شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات في الخاطر (2 3)
نشر في السوداني يوم 28 - 08 - 2021

حامد فضل الله \ برلين
كلمات ناصعة لسعيد:
الهوية ليست ما نرثه بل ما نختاره. الهوية ليست أحادية، بل في تشكل مستمر، وتحوي أكثر من ثقافة واحدة.
سعيد يستخدم مصطلح الدنيوي، مما يعني المصطلح العلماني، ويشير الى أن النزعة المتأسلمة باعتمادها على التلقين الأعمى ونفيها لكافة أشكال المعرفة المنافسة المستمدة من أصول علمانية وحديثة، تؤدي إلى غياب الاجتهاد وإلى اختفاء الفكر النقدي، أو أي إعمال مستقل للعقل في شؤون عالمنا المعاصر. وهو يدعو إلى ممارسة خطاب دنيوي علماني عقلاني ، باعتبار النصوص، دنيوية أرضية واقعية، ولأنها جزء من العالم الاجتماعي والحياة البشرية، ولأنها جزء من اللحظات التاريخية.
يقول سعيد: إن دراستي للاستشراق قد اقنعتني، بانه من المحال الفصل بين تفهم ودراسة المجتمع وتفهم ودراسة الثقافة الأدبية،
فالثقافات بالغة التداخل، ومضمون كل منها وتاريخه يتفاعلان تفاعلاً بالغاً مع غيرهما، إلى درجة يمتنع فيها "النقاء العنصري" لثقافة ما. كما يرفض سعيد الفصل بين الأدب والسياسة، رغم اعترافه بالخصوصيات العامة جداً للأدب.
أود هنا أن أشير إلى ما يسمى بالدراسات ما بعد الكولونيالية أو ما بعد الاستعمار، وهو اتجاه في التحليل النقدي يرى أن التحرر من الاستعمار التقليدي يفرض على الباحث نوعاً جديداً من التحليل يناهض الصورة التي رسمها المستعمِر للشعوب التي هيمن عليها، وتبنتها تلقائياً هذه الشعوب، وذلك بتحفيز المكونات المضادة الكفيلة بتعزيز الهويات الوطنية والتخلص من تأثيرات الهيمنة، والتعامل مع الآخر بندية. ويعد خطاب ما بعد الاستعمار رد فعل على الخطاب الاستعماري الذي تلتحم فيه القوة المهيمنة بالمعرفة والانتاج الثقافي. وقد بدأ تنامي هذه المفاهيم في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بتأثير كتابات إدوارد سعيد وبخاصة كتابه "الاستشراق 1978 وعلى يد باحثين نذكر منهم هومي بابا وغايا ترى سبيفاك، وقد مزجوها بحقول معرفية أخرى كالتفكيكية، والتحليل النفسي والمنهج النسوي.
والآن إلى النقد، الذي تعرضت له أعمال سعيد، وخاصة كتابه الرائد "الاستشراق".
وأبدأ بأهل الدار، أعني النقد العربي: ونذكر هنا بعض رموز التيار الماركسي، المُمثل في المفكرين هادي العلوي (العراق)، ومهدي عامل (لبنان)، وصادق جلال العظم (سوريا)، ونجمل نقدهم بصورة مكثفة:
عندما يقول سعيد بأن الغرب الإمبريالي يجد عملاء شرقيين يحكمون بلدانهم بالوكالة عنه، فسعيد يفصل ظاهرة العمالة عن منحاها الطبقي ويجردها من المصالح الطبقية، فالغرب لم يجد الا التجار والمثقفين وعامة الأغنياء، هم الذين كانوا في خدمة الغرب.
وسعيد يغدق على الباحث الدبلوماسي الفرنسي ما سينيئون المديح وينسب إليه من اجازات كبيرة وهامة، وهو معروف بأحكامه العنصرية وصلاته الاستعمارية، ودراسته عن اللهجة العامية في العراق عند زيارته لبغداد لا تخلو من غرض.
