من السهل جدا على الرئيس عمر البشير إقالة وزير الخارجية علي كرتي بعد عودته بالسلامة إلى أرض الوطن بعد رحلة الإستشفاء بالمملكة العربية السعودية، بل من السهل عليه أيضا مهاتفة النائب الأول الأستاذ علي عثمان وتكليفه بإصدار قرار إقالة علي كرتي أو ربما إعلان تشكيل وزاري جديد لكن هذا ليس حلا لأية مشكلة. ما قاله علي كرتي صحيح مئة بالمئة ولا عبرة بالوعظ المتكرر أن مثل هذا النقد الذاتي يجب أن يقال في (الأوعية الداخلية) للحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) ... هذه النغمة ظللنا نسمعها أكثر من عشرين سنة ولم تكن يوما ما حلا لأية مشكلة. بل أين هي الأوعية الداخلية من الأساس إزاء تفاقم مشاكل كثيرة ومثيرة.... هذه الأوعية ضاقت وتجلطت وتحتاج إلى (قسطرة) عبر الإعلام وما قاله علي كرتي من آراء مجرد أقل من واحد بالمئة مما قاله داخل هذه الأوعية ولم يحدث شيء..! على كرتي ليست لديه قضية شخصية مع السفن الإيرانية التي رست في ميناء بورتسودان عقب الضربة الإسرائيلية وليست لديه قضية شخصية مع إيران ... قضيته هي تغييب وزارة الخارجية في هكذا قرارات وعدم إتباع سياسة واضحة ومفيدة للسودان في المفاضلة بين العلاقات مع إيران والعلاقات مع الخليج العربي ..! على سبيل المثال اضطر قبل ذلك الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس ونائبه لشؤون الحزب أن ينتقد يوما ما وعلى الهواء مباشرة تداخل ملفات الحزب مع ملفات المستشارية الأمنية التي يتولى مسئوليتها حينذاك الفريق صلاح قوش المدير السابق لجهاز الأمن. كانت منازعة على مستوى القمة لم تفلح أوعية ولا شرايين ولا شعيرات دموية في حلها ... اخيرا توكل الدكتور نافع على الله وخرج بها للإذاعة السودانية على الهواء مباشرة ثم خرج بها صلاح قوش على الملأ في مؤتمره الصحفي وانتهت الأزمة بخروج صلاح قوش من التشكيلة (إلى حين ... في وجهة نظري) ... لقد كان من الوارد حينها إقالة نافع علي نافع بذات القرار الذي يقيل صلاح قوش ولكن هذا لم يحدث ولم تكن في المسألة أي (خيار وفقوس) كما يقولون لأن كلا الرجلين من (أهل الدار) والمطلوب حينها إنهاء الأزمة الحقيقية وهي وجود مسارين للحوار والتنسيق مع المعارضة وهذا أمر غاية في الخطورة ولا بد أن تتضح فيه الصورة وكان من الطبيعي ان يكون الحوار مع المعارضة مسئولية الحزب وأن أية جهة أخرى إذا دشنت مثل هذا العمل بمبادرة أو إجتهاد مأذون أن ترجع للحزب رجوعا كاملا. في الازمة التي حدثت في وزارة الإعلام في عهد الوزير مسار ووزيرة الدولة سناء خرجت المعركة للصحف وأصر مسار على الإستقالة واتهم المؤتمر الوطني بأنه يستدرج الأحزاب للتحالفات الوهمية ثم يجرد وزراءها من الصلاحيات وقرر أن يسجل بذلك موقفا سياسيا ... إذا أبقى الرئيس على وزيرة الدولة سناء حمد العوض فإنه سيؤكد إتهامات مسار ولذلك جاء القرار بقبول إستقالة مسار وإعفاء سناء في ذات الورقة ولكن المشكلة الأصلية لم تحلها الحكومة جذريا ... بل يقال أن المؤتمر الوطني يريد الآن إرفاق وزارة دولة بوزارة الإعلام مجددا ... وأن يعيد صناعة الازمة مجددا! لو أقيل علي كرتي من الخارجية ولو جاء البروف غندور كما رشّحت الصحف فإن ذات المشكلات التي واجهت كرتي ستواجه غندور ... بل لو استنسخ الرئيس لنفسه نسخة ثانية وأجلسها على كرسي الخارجية فالمشكلة هي عدم التناغم بين أجسام الدولة في صناعة وإخراج القرارات الكبيرة والضرورية وصحافة (فالحة) في القفز على الجدران القصيرة وتفادي الشخصيات المحمية بالفيتو! هل يرضى غندور بهذه الوضعية ... أم ينفجر مثلما انفجر على كرتي ... هذا في علم الغيب؟!