كثيرون اعتبروا أن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الخرطوم ذات دلالات ورمزيات مستبطنة في طيات الخطوة، وأن الرسالة الجوهرية لاختيار السودان كثاني محطة خارجية يهبط إليها حفيد النجاشي، تتمثل في عمق ومتانة واستراتيجية العلاقات بين العاصمتين وأنها تتجاوز الأشخاص والحكومات. آخرون رفضوا اعتبار جيبوتي محطة خارجية أولى، قاطعين بأن أحمد اختار جيبوتي لأسباب أمنية بحتة ولا علاقة لها بود مفقود. ويربطون ذلك بتطورات الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي التي تخصص فيها رئيس الوزراء الإثيوبي لجهة أن جيبوتي أضحت لاعبا أساسيا في نفوذ التحالفات المتبادل من خلال إقامة العديد من القواعد العسكرية على أراضيها، الأمر الذي دفع أبي إلى زيارتها لتأمين الموقف الإثيوبي خصوصا في ظل إعلانه عزمه بدء صفحة جديدة مع أريتريا الأمر الذي أثار ربما حفيظة جيبوتي بحكم التوترات بينها وأريتريا، ما دفع أبي أحمد لتقديم زيارة جيبوتي على الخرطوم بالإضافة إلى أن جيبوتي كانت متعلقة بالموانئ. إضاءات إثيوبية من جانبه اعتبر السفير الإثيوبي بالخرطوم ملوقيتا زودي في حديثه ل(السوداني) أمس، أن هذه الزيارة تعتبر ثاني زيارة خارجية لرئيس الوزراء الإثيوبي وقبلها كانت إلى جيبوتي، مؤكدا أن أبي أحمد سيجري محادثات مع الرئيس البشير حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. فيما يذهب المحلل السياسي د.مهدي دهب في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن ثمة أبعاداً أُخرى يجب استصحابها عند قراءة مدلولات الزيارة وتوقيتها. ويرى مهدي أن رئيس الوزراء الإثيوبي بحكم انتمائه لأسرة مُسلمة ظن الجميع أنه سيمنح الخرطوم وضعية خاصة أن التعامل معه أسهل، إلا أنه أكد بزيارته الأولى إلى جيبوتي أن الدين أو العقيدة ليسا من محددات سياسته الخارجية أو مبررا للتغاضي عن المصالح الإثيوبية العليا، وأضاف: السودان بالنسبة لإثيوبيا يعد دولة محورية خاصة للمسلمين على الحدود في المنطقة الغربية لإثيوبيا. أجندة الزيارة البعض يرى أن زيارة أبي أحمد للخرطوم سياسية بامتياز ويعتبرونها الرحلة السياسية الأولى، فيما يعتبرها آخرون ذات طابع رمزي أكثر من كونه سياسيا، لجهة أن البشير عاد من إثيوبيا منذ أقل من أسبوعين ويدللون على ذلك بتصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإثيوبي قال فيها إن الرئيس البشير يُعَد أخاه الكبير. وتذهب التحليلات إلى أن ما يربط أديس والخرطوم أكثر من ملف استراتيجي، أبرزها مشروع التعاون المائي، ومؤخراً على المستوى العسكري الذي وصل حد إنشاء قوات عسكرية لتأمين الحدود المشتركة بالإضافة إلى مجالات الطاقة المختلفة، فضلا عن الاتجاه لربط البلدين بشبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية وتوفير ميناء على البحر الأحمر يخدم إثيوبيا ويوفر احتياجات الجزء الغربي. واعتبر دهب أن ملف المياه وسد النهضة أصبح محدداً لعلاقة إثيوبيا مع دول الجوار، وبالتالي فإن الزيارة ستخلق تقارباً نهائياً في الملف بين