وقول سعيد بأن العالم ينقسم إلى شرق وغرب، وان لكل منهما خصائص جوهرية وطبائع أزلية ثابتة تميز بينهما. كالتمييز بين الجنس السامي والجنس الآري، والزعم مثلا أن الاول روحاني والثاني عقلاني. يعود بنا سعيد إلى فكرة الخصائص الجوهرية والطبائع الأزلية الثابتة. وهنا لا تعود ظاهرة الاستشراق وليدة شروط تاريخية معينة واستجابة لمصالح وحاجات حيوية، بل تأخذ شكل الافراز الطبيعي العتيق المستمر.
ويشير (مهدي عامل): إن الشرق الذي يجرى عليه الكلام في كتاب الاستشراق ليس الشرق نفسه، بل هو شرق ينتجه الفكر الاستشراقي على صورته، ملائما للثقافة السائدة الطاغية، وهي الثقافة البرجوازية المسيطرة، لكن النص الاستشراقي لا يحدد طابعها الطبقي التاريخي، بل يكتفي بالقول إنها ثقافة الغرب، لا من حيث هي الثقافة البرجوزازية المسيطرة، وبانتفاء طابعها الطبقي التاريخي في تحديدها الاستشراقي هذا، تنفي إمكانية وجود نقيضها نفسه، فتكتسب، بهذا الانتقاء طابعا شموليا تحتل به كامل الفضاء الثقافي وتظهر بمظهر الثقافة الواحدة بالمطلق. وأن سعيد جرد ماركس من فرادته الفكرية والطبقية والمقاومة بعبقرية منهجية لأبناء ومفكري وسياسي أوروبا في ذلك الوقت إلا أن سعيد يدخله حسب منهجه المثالي في زمرة الاستشراقيين بلا هوادة. فنظرة سعيد المثالية، هي بطبيعة الحال معادية لأي نظرة أو منهج طبقي تاريخي اجتماعي مثل المنهج الماركسي.
كما يؤخذ عليه، عندما ناقش سعيد دور الاستشراق في الهند والسلطة الاستعمارية البريطانية وكذلك مناقشته وأشارته لقول ماركس عن الهند " إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، ولابد أن يمثلهم أحد". بأنه وضع الفيلسوف العالمي كارل ماركس ضمن المدرسة الاستشراقية. ويقارن العلوي بين ماركس كفيلسوف ومفكر في حديثه عن الشرق وهيجل في حديثه عن الفلسفة الاِسلامية، الذي يهبط عندما يتحدث هيجل عنها إلى صحفي من الدرجة العاشرة، فماركس في نظر العلوي "فيلسوف بأفق نبي" وبتمثله لمنطق البروليتاريا العالمية، لم يعد قادرا على التكلم بلسان أوروبي، فقراءة سعيد لماركس مفهومة، لأنه لا يشاطر ماركس همومه الطبقية.
ويشير (صادق العظم)، إلى أن سعيد ختم كتابه على الطريقة الكلاسيكية النموذجية، عندما لم يجد ما يبعث على الأسى أبدا في علاقة التبعية الفكرية والسياسية بين الشرق (الشرق الأوسط) والغرب (الولايات المتحدة)، وعندما قدم نصيحته إلى صانعي السياسة الأمريكية وخبرائهم واختصاصيهم حول أفضل الأساليب لتمثيل الأسس التي يمكن أن تستند إليها التوظيفات (الاستثمارات) الأمريكية في الشرق الأوسط وأفضل الطرق لتحسين شروط علاقة التبعية المذكورة. (هذه الفقرة فجرت خلافاً حادا حيث فسرها البعض، بأنها اتهام صريح بالعمالة للمخابرات الأمريكية وللسياسة الأمريكية اجمالاً. هذه تهمة غليظة بلا شك، وربما شطط وتجاوز في التأويل ليس بريئا، بهدف تصفية حساب أيضاً.
لم يرد سعيد على ناقديه الماركسيين، بل وصفهم بالدوغمائيين والعقائديين. لا أدري لماذا ضاق صدر سعيد بهذا النقد، وخاصة أن هادي العلوي بنبرته الهادئة مقارنة بالعظم، واشارته إلى عمق التحليل واللغة الحية المتدفقة لكتاب الاستشراق، كما أن إدوارد سعيد أثني من قبل على أعمال أنور عبد الملك وسمير أمين وكلاهما من الرموز الماركسية. ولقد تعرفنا عليهما هنا في برلين.
