شرعت الخارجية الأمريكية في وضع اللمسات الأخيرة للإطار العام للجولة الثانية من الحوار لتطبيع العلاقات مع السودان والتي ستتضمن بشكل اساسي المطالبة بمزيد من التقدم في مجال حقوق الإنسان والحرية الدينية. وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون التشريعية ماري ووترز في رسالتها لأعضاء الكونغرس، إن واشنطن في المرحلة القادمة من عملية التطبيع ترغب في استخدام "النفوذ الأمريكي" لجعل الحكومة السودانية تتبنى وتنفذ إصلاحات ذات مغزى، وكذلك لإحراز تقدم من أجل إنهاء الصراعات المسلحة في دارفور والمنطقتين، وأردفت "أن هذه المشاركة تضمن أيضاً، وفقاً لأولويات الإدارة، أن يمتنع السودان عن العلاقات مع كوريا الشمالية ويساعد في الجهود لمكافحة الإرهاب". ولفتت المسؤولة رفيعة المستوى إلى أنهم مستعدون لمواجهة أي تراجع من الحكومة السودانية حول القضايا المتفق عليها، وزادت: "أوضحنا للسودان أننا لا نتوقع أي تراجع في التقدم المحرز حتى الآن". الملاحظة الأساسية أن انطلاقة الجولة الثانية من التفاوض ستشهد تغييرا كبيرا في قيادات التفاوض الذي بدأ بشكل جدي في العام 2015 سواء على مستوى وزراء الخارجية في البلدين أو القيادات العسكرية والأمنية، إلا أنه في المقابل ستكون أجندة الجولة الثانية ثابتة بهدف رفع السودان من لائحة الإرهاب، وهو ما يسمح برفع كامل للعقوبات استنادا لما تحقق في الجولة الأولى. أثر الغياب تساؤل رئيسي يُثار حول مستقبل الجولة الثانية من المباحثات بين الخرطوموواشنطن والتي ستنطلق دون وجود لغندور على كرسي الخارجية السودانية. صحيح أن أمريكا شهدت تعاقب ثلاثة وزراء خارجية على غندور (كيري، وتيلرسون، وبابمبيو -قيد الترشيح-)؛ إلا أن الأخيرة تعتمد على مؤسسات راسخة؛ فيما يُقلِّل مراقبون من تأثير غندور باعتبار أن مصالح الدول لا تقوم على الأفراد. يقول أستاذ العلوم السياسية د. عبد الرحمن أبوخريس، إن الحوار بين الخرطوموواشنطن بدأ قبل غندور وسيتستمر بعده دون تأثير، لافتا إلى أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح وتستند على المؤسسات مما يقلل من تأثير الأفراد. ويتوقع أبوخريس ألا يكون غندور بعيدا عن ملف التطبيع مع أمريكا سواء بصفة مستشار أو عضو تفاوض أو حتى من خلف الكواليس، مضيفا: "غندور ابن الحزب الحاكم وسيكون له إسهام في ملف التطبيع مع أمريكا". وليس بعيدا عما سبق، يقول الخبير الاستراتيجي د. الهادي المهدي، بأن إقالة غندور لن تؤثر على الحوار السوداني الأمريكي باعتباره نتاج عمل جماعي تشترك فيه الخارجية والمؤسسة العسكرية والأمنية، مضيفا: "الحوار يقوم على مؤسسات وتكنوقراط عبر لجنة مشتركة من جهاز الأمن والمخابرات والقوات المسلحة ووزارة المالية ووزارة الخارجية". المهدي يرى بدوره أن السودان اختار استراتيجيا الاتجاه شرقا بعد أن قدم كل شيء ولم يحصل على ما يريد من أمريكا، ويزيد: "الاستراتيجية الأمريكية لن تقوم بمساعدة نظام ترى أنه ذو طابع إسلامي على النهوض في المنطقة يخل بتوازناتها ومصالحها". نصر وهزيمة تشير بعض التحليلات إلى أن أكبر انتصارات غندور كانت السبب الرئيس في استقالته في يناير الماضي، قبل أن تتم اقالته الخميس الماضي بعد أن فاض الكأس. مثل التطبيع مع واشنطن الشغل الشاغل لغندور منذ توليه حقيبة الخارجية، ليستكمل جولات سابقة من التفاوض لم تشهد اختراقا يذكر، ليتم التوصل لمصفوفة المسارات الخمسة في منتصف 2016 التي توجت إلى قرار إدارة أوباما بالرفع الجزئي المشروط والمؤقت للعقوبات التجارية والحصار الاقتصادي على السودان في مطلع العام الماضي، وموافقة إدارة ترمب على استدامة قرار الإدارة السابقة. يرى المحلل السياسي محمد عبد الحميد أن إقالة غندور لا تتعلق بخلافات بيروقراطية فحسب، وإنما تتصل في ذات الوقت بخيارات السياسة الخارجية خاصة فيما يلي التطبيع مع واشنطن التي أبدت تحفظا على تعديل الدستور وتمديد ولاية البشير خاصة بعد زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان في نوفمبر الماضي، وهو ما انعكس في تصريحات البشير في زيارته لروسيا والتي وضع بها أمريكا في خانة العدو الذي يتربص بالسودان، ليتقدم بعدها غندور باستقالته بعد أن سد الطريق أمام التطبيع مع أمريكا والذي كان سيخلد غندور في حاله نجاحه في تسوية العلاقات ورفع اسم السودان من لائحة الإرهاب وما يتبعها من تسهيلات على مستوى إعفاء الديون الخارجية وتدفق الاستثمارات، إلا أن الرئاسة قررت ألا تقبل الاستقالة ليواصل الرجل عمله وسط مؤشرات على اقتراب الجولة الثانية من الحوار بين البلدين والتي تستضيفها واشنطن، إلا أن الأزمة الاقتصادية ربما كانت أشبه بالقطرة التي أفاضت الكأس ليأتي قرار الإقالة. خلاصة الأمر أن غياب غندور عن المشهد لن يؤثر على مجريات التفاوض بين الخرطوموواشنطن لعدة اعتبارات تتعلق بأن الرفع الكامل للعقوبات يقوم بشكل أساسي على أسس موضوعية تتصل بإيفاء السودان بالتزامات محددة، بجانب عوامل داخل الإدارة الأمريكية متصلة بتفاعلات مراكز القوى (بنتاغون ومخابرات) وجماعات الضغط، فضلا عن أدوار إقليمية لبعض الدول الحليفة لأمريكا التي تتقاطع مصلحتها مع رفع العقوبات عن السودان.