واصلت المبادرة السودانية لحقوق الإنسان؛ سلسلة ورشها التي يدور جوهرها على مناهضة خطاب الكراهية، وعقدت يوم امس السبت وتستمر اليوم الاحد ورشة بعنوان دور الإعلام في تعزيز حرية الدين والفكر أو المُعتقد بفندق القراند هوليداي بالخرطوم.. منذ الصباح الباكر اكتظت قاعة تشرشل بالحضور في الوقت المضروب لانطلاق الورشة، بيد أن التأخير الصفة الملازمة لسلوك السودانيين كان حاضرا لتبدأ الورشة متأخرة عن موعدها المعلن بنصف ساعة مشفوعا بأعذار المنصة واعتذاراتها المغلظة.. ابرز الحاضرين تقدمهم رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في مذابح فض الاعتصام د.نبيل اديب، ود.رأفت سمير رئيس مجلس الطائفة الإنجيلية السودانية، فضلا عن مستشار وزير الشؤون الدينية والاوقاف للمسيحيين بطرس بدوي، فضلا عن ممثل وزارة العدل، بالاضافة الى رئيس مجموعة (صحفيون من اجل حقوق الانسان جهر) فيصل الباقر، والاعلامية لمياء متوكل، فضلا عن مخرجين وسينمائيين وناشطين حقوقيين وقانونيين، وزملاء صحفيين.. بيد أن الجميع تحلق حول شخصين من جل الحضور ، اولهما الاستاذ اسماء محمود محمد طه، والثاني الزميل الصحفي العائد من الخارج بعد فترة طويلة خالد أحمد، فيما افتتن الحضور والمشاركين بورقة الزميل خالد ماسا التي جاءت مهنية وبمستوى رفيع بحسب ما علق المتحدثون. ضربة البداية كعادته وبصوت خافت يغلب عليه البرود والثقة ابتدر د. أديب حديثه، ملقيا عباراته بصراحة غير جارحة ، وقال إنهم ينظرون للحريات الدينية كجزء لا يتجزأ من الحريات العامة، مشيرا الى أن حرية التعبير تتيح عكس التنوع والتعدد العرقي والثقافي والديني في السودان، وأضاف: منذ اليوم الأول للسودان أسيء استخدام التنوع الديني والثقافي، وتابع: "أملنا ضعيفٌ جداً في الإصلاح القانوني"، في اشارة منه الى ما تحفل به النصوص من تحيزات سواء دينية أم نوعيه. وأوضح أديب لدى مخاطبته، الورشة أن هناك ضرورة لحذف عبارة التسامح الديني لجهة أن التسامح يتضمن غفران دين لدين آخر، وهو ما يشتمل على استعلاء ضمني، واضاف أن الأصلح هو التعايش الديني، منوهاً إلى انه في السودان تم فرض التميز الديني سياسياً، في وقت كان يرتكز فيه السودان على النظام القضائي بأكثر من النظام السياسي في الفترة من 1964 وحتى 1969م للحد الذي جعل احكاما محلية تصبح سوابق قضائية، محددا الحكم الذي حكم به احد قضاة السودان وهو أن ثمة تعديلات دستورية يمكن أن تكون غير دستورية، الامر الذي يلغيها اي التعديلات. واكد اديب أن وحدانية الهوية ومحاولات فرضها وتجميع الجميع تحت هوية واحدة قسرا، لا تجوز وغير منتجة ولا تخلق بالقانون.. الحكومة حضور من جانبه ابتدر مستشار وزير الشؤون الدينية والأوقاف لشؤون المسيحيين بطرس بدوي حديثه بالتعبير عن سعادته بمستوى المناقشات والحوار الذي تخلل اوراق الورشة، مثيرا دهشة الحضور حينما التف الى الاستاذة اسماء محمود محمد طه معرفا نفسه، مترحما على الاستاذ محمود محمد طه، ومقدما اعتذارا لاسماء ولكل الجمهوريين في كل العالم وبقاع الارض عن الاضطهاد والتمييز اللذين تعرضا له.. فاجأ المستشار الحضور بأنه سيتجاوز ما جاء للحديث عنه، ليعقد مقارنات عملية بين تمييز الدولة السودانية بين الاديان وبين معتنقيها.. وكشف بطرس لدى مخاطبته الورشة عن انه ومنذ نجاح ثورة ديسمبر المجيدة لم يتم بناء اي كنيسة متهما والي الخرطوم بمنع انشاء الكنائس، وأكد بطرس أن وزارة المالية مارست تمييزا مدهشا بمنعها دخول شحنة من الكتاب المقدس من إحدى الدول الأفريقية، إلا بعد سداد قيمة الجمارك والضرائب رغما عن إعفاء مثل هذه الرسوم للكتب الدينية. وانتقد بطرس رئيس الوزراء لجهة تجاهله إعادة المتحف القومي بالقصر الجمهوري للكنيسة باعتباره من أملاكها، مطالبا الجيش بإخلاء مباني النادي الكاثوليكي وإعادته لأصحابه، وأضاف: يجب دفع تعويض للجنود المسيحيين لاستبعادهم من حرب اليمن بدعوى أنها حرب مقدسة فيما كانت الأموال من نصيب زملائهم الجنود من المسلمين. وشدد بطرس على مطالبة وزارة الصحة بإعادة مبنى مستشفى التيجاني الماحي للكنيسة الأسقفية بالاضافة لمطالبته جهاز المخابرات بإعادة استثمارات المسيحيين وبيوتهم التي قال إن الجهاز استغلها بمنطقة الأزهري فيما يعرف ببيوت فوكس، كاشفا عن أن الجهاز بعد إخلاء البيوت قام بخلع الأبواب والشبابيك وترك البيوت مفتوحة. وسخر بطرس من عدم وجود معلمين للتربية الدينية المسيحية بالمدارس، مشيرا إلى أن الطلاب ينالون الدرجات، متسائلا: فكيف يتم ذلك؟، مطالبا الوزارة بتعيين معلمين أو ترك تدريس الدين لدور العبادة. وناشد بطرس لجنة إزالة التمكين بتفكيك من وصفهم ب(كيزان) الكنائس الذين اعتبرهم لا يمثلون شعب الكنيسة بل هم صنيعة لجهاز الامن، مطالبا بتكوين لجنة وطنية لإعادة ممتلكات المسيحيين وتعويض التالف منها. وكشف بطرس عن تبنيهم علمانية الدولة، منوها لدعمهم موقف الحلو ومطالباته، مشددا على أهمية اعتماد عطلة الأحد رسميا بدلا من الساعات الثلاث التي يتم منحها للمسيحيين. مفاجأتان في ورشة وفاجأت اسماء محمود محمد طه وفيصل الباقر الحضور ، بإعلان الاولى أن اليوم سيشهد توقيع اعلان سياسي بين الحزب الجمهوري وبين الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، منوهة الى أن الاعلان يصب في اتجاه انهاء خطاب الكراهية والتحيز والتمييز باستصحاب مواقف الحلو التفاوضية ومطالباته التي بدا أن اسماء لا تعترض عليها. من جانبه انتزع رئيس مجموعة (صحفيون من اجل حقوق الانسان) فيصل الباقر مداخلة، أعلن فيها أنهم كمجموعة نجحوا في وقت سابق في توقيع ما يعرف بإعلان نيروبي لمناهضة خطاب الكراهية، وان الترتيبات تجري على قدم وساق لتوقيع اعلان الخرطوم لذات الغرض وهو ما يصب فيما تسعى الورشة لتكريسه.