يقول عزالدين المناصرة الباحث الفلسطيني، الذي فقدناه قبل شهور قليلة: إذا كان ماركس قد وقع تحت تأثير الاستشراق، فأن سعيد وقع تحت ثقافة الحرب الباردة، حين أوحى أن الاستشراق في روسيا وأوروبا الشرقية، يتطابق مع جملة ماركس التي اقتنصها سعيد وصاغ حولها تأطيراً نظرياً، ربما كان مبالغاً فيه، وهناك فرق بالطبع بين ماركس وبين الاستشراق الروسي. ومتجاهلاً الفارق الجوهري بين الاستشراق الاِمبريالي وبين الاستشراق الروسي والألماني.
ويكتب الناقد الأدبي والباحث في اللسانيات السوداني، عبد المنعم عجب الفيا:
اذا كان إدوارد سعيد يفترض أن الاستشراق، نشأ لخدمة الأهداف الاستعمارية لأوروبا، وذلك استنادا إلى نظرية "المعرفة تساوي السلطة".: "لا شك فأن الإدانة المطلقة للاستشراق انطلاقا من مقولة كل معرفة سلطة، وان معرفة أوروبا بالشرق عبر الاستشراق، قادت الى السيطرة عليه، قول ينطوي على تعميم مخل. "ولكن هل يمكن أثبات بأن ابحاث المستشرقين مهما تميزت بها من رصانة، بأنها ليست متورطة في السياسة، وإنها ليست هي السند الذي يساعد الدول الاستعمارية في مواصلة سياستها من اضطهاد واستغلال"؟ كما يناقش عجب الفيا آراء مؤيدي ومعارضي سعيد بإسهاب، طارحا وجهة نظره، مثل
اعتراضه على نقد الماركسيين فيما يتعلق بفكرة الخصائص الجوهرية والطبائع الأزلية الثابتة، فيقول "من الصعوبة ان تجد لها سنداً قوياً، فكتاب الاستشراق حسب قراءتي يعارض مذهب الجوهرية". ويشير إلى الاحتفاء المبالغ فيه في الغرب بكتاب الاستشراق، وكأنها عقدة الذنب الليبرالية التي تطارد المجتمعات الغربية بسبب الإرث الاستعماري، بيمنا يرجح عامل آخر، هو الافتنان بأطروحات ما بعد الحداثة، وفي نقد العقلانية الغربية والنموذج الأوروبي والحركات والاتجاهات التي تولي اهتماما خاصة بالثقافات المهمشة لكسر المركزية الغربية والبحث عن مسار آخر للتطور خلاف المسار الأوروبي الغربي. وفي تحليله لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، التي صدرت عام 1966، يجد فيها ارهاصات "لاِستشراق سعيد".
ويكتب صبري حافظ (أستاذ الأدب العربي والأدب المقارن في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن سابقاً، ورئيس تحرير المجلة الاِلكترونية المحكمة "الكلمة"، مقالا بعنوان "ميراث إدوارد سعيد الثقافي في العالم العربي*":
لا بد لنا، كي نفهم ميراث إدوارد سعيد الثقافي، ومشروعه الثقافي، وأثره في المشهد الثقافي العربي، من أن ندرك إدراكاً ثاقباً هذا "الخليط المعقد جداً" المقصود هنا الخليط بين العالمين الخاص والعام فالخليط الذي تدخل في صنع هذا الفرد المميز كان جذابا لأسباب كثيرة وعلى مستويات متعددة، للمثقفين العرب، ومكنهم من أن يعتزوا بالتفاعل مع مشروعه الثقافي…، كانت هذه فقرة الاستهلال لمقال صبري الطويل والعميق، والذي يمكن أن نلخصه:
" يذهب الكاتب إلى أن سعيد كان مثقفاً عربياً غربياً، وارثاً للتفاعل المعقد والمؤلم في كثير من الأحيان بين العالم العربي والغرب. ويتناول التربية الغربية التي عاشها، وكتاب "الاستشراق" الذي أدخل سعيد إلى العالم العربي، ونظريته في "سَفَر النظريات"، ومخاطبته السلطة بلسان الحقيقة إحياءً لتقليد عربي في الخطاب. ويخلص الكاتب إلى أنه، في مواجهة الانكفاء والقنوط في العالم العربي، جاء سعيد بنفحة من الهواء المنعش بنقده العلماني ونفاذ بصيرته وشجاعته".
