وزير الخارجية المصري يصل بورتسودان    محمد حامد جمعة نوار يكتب: نواطير    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    الهلال يدشن انطلاقته المؤجلة في الدوري الرواندي أمام أي سي كيغالي    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات في الخاطر (2 3)
نشر في السوداني يوم 28 - 08 - 2021

حامد فضل الله \ برلين
كلمات ناصعة لسعيد:
الهوية ليست ما نرثه بل ما نختاره. الهوية ليست أحادية، بل في تشكل مستمر، وتحوي أكثر من ثقافة واحدة.
سعيد يستخدم مصطلح الدنيوي، مما يعني المصطلح العلماني، ويشير الى أن النزعة المتأسلمة باعتمادها على التلقين الأعمى ونفيها لكافة أشكال المعرفة المنافسة المستمدة من أصول علمانية وحديثة، تؤدي إلى غياب الاجتهاد وإلى اختفاء الفكر النقدي، أو أي إعمال مستقل للعقل في شؤون عالمنا المعاصر. وهو يدعو إلى ممارسة خطاب دنيوي علماني عقلاني ، باعتبار النصوص، دنيوية أرضية واقعية، ولأنها جزء من العالم الاجتماعي والحياة البشرية، ولأنها جزء من اللحظات التاريخية.
يقول سعيد: إن دراستي للاستشراق قد اقنعتني، بانه من المحال الفصل بين تفهم ودراسة المجتمع وتفهم ودراسة الثقافة الأدبية،
فالثقافات بالغة التداخل، ومضمون كل منها وتاريخه يتفاعلان تفاعلاً بالغاً مع غيرهما، إلى درجة يمتنع فيها "النقاء العنصري" لثقافة ما. كما يرفض سعيد الفصل بين الأدب والسياسة، رغم اعترافه بالخصوصيات العامة جداً للأدب.
أود هنا أن أشير إلى ما يسمى بالدراسات ما بعد الكولونيالية أو ما بعد الاستعمار، وهو اتجاه في التحليل النقدي يرى أن التحرر من الاستعمار التقليدي يفرض على الباحث نوعاً جديداً من التحليل يناهض الصورة التي رسمها المستعمِر للشعوب التي هيمن عليها، وتبنتها تلقائياً هذه الشعوب، وذلك بتحفيز المكونات المضادة الكفيلة بتعزيز الهويات الوطنية والتخلص من تأثيرات الهيمنة، والتعامل مع الآخر بندية. ويعد خطاب ما بعد الاستعمار رد فعل على الخطاب الاستعماري الذي تلتحم فيه القوة المهيمنة بالمعرفة والانتاج الثقافي. وقد بدأ تنامي هذه المفاهيم في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بتأثير كتابات إدوارد سعيد وبخاصة كتابه "الاستشراق 1978 وعلى يد باحثين نذكر منهم هومي بابا وغايا ترى سبيفاك، وقد مزجوها بحقول معرفية أخرى كالتفكيكية، والتحليل النفسي والمنهج النسوي.
والآن إلى النقد، الذي تعرضت له أعمال سعيد، وخاصة كتابه الرائد "الاستشراق".
وأبدأ بأهل الدار، أعني النقد العربي: ونذكر هنا بعض رموز التيار الماركسي، المُمثل في المفكرين هادي العلوي (العراق)، ومهدي عامل (لبنان)، وصادق جلال العظم (سوريا)، ونجمل نقدهم بصورة مكثفة:
عندما يقول سعيد بأن الغرب الإمبريالي يجد عملاء شرقيين يحكمون بلدانهم بالوكالة عنه، فسعيد يفصل ظاهرة العمالة عن منحاها الطبقي ويجردها من المصالح الطبقية، فالغرب لم يجد الا التجار والمثقفين وعامة الأغنياء، هم الذين كانوا في خدمة الغرب.
وسعيد يغدق على الباحث الدبلوماسي الفرنسي ما سينيئون المديح وينسب إليه من اجازات كبيرة وهامة، وهو معروف بأحكامه العنصرية وصلاته الاستعمارية، ودراسته عن اللهجة العامية في العراق عند زيارته لبغداد لا تخلو من غرض.
