الموقف الأول كان بجوار محطة القطار ببحري ووقتها كانت المحطة تعج بالكثير من حركات القطارات الخارجة والداخلة وقطارات البضائع والركاب والصافرات.. كان ذلك عام 84 أو 1985م على ما أعتقد بسبب أن الفترة طالت ووقتها كنا مجموعة من سائقي التاكسي نقف بجوار المحطة ننتظر أرزاقنا من ركاب تلك القطارات ولكن حدثت أمام عيني وسمعي وكل جوراحي عملية اكبر احتيال اراها منذ أن فتحت عيناى على الدنيا إلى يومنا هذا، وذلك عندما رأيت شابين في كامل أناقتهما وجميل هندامهما وهما يرتديان (الجلاليب) التي كانت تسمى (سكروتة) وكانت من اغلي (الجلاليب) لا يرتديها إلا الأثرياء وكبار المسؤولين بجانب (مركوب) النمر الجميل للشابين والنظارات (البيرسول) العريضة الجميلة وفجأة اتجه هذان الشابان الانيقان تجاه رجل كان يحمل في يده اليمنى شنطة (سامسونايت) سوداء فقابله الشابان وجها لوجه وقالا بصوت واحد (الفاتحة). (3) وضع الرجل الشنطة على الأرض ورفع معهما الفاتحة وسألهما عمن توفي فقالوا له (مش انت اخو الفاتح قسم السيد) فقال لهم: (لا)، فقالوا: (له سبحان الله يخلق من الشبه أربعين نفس الملامح والتفاصيل والشبه تماما للأستاذ وصديقنا الفاتح الذي توفى والده قبل أربعة أيام). وأثناء ذلك الحوار وعندما كان الرجل يرفع يديه للفاتحة جاء شاب آخر من الخلف وبدل شنطة الرجل بكل خفة وحيوية ومضى في حاله وكانت مسألة التبديل تلك في كسر من الثواني، وكان النقاش مفتعلا مع ذلك الرجل لإعطاء فرصة زمنية كافية للسارق ليقطع مسافة أطول ثم أخذ الرجل الشنطة المستبدلة دون أن يلحظ اى شيء وقتها انفعلت انفعالا شديد وحاولت أن أتناول يد (عفريتة) أو أي عصا لأقبض على هؤلاء المحتالين وأخبرت زملائي أصحاب التاكسي المرابطين هناك ولكن كانت المفاجاة حينما قالوا لي (يا زول انت مالك ومالهم انت بوليس ولا بتاع مباحث)، فقلت لهم: (لعنة الله عليكم سأذهب لوحدي وأقاومهم وأخبر ذلك الرجل المسكين الذي أخذت حقيبته فأمسك بي أحد زملائي قائلا: (يا أهبل ديل أولاد جمال (القون) من أكبر مجرمي النيل الأبيض، وهو معتاد إجرام خطير وحتى الشرطة تتعامل معه بألف حساب)، فقلت لهم: (على الطلاق لو يبقى عنتر بن شداد أنا ما بخليه)، فقالوا لي: (جمال (القون) وأولاده لوعرفوا أنك تعترض طريقهم (تاني عربيتك دي إلا تحرسها على مدار الأربع وعشرين ساعة وحا يشلعوها ليك كلها قطعة قطعة، من غير أن تعرف الجاني واحتمال يسرقوها كلها وهذه مسألة أبسط من بسيطة بالنسبة ليهم، أما عمك جمال (القون) احتمال يعمل ليك ملعوب ويولع ليك فيها نار عديل كدا). (4) ويينما هم يجادلونني فضلت أن أُخبر الرجل وهو لم يذهب بعيدا، وأتركه يتصرف معهم ويمكن أن أساعده ولكن للأسف رأيت الرجل على حافة الشارع قد ركب تاكسي على عجالة ومضى مسرعا بالشنطة المزيفة، ووقتها عرفت أن اللصوص دخلو أحد المخازن المهجورة بجوار القاطرات المعطلة فأخذت سيخة في يدي ونظرت يمنة ويسرة لأجد شرطيا قريبا لأبلغه ما حصل ونتساعد معاً، ولكن الوقت كان يمضي سريعاً فجريت تجاه المخزن وتوكلت على الله وقلت في نفسي (الرهيفة تنقد)، ولكن للأسف الشديد عندما كنت أجري تجاه المخزن وصادفت امرأة بعباءة سوداء آتية من ذلك الاتجاه فصدمتها حتى سقطت أرضا ثم اعتذرت لها بكل أدب، وواصلت طريقي تجاه المخزن وكانت المفاجأة هناك عندما وجدت شنطة الرجل فارغة وملقاة على زاوية من زوايا المخزن، وعرفت أن العملية انتهت ورجعت لزملائي أخبرهم بما وجدت وما رأيت فضحكوا ضحكات مجلجلة أمامي فقلت لهم: لماذا تضحكون؟ فقالوا لي: لأن المرأة التي اصطدمت بها قبل مدخل المخزن هي المجرم جمال (القوني) بشحمه ولحمه والآن قد ركب سيارته ومضى في سبيله. فوضعت يدي على رأسي وأدركت انني فعلا كنت سأواجه مجرما كبيرا وخطيرا وذكيا بحق وحقيقة فأدرت محرك التاكسي وذهبت مباشرة لمنزلي في راحة امتدت لأكثر من ثلاثة أيام.