أعلنت الحكومة تحرير سعر صرف الجنيه السوداني (تعويمه)، وهذا معناه أن الحكومة رفعت يدها عن التحكم فيه، وجعلت السوق هو من يحدد قيمته. وتم توجيه البنوك والصرافات الرسمية لإعلان الأسعار لبيع وشراء العملات الأجنبية على لوحات ظاهرة للجمهور. وسمح للمصدرين بالتصرف في حصائل صادراتهم بحرية، ببيعها للبنوك والصرافات، أو بيعها لتاجر ليستورد بها سلعا من الخارج. وهذا كله يدخل فيما يسمى بالسياسات النقدية، وهذه مسئول عنها بنك السودان المركزي، يُشرّع لها ويتابع تنفيذها. الوضع عندنا في السودان أن صادراتنا للخارج أقل من وارداتنا. صادراتنا بلغت في العام 2019 مبلغ 3.9 مليارات دولار فيما بلغت وارداتنا من العالم 9.3 مليارات دولار. وعليه بلغ العجز في الميزان التجاري قيمة 5.3 مليارات دولار. الحكومة ليس بيدها في البنك المركزي مبلغ ال 5 مليارات دولار هذا، لهذا يلجأ التجار المستوردون لمن يملك الدولار في السوق ليشتروه منهم، وهذا يفسر الانخفاض المستمر لقيمة العملة السودانية مقابل الأجنبية. وبالقرار الأخير سوف تزيد وتيرة هذا التزايد لأن التعامل أصبح مكشوفاً وشرعياً، عكس الفترة الماضية حيث كان يتم هذا في الخفاء. معنى هذا سوف يستمر انخفاض قيمة الجنيه الى أن يصل الى قيمته الحقيقية عندما يحدث التوازن في ميزان الحساب الخارجي، وهو ما يخرج من الدولة مقابل ما يدخل لها من نقد وأوراق مالية وتحويلات. استغرق هذا في مصر حوالى ثلاثة أعوام، حيث انخفض الجنيه المصري انخفاضاً كبيراً عند تعويمه في العام 2016 (في العام 2014م كان الدولار يساوي رسمياً حوالى 8 جنيهات مصرية، وانخفضت قيمته بصورة حادة ليبلغ 18 جنيها مقابل الدولار في 2018م وعاد ليستقر ما بين 16.4 إلى 15.6 جنيه مقابل الدولار في العامين 2019 و 2020) وقد استقر الآن مقابل العملات الأجنبية الأخرى، واصبح الفارق بين بيعه وشرائه حوالى 0.5%. ما هو المطلوب لكي يحدث التوازن في ميزان الحساب الخارجي عندنا؟ إن المطلوب هنا يمثل ما يسمى بالسياسات المالية، وهذه تُشرّع لها وزارة المالية وتتابع تنفيذها مع وزارات القطاع الاقتصادي الأخرى. مطلوب أولاً تقليل عجز الموازنة، أي أن تقلل الحكومة مصروفاتها بأقصى ما تستطيع لكي لا تضطر للاستدانة من النظام المصرفي (طباعة العملة). هذا يقلل من كمية النقد التي تطارد الدولارات الشحيحة. وثانياً مطلوب من الحكومة تشجيع زيادة الصادرات السودانية وتقليل العوائق التي تعترضها وفتح الأسواق أمامها. فلنسمح لأي منتج بتصدير إنتاجه أو بيعه لأي شخص قادر على فتح الأسواق الخارجية، أجنبياً كان أم سودانياً. فلنصدر كل شيء من الذهب الى العقارب بإجراءات سهلة وميسورة. وعلينا كذلك تشجيع بيع خدماتنا للأجانب المستعدين للدفع بالدولار، مثل خدمات السياحة والتعليم والعلاج والنقل العابر. كل الشركات وأسماء الأعمال التي تعمل في هذه المجالات نعفيها من الضرائب ونشجعها على فتح الأسواق. أما بالنسبة للمغتربين والمهاجرين بالخارج فبالإضافة لتسليمهم قيمة تحويلاتهم بالسعر الحر أو العملة الأجنبية حسب رغبتهم علينا تصميم منتجات مصرفية وحوافز أخرى تشجعهم على تحويل أموالهم ومدخراتهم للسودان، مثل عمل شركات استثمارية في قطاعات البترول والمعادن، أو منح عائد ممتاز للعائدات على الودائع في البنوك السودانية. سيعود تحرير سعر الصرف بالخير الوفير على الاقتصاد السوداني إذا شجعنا فئات ثلاثا هي: المغتربين والمنتجين والمستثمرين وأزلنا العوائق والمخاوف من أمامهم. والله الموفق.