وقول سعيد بأن العالم ينقسم إلى شرق وغرب، وان لكل منهما خصائص جوهرية وطبائع أزلية ثابتة تميز بينهما. كالتمييز بين الجنس السامي والجنس الآري، والزعم مثلا أن الاول روحاني والثاني عقلاني. يعود بنا سعيد إلى فكرة الخصائص الجوهرية والطبائع الأزلية الثابتة. وهنا لا تعود ظاهرة الاستشراق وليدة شروط تاريخية معينة واستجابة لمصالح وحاجات حيوية، بل تأخذ شكل الافراز الطبيعي العتيق المستمر.
ويشير (مهدي عامل): إن الشرق الذي يجرى عليه الكلام في كتاب الاستشراق ليس الشرق نفسه، بل هو شرق ينتجه الفكر الاستشراقي على صورته، ملائما للثقافة السائدة الطاغية، وهي الثقافة البرجوازية المسيطرة، لكن النص الاستشراقي لا يحدد طابعها الطبقي التاريخي، بل يكتفي بالقول إنها ثقافة الغرب، لا من حيث هي الثقافة البرجوزازية المسيطرة، وبانتفاء طابعها الطبقي التاريخي في تحديدها الاستشراقي هذا، تنفي إمكانية وجود نقيضها نفسه، فتكتسب، بهذا الانتقاء طابعا شموليا تحتل به كامل الفضاء الثقافي وتظهر بمظهر الثقافة الواحدة بالمطلق. وأن سعيد جرد ماركس من فرادته الفكرية والطبقية والمقاومة بعبقرية منهجية لأبناء ومفكري وسياسي أوروبا في ذلك الوقت إلا أن سعيد يدخله حسب منهجه المثالي في زمرة الاستشراقيين بلا هوادة. فنظرة سعيد المثالية، هي بطبيعة الحال معادية لأي نظرة أو منهج طبقي تاريخي اجتماعي مثل المنهج الماركسي.
كما يؤخذ عليه، عندما ناقش سعيد دور الاستشراق في الهند والسلطة الاستعمارية البريطانية وكذلك مناقشته وأشارته لقول ماركس عن الهند " إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، ولابد أن يمثلهم أحد". بأنه وضع الفيلسوف العالمي كارل ماركس ضمن المدرسة الاستشراقية. ويقارن العلوي بين ماركس كفيلسوف ومفكر في حديثه عن الشرق وهيجل في حديثه عن الفلسفة الاِسلامية، الذي يهبط عندما يتحدث هيجل عنها إلى صحفي من الدرجة العاشرة، فماركس في نظر العلوي "فيلسوف بأفق نبي" وبتمثله لمنطق البروليتاريا العالمية، لم يعد قادرا على التكلم بلسان أوروبي، فقراءة سعيد لماركس مفهومة، لأنه لا يشاطر ماركس همومه الطبقية.
ويشير (صادق العظم)، إلى أن سعيد ختم كتابه على الطريقة الكلاسيكية النموذجية، عندما لم يجد ما يبعث على الأسى أبدا في علاقة التبعية الفكرية والسياسية بين الشرق (الشرق الأوسط) والغرب (الولايات المتحدة)، وعندما قدم نصيحته إلى صانعي السياسة الأمريكية وخبرائهم واختصاصيهم حول أفضل الأساليب لتمثيل الأسس التي يمكن أن تستند إليها التوظيفات (الاستثمارات) الأمريكية في الشرق الأوسط وأفضل الطرق لتحسين شروط علاقة التبعية المذكورة. (هذه الفقرة فجرت خلافاً حادا حيث فسرها البعض، بأنها اتهام صريح بالعمالة للمخابرات الأمريكية وللسياسة الأمريكية اجمالاً. هذه تهمة غليظة بلا شك، وربما شطط وتجاوز في التأويل ليس بريئا، بهدف تصفية حساب أيضاً.
