ظلت المحكمة الجنائية الدولية في عهد لويس مورينو أوكامبو، تطالب الدول التي صادقت على ميثاق روما بالتعاون معها في القبض على عمر حسن أحمد البشير المسؤول عن ارتكاب جرائم الابادة في دارفور حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1593)، ولم يفلح اوكامبو في القبض على البشير حتى انتهت ولايته الأمر الذي جعل البشير يسخر منه بقوله: (الحكومة لن تسلم المحكمة الجنائية ولا كديس) و(المحكمة الجنائية تحت جزمتي). ومضت الأيام كالبرق الخاطف وجاءت المدعية العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا التي أكدت بما لا شك فيه أن المحكمة الجنائية ستستمر في مطالبة الدول الموقعة على ميثاق روما التعاون بالقبض على البشير، وتبددت احلام البشير بعد ثورة ديسمبر، وعلي عبد الرحمن كوشيب يسلم نفسه طوعا لمحكمة لاهاي، ولكن قبل أن يأخذ البشير انفاسه اصابه بيان مولانا أحمد هارون رجل المهام الصعبة بصدمة ربما ادخلته غرفة الانعاش حينما سمع أحمد هارون يقول انه يفضل المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بدلا من المثول أمام المحاكم السودانية بحجة أن فيها نجاشي آخر لا يظلم عنده احد. كلام أحمد هارون كان بمثابة بارقة أمل للمدعية العام للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا بأن تتحرك على المستوى الافقي والرأسي لزيارة السودان قبل انتهاء ولايتها، وطالبت على جناح السرعة من الحكومة الانتقالية في السودان بتسليم كل المتهمين الذين صدرت بحقهم أوامر قبض في الجرائم التي ارتكبت في دارفور ليمثلوا أمامها أسوة بالمتهم علي كوشيب الذي بدأت محاكمته. وقبل وصول المدعية فاتو باسوندا الى الخرطوم، أكدت الحكومة الانتقالية حرصها القاطع على تسليم كل المطلوبين للمحكمة الجنائية عبر اجتماع مجلس الوزراء المغلق لمدة ثلاثة أيام الذي عقد في يونيو السابق قبل زيارة فاتو بنسودا بثلاثة أيام. وهكذا وجد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الطريق الى الخرطوم سالكا لارسال فريق من المحققين لاستكمال الأدلة عن قائمة ال(51) مطلوبا، فطلب من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تسريع خطوات تسليم المطلوبين لدى المحكمة الجنائية لتلبية تطلعات المجتمع الدولي وارساء قيم العدالة. ساهم رئيس وفد الحكومة المفاوض نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو في بناء الثقة مع حركات الكفاح المسلح لتضمين مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية في اتفاقية جوبا لسلام السودان الأمر الذي فتح مجالا للجهات العدلية للنقاش في كيفية محاكمتهم. المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان بعد تباحثه مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي ابلغه أن السودان سيوقع على ميثاق روما قريبا كان حريصا أن يتوج لقاءه بالنائب الأول لمجلس السيادة محمد حمدان دقلو ليسمع من لسانه كيفية التعاون مع المحكمة الجنائية، فجاء حديث دقلو بدون تكلف حيث قال إن اتفاقية جوبا لسلام السودان اقرت مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية وان مثول المطلوبين متروك للجهات العدلية، حميدتي شدد على ضرورة تحقيق العدالة بوصفها احدى الركائز التي قامت عليها ثورة ديسمبر. فهل ينجح كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في اقتياد البشير إلى لاهاي؟.