برامج التكيف الهيكلي التي تنفذها مؤسسات برايتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسساتهما الشقيقة) تتضمن إجراءات قاسية تمس معيشة الفقراء، أهمها رفع الدعم الاستهلاكي. لهذا واجهت هذه البرامج انتقادات واسعة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مما دفع هذه المؤسسات لتصميم برامج خاصة تعين الفقراء على مواجهة إجراءات التكيف الهيكلي القاسية. عندنا في السودان فإن البرنامج المتفق عليه مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تضمن إيقاف الدعم الحكومي عن المحروقات، وإعادة هيكلة الدعم المقدم للخبز والدواء والكهرباء، والسعي نحو توحيد سعر صرف العملة السودانية مقابل العملات الأجنبية وفق قيمتها التبادلية الحقيقية. وقد ترتب على هذا ارتفاع حاد في الأسعار للمستهلك النهائي كان متوسطه العام حوالي 400%. الارتفاع في أسعار المستهلكات له بالغ الأثر على الفقراء وذوي الدخل المحدود، ويُعتقد أن هؤلاء قد بلغت نسبتهم في السودان بعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة حوالي 80% من السكان. وهذه نسبة هائلة تحتاج لإجراءات استثنائية لمعالجتها. اتفقت حكومة الفترة الانتقالية مع المؤسسات المالية الدولية على برنامج (ثمرات) لمعالجة أثر ارتفاع الأسعار على هذه الفئة. ويقضي البرنامج بتقديم دعم مالي مباشر في حدود 5 دولارات أمريكي للفرد في الأسرة الفقيرة شهرياً، وقد خصص للبرنامج حوالي 190 مليون دولار في العام 2021 على أن يتم التوسع فيه في العام القادم. ولضمان وصول الدعم للمستحقين بشفافية تم الاتفاق ما بين البنك الدولي وحكومة السودان أن يكون أساس المنح هو الرقم الوطني، الذي يتطلب التسجيل في السجل المدني. ولهذا فإن جهوداً استثنائية مطلوبة لنشر خدمات السجل المدني الذي تشرف عليه هيئة السجل المدني التابعة لرئاسة الشرطة. هذه الجهود ينبغي ألا تقتصر على هذه الهيئة وحدها، لأن المطلوب تفاعل المجتمع بأسره لإنجاح جهود التسجيل في أصقاع بلادنا الواسعة الأرجاء. على وزارة المالية توفير الاعتمادات المالية المطلوبة لهيئة السجل المدني لتتمكن من تجهيز الفرق المتحركة للولايات المختلفة، وتجديد مخدماتها والأجهزة الطرفية. وعلى شركات الاتصالات تحسين الشبكات في كل أرجاء السودان. وعلى وزارة الاتصالات والتحول الرقمي تخصيص أموال صندوق دعم المعلوماتية لدعم مراكز الخدمة الشاملة التي تستخدم تقنية ال VSAT لتوصيل فرق السجل المدني في الأصقاع البعيدة. الأحزاب السياسية، والحركات الموقعة على اتفاقية السلام عليها استنفار قواعدها، خصوصاً فئة الشباب، وتنويرهم بالبرنامج، والطلب منهم التحرك للولايات والقرى البعيدة بالتنسيق مع وحدات السجل المدني المتحركة، لتسجيل الناس واستخراج الأرقام لهم تمهيداً لتسجيلهم في برنامج ثمرات. منظمات المجتمع المدني الطوعية، بمساعدة من قطاع المال ورجال الأعمال والبنوك، عليها التحرك الواسع والجاد في عمليات منظمة لمساعدة الأسر على التسجيل في السجل المدني وفي برنامج ثمرات. أعجبتني تحركات الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي للولايات، وشرحه المبسط للناس حول برنامج (ثمرات)، وأهداف الإصلاح الاقتصادي. يجب أن تجد هذه التحركات المساندة والدعم من كل الأحزاب السياسية، ومكونات المجتمع السوداني، لأن حالة غالبية الأسر صعبة جداً، ولا أمل لهم إلا بهذا العون المالي المباشر الذي يجب أن يصلهم بأسرع فرصة ممكنة. والله الموفق.