لم يرد سعيد على ناقديه الماركسيين، بل وصفهم بالدوغمائيين والعقائديين. لا أدري لماذا ضاق صدر سعيد بهذا النقد، وخاصة أن هادي العلوي بنبرته الهادئة مقارنة بالعظم، واشارته إلى عمق التحليل واللغة الحية المتدفقة لكتاب الاستشراق، كما أن إدوارد سعيد أثني من قبل على أعمال أنور عبد الملك وسمير أمين وكلاهما من الرموز الماركسية. ولقد تعرفنا عليهما هنا في برلين.
يقول عزالدين المناصرة الباحث الفلسطيني، الذي فقدناه قبل شهور قليلة: إذا كان ماركس قد وقع تحت تأثير الاستشراق، فأن سعيد وقع تحت ثقافة الحرب الباردة، حين أوحى أن الاستشراق في روسيا وأوروبا الشرقية، يتطابق مع جملة ماركس التي اقتنصها سعيد وصاغ حولها تأطيراً نظرياً، ربما كان مبالغاً فيه، وهناك فرق بالطبع بين ماركس وبين الاستشراق الروسي. ومتجاهلاً الفارق الجوهري بين الاستشراق الاِمبريالي وبين الاستشراق الروسي والألماني.
ويكتب الناقد الأدبي والباحث في اللسانيات السوداني، عبد المنعم عجب الفيا:
اذا كان إدوارد سعيد يفترض أن الاستشراق، نشأ لخدمة الأهداف الاستعمارية لأوروبا، وذلك استنادا إلى نظرية "المعرفة تساوي السلطة".: "لا شك فأن الإدانة المطلقة للاستشراق انطلاقا من مقولة كل معرفة سلطة، وان معرفة أوروبا بالشرق عبر الاستشراق، قادت الى السيطرة عليه، قول ينطوي على تعميم مخل. "ولكن هل يمكن أثبات بأن ابحاث المستشرقين مهما تميزت بها من رصانة، بأنها ليست متورطة في السياسة، وإنها ليست هي السند الذي يساعد الدول الاستعمارية في مواصلة سياستها من اضطهاد واستغلال"؟ كما يناقش عجب الفيا آراء مؤيدي ومعارضي سعيد بإسهاب، طارحا وجهة نظره، مثل
اعتراضه على نقد الماركسيين فيما يتعلق بفكرة الخصائص الجوهرية والطبائع الأزلية الثابتة، فيقول "من الصعوبة ان تجد لها سنداً قوياً، فكتاب الاستشراق حسب قراءتي يعارض مذهب الجوهرية". ويشير إلى الاحتفاء المبالغ فيه في الغرب بكتاب الاستشراق، وكأنها عقدة الذنب الليبرالية التي تطارد المجتمعات الغربية بسبب الإرث الاستعماري، بيمنا يرجح عامل آخر، هو الافتنان بأطروحات ما بعد الحداثة، وفي نقد العقلانية الغربية والنموذج الأوروبي والحركات والاتجاهات التي تولي اهتماما خاصة بالثقافات المهمشة لكسر المركزية الغربية والبحث عن مسار آخر للتطور خلاف المسار الأوروبي الغربي. وفي تحليله لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، التي صدرت عام 1966، يجد فيها ارهاصات "لاِستشراق سعيد".
ويكتب صبري حافظ (أستاذ الأدب العربي والأدب المقارن في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن سابقاً، ورئيس تحرير المجلة الاِلكترونية المحكمة "الكلمة"، مقالا بعنوان "ميراث إدوارد سعيد الثقافي في العالم العربي*":
لا بد لنا، كي نفهم ميراث إدوارد سعيد الثقافي، ومشروعه الثقافي، وأثره في المشهد الثقافي العربي، من أن ندرك إدراكاً ثاقباً هذا "الخليط المعقد جداً" المقصود هنا الخليط بين العالمين الخاص والعام فالخليط الذي تدخل في صنع هذا الفرد المميز كان جذابا لأسباب كثيرة وعلى مستويات متعددة، للمثقفين العرب، ومكنهم من أن يعتزوا بالتفاعل مع مشروعه الثقافي…، كانت هذه فقرة الاستهلال لمقال صبري الطويل والعميق، والذي يمكن أن نلخصه:
" يذهب الكاتب إلى أن سعيد كان مثقفاً عربياً غربياً، وارثاً للتفاعل المعقد والمؤلم في كثير من الأحيان بين العالم العربي والغرب. ويتناول التربية الغربية التي عاشها، وكتاب "الاستشراق" الذي أدخل سعيد إلى العالم العربي، ونظريته في "سَفَر النظريات"، ومخاطبته السلطة بلسان الحقيقة إحياءً لتقليد عربي في الخطاب. ويخلص الكاتب إلى أنه، في مواجهة الانكفاء والقنوط في العالم العربي، جاء سعيد بنفحة من الهواء المنعش بنقده العلماني ونفاذ بصيرته وشجاعته".
