوصيات هذا التقرير". وشدد على أنه "لا يمكن لإثيوبيا أن تستخدم الماء كسلاح ضد الشعب السوداني، إما بحرماننا منه أو حتى بتهديدها للأجيال الحالية والقادمة بوجود مليارات الأمتار من المياه خلف السد، ودون اتفاق دولي ملزم وواضح لتشغيل السد". وتصر إثيوبيا على بدء الملء الثاني لسد النهضة، في يوليو المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع السودان ومصر. وأكد "الزبير" أن "ملء 13.5 مليار متر مكعب في يوليو القادم من غير توقيع اتفاق ومن غير تبادل معلومات بين إدارة سد الروصيرص وإدارة سد النهضة، يشكل تهديدا مباشرا لسد الروصيرص، وبالتالي تهديد لنحو نصف سكان السودان، الذين يسكنون على امتداد النيل ما بعد الروصيرص.