الخرطوموأديس أبابا، بالإضافة إلى ملفات الاستثمار وقطاع الكهرباء، فضلاً عن كل ما يخص المجالات الزراعية. دهب أكد أن الملف الأمني سيكون حاضراً من خلال شكوى السودان من الاعتداءات على أراضي الفشقة، وبالتالي تفعيل ملف ترسيم الحدود والقوات المشتركة لمحاربة عصابات (الشفتة). ملف الجنوب وملل المجتمع الدولي والإقليمي من تطاول أمد الحرب الجنوبية لم يترك مجالاً لاستبعاده كموضوع خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي. ويذهب دهب إلى أن ملف الجنوب مهم لذا سيكون حاضراً في إطار مناقشة أزمات الإقليم، بإعتبار أن مصلحة السودان وإثيوبيا أن تنتهي الحرب في الجنوب. ويدلل مهدي على حضور الملف في الزيارة بتصريحات رئيس الوزراء الاثيوزبي السابق قبل يوم من زيارة خلفه أبي أحمد إلى الخرطوم، وطالب فيها الرئيس سلفاكير بالتنحي. معلومات أخرى وبحسب مصادر مقربة من السفارة الإثيوبية بالخرطوم تحدثت ل(السوداني) أمس، فإن أبرز الملفات التي سيتم استعراضها في الزيارة ذات طبيعة عامة وليست تفصيلية، وأن سد النهضة لن يغيب عن المباحثات خصوصا أن الزيارة تستبق الاجتماع الذي دعت له أديس أبابا سواء في المستوى الثلاثي يوم 5 مايو، أو التُّساعي في 15 مايو. واعتبرت المصادر أن أبي يريد وضع بصمة سريعة من خلال حسم الملف بشكل نهائي ومباشر دون تكتيكات من خلال توحيد الموقف النهائي مع الخرطوم. زاوية أخرى لفت إليها المصدر تتلخص في أن أبي يريد حسم ملفاً آخر يتمثل في ميناء بورتسودان لضمان منفذ بشكل محسوم من وإلى السوق الإثيوبي. ويذهب المصدر إلى أن أبي أحمد يرى أن ديسالين تساهل في حسم ذلك الأمر بالتوصل فيه لتفاهمات تتيح التطبيق الفوري بين الخرطوموأديس أبابا، كاشفا عن أن ما يضاعف اهتمام رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد بالملف تسابق العديد من الدول الإقليمية على ميناء بورتسودان بالأخص بعد الزيارة التركية وظهور الدوحة في المشهد. ويرى المحلل السياسي دهب أن أديس أبابا تسعى لأن تمنحها الخرطوم أراضٍ استثمارية على البحر الأحمر من أجل إقامة موانئ لإثيوبيا باعتبارها دولة مغلقة ليست لديها موانئ. أريتريا لن تغيب السفير الرشيد ابوشامة يذهب في حديثه ل(السوداني) أمس، أشار إلى أن المباحثات ستتناول أريتريا بلا شك، لجهة أن أبي أحمد كشف عن نيته في ابتدار صفحة جديدة مع أريتريا، إضافة إلى أن السودان ظل على الدوام محافظا على مسافة واحدة من البلدين تتيح له أداء دور إيجابي حال اندلع أي صراع بينهما، واضاف: صحيح وضعية السودان تجاه ارتريا اختلت مؤخرا بسبب ما قيل عن العداء الأريتري، إلا أن ذلك لا يبدو عداءً استراتيجياً. وتابع: "تحسن العلاقات بين إثيوبيا وأريتريا يعني أن السودان ارتاح من المشكلات ولا يجب الانحياز لإثيوبيا على حساب أريتريا، بل يجب أن يكون الميزان دقيقاً بين البلدين". وتوقع أبوشامة أن تتناول القيادة السياسية في البلدين القضايا الاقتصادية المشتركة، ومنها إنشاء البنك الإثيوبي لتسهيل المعاملات المالية بين البلدين باعتباره إحياءً لمقترح قديم.