تقول فريال جبوري غزول (عراقية، أستاذة الأدب الانجليزي في الجامعة الامريكيةالقاهرة) : "لقد قدم سعيد صورة سلبية عن المستشرقين، وهذا ينطبق على واقعهم إلى حد كبير. لكنني أرى أن علينا أن نجد آليات معرفية لغربلة الاستشراق بحيث نستفيد من البعد العلمي فيه (التحقيق) الترجمة، التصنيف، القواميس إلخ والانصراف عما هو إيديولوجي وعنصري."
تقول أمينة رشيد (كلية الآداب جامعة القاهرة): "أن الكشف عن دور النص في الصراع السياسي الثقافي بوصفه الأرض التي يدور فوقها هذا الصراع، هذا الكشف هو واحد من أهم منجزات إدوار سعيد، والذي لا يلجأ منهجيا للمفهوم الماركسي السائد عن الصراع الطبقي، بل يتسلح بمفهوم الخطاب، حسب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ومفهوم الهيمنة كما جاء في كتابات الفيلسوف الماركسي أنطونيو جرامشي، بحيث يصيغ الفرضية الأساسية لكتاب "الاستشراق"، على نحو يوضح أن هناك خطاباً للهيمنة يقوم بفرض تصوره، أو تمثيله، للآخر التابع الذي لا يملك خطابا يستطيع أن يمثل نفسه عبره."
وتكتب هدى وصفي (جامعة القاهرة): "لقد قدم سعيد خدمة هائلة عبر تفكيكه للنص الكولونيالي، وهو ما لم ينجزه أي مثقف عربي، فكتاب "الاستشراق" يقدم قراءة كاشفة للممارسات الاستعمارية التي تختفى خلف خطاب العلوم الاِنسانية، بينما كتاب "الثقافة والإمبريالية" يربط بين ممارسات أشد فظاعة مثل الرق والاضطهاد العنصري والاِخضاع الاِمبريالي من جهة وبين الشعر والرواية والفلسفة التي ينتجها المجتمع الذي يقوم بهذه الممارسات من جهة أخرى.".
والآن إلى النقد الغربي:
يقول بعض ناقديه من الغرب: الذين اعتبروا عمل سعيد مضللاً وظالماً مثل دينس بورتر القائل، إن سرد سعيد غير مترابط تاريخيا وأن فهمه للقومية والصراعات الدائرة حولها أعقد من فهم سعيد وما يدعيه من معرفة عنها. ويرى جاك بيرك أن سعيد قد أدى خدمة مضادة لمواطنيه حيث جعلهم يعتقدون أن هناك تحالفاً غربياً ضدهم. ويقول روبرت يونج، سعيد مخلوق رومانسي مغترب عن وطنه ونقده نابع من هذا المنطق ليس أكثر. وتقول الناقدة البريطانية فاليري كينيدي: "سعيد كناقد أدبي وثقافي وكمعلق اجتماعي، شخصية عظيمة جداً وأحياناً شخصية جدلية في الحياة الثقافية المعاصرة، وهو واحد من أولئك الذين أجبروا الغرب على الاعتراف بالصلة بين ثقافته الخاصة الميتروبوليتية والعالم غير الغربي ، والقبول بالحقائق التاريخية والملابسات المستمرة لماضيه الاِمبريالي، و سعيد هو صوت المحيط المهمش في المركز الغربي ونموذجاً حياً ومثالا يحتذى عن المثقف الملتزم في أواخر القرن العشرين. فلقد ساعد على تغيير الطريقة التي يتم من خلالها فهم وتمثيل الوضع في الشرق الأوسط في المجتمع الثقافي وفي وسائل الاِعلام في الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ذلك، لم يقتصر دفاع سعيد عن الضعفاء والمضطهدين والمحرومين وعلى الفلسطينيين، ولكنه دافع عن فكرة حقوق الاِنسان العالمية، بعيداً عن الارتباط الحصري المعتاد لهذه الفكرة بالفكر الأوروبي."
يقول المؤرخ الفرنسيو المعروف ، كلود كاهين : "كتاب الاستشراق قائم على هيئة النبرة الجدالية والمماحكات، ويتضمن بعض الأفكار المهمة عن العلاقات بين الاستشراق والاستعمار. ولكن نظراً إلى أن المؤلف غير مطلع بشكل دقيق على انتاجات كل بلد أوروبي في مجال الاستشراق، ونظراً لأن اطلاعه متفاوت القيمة على هذا الانتاج، ونظراً لأنه لا يميز بالشكل الكافي بين الأدبيات الاستشراقية المبتذلة أو الصحفية ، وبين بحوث العلماء الحقيقيين، فأنه يرتكب أخطاء فاحشة ويقع في ظلم عظيم."
يعلق مكسيم رودنسون العالم الفرنسي على كتاب الاستشراق بطريقة غير مباشرة و دون ذكر أسم سعيد: "بأننا إذا ما دفعنا قليلاً ببعض تحليلاته وصياغاته وقعنا في أحضان عقيدة مشابهة تماماً للعقيدة الجدانوفية (نسبة للباحث والمفكر الروسي اندريه جدانوف) القائلة بوجود عِلمين: عِلم بورجوازي وعِلم بروليتاري. في الواقع أن كلا العِلمين، اللذين تحدث عنهما جدانوف واتباعه ومقلدوه كان قد حددا بشكل مختلف طبقاً للتحيزات الأيدولوجية والأهداف السياسية والأصول الاجتماعية."
يقول بيرنارد لويس، إن الممثل الأكبر لمناهضي الاستشراق في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو إدوارد سعيد: فالمحدوديات الزمانية والمكانية والمضمونية التي يفرضها سعيد بالقوة على موضوعه، تسهل عليه عملية إدانة الاستشراق. بل تبدو ضرورية لتحقيق هدفه، فمثلاً عندما نتمعن في أسماء المستعربين وعلماء الاِسلاميات، الذين ذكرهم، نجد كثيراًمن الشخصيات الكبرى مهملة وغير مذكورة على الاِطلاق.
من الأهمية الإشارة هنا بأن بيرنارد لويس يعتبر واحداً من أهم المستشرقين في العالم الأنغلو-ساكسوني، غزير الإنتاج، وقدم خدماته للكولونيالية البريطانية والأمريكية وقوي التأثير، خاصة على تيار المحافظين الجدد، الملتفين حول جورج بوش الابن. وبرنارد لويس يهودي صهيوني متعصب وتأويلاته مغرضة ويجعل منها حقائق ثابتة ليرسخها في عقول القادة والمواطنين في دول الغرب. ويكفي أن نشير بأن صموئيل هنتجتونن صاحب كتاب"صراع الحضارات" هو تلميذ لويس، وفرنسيس فوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ وخاتم البشر" هو تلميذ هنتجتون. وكما يقول المثل "النار تلد الرماد".
وإرنستجيلنر، الذي يقول كان يجب على سعيد أن يبدي على الأقل الشعور بالامتنان الذي لعبته الاِمبريالية في نقلها للحداثة.
ويقول مصطفى مارتوش مثلا: إن نقد الغربيين لسعيد يستمد ثقله من انتسابهم للأكاديمية الغربية، لكنه في حقيقته عبارة عن سباب وشجب وإدانة لأفكاره دون فحص ومحاولات حقة لفهمه. ولعلني أضيف، بأن سعيد أشار إلى المنجزات الفذة لبعض الباحثين من أمثال جاك بيرك ومكسيم رودنسون …


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.