تقول فريال جبوري غزول (عراقية، أستاذة الأدب الانجليزي في الجامعة الامريكيةالقاهرة) : "لقد قدم سعيد صورة سلبية عن المستشرقين، وهذا ينطبق على واقعهم إلى حد كبير. لكنني أرى أن علينا أن نجد آليات معرفية لغربلة الاستشراق بحيث نستفيد من البعد العلمي فيه (التحقيق) الترجمة، التصنيف، القواميس إلخ والانصراف عما هو إيديولوجي وعنصري."
تقول أمينة رشيد (كلية الآداب جامعة القاهرة): "أن الكشف عن دور النص في الصراع السياسي الثقافي بوصفه الأرض التي يدور فوقها هذا الصراع، هذا الكشف هو واحد من أهم منجزات إدوار سعيد، والذي لا يلجأ منهجيا للمفهوم الماركسي السائد عن الصراع الطبقي، بل يتسلح بمفهوم الخطاب، حسب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ومفهوم الهيمنة كما جاء في كتابات الفيلسوف الماركسي أنطونيو جرامشي، بحيث يصيغ الفرضية الأساسية لكتاب "الاستشراق"، على نحو يوضح أن هناك خطاباً للهيمنة يقوم بفرض تصوره، أو تمثيله، للآخر التابع الذي لا يملك خطابا يستطيع أن يمثل نفسه عبره."
وتكتب هدى وصفي (جامعة القاهرة): "لقد قدم سعيد خدمة هائلة عبر تفكيكه للنص الكولونيالي، وهو ما لم ينجزه أي مثقف عربي، فكتاب "الاستشراق" يقدم قراءة كاشفة للممارسات الاستعمارية التي تختفى خلف خطاب العلوم الاِنسانية، بينما كتاب "الثقافة والإمبريالية" يربط بين ممارسات أشد فظاعة مثل الرق والاضطهاد العنصري والاِخضاع الاِمبريالي من جهة وبين الشعر والرواية والفلسفة التي ينتجها المجتمع الذي يقوم بهذه الممارسات من جهة أخرى.".
والآن إلى النقد الغربي:
يقول بعض ناقديه من الغرب: الذين اعتبروا عمل سعيد مضللاً وظالماً مثل دينس بورتر القائل، إن سرد سعيد غير مترابط تاريخيا وأن فهمه للقومية والصراعات الدائرة حولها أعقد من فهم سعيد وما يدعيه من معرفة عنها. ويرى جاك بيرك أن سعيد قد أدى خدمة مضادة لمواطنيه حيث جعلهم يعتقدون أن هناك تحالفاً غربياً ضدهم. ويقول روبرت يونج، سعيد مخلوق رومانسي مغترب عن وطنه ونقده نابع من هذا المنطق ليس أكثر. وتقول الناقدة البريطانية فاليري كينيدي: "سعيد كناقد أدبي وثقافي وكمعلق اجتماعي، شخصية عظيمة جداً وأحياناً شخصية جدلية في الحياة الثقافية المعاصرة، وهو واحد من أولئك الذين أجبروا الغرب على الاعتراف بالصلة بين ثقافته الخاصة الميتروبوليتية والعالم غير الغربي ، والقبول بالحقائق التاريخية والملابسات المستمرة لماضيه الاِمبريالي، و سعيد هو صوت المحيط المهمش في المركز الغربي ونموذجاً حياً ومثالا يحتذى عن المثقف الملتزم في أواخر القرن العشرين. فلقد ساعد على تغيير الطريقة التي يتم من خلالها فهم وتمثيل الوضع في الشرق الأوسط في المجتمع الثقافي وفي وسائل الاِعلام في الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ذلك، لم يقتصر دفاع سعيد عن الضعفاء والمضطهدين والمحرومين وعلى الفلسطينيين، ولكنه دافع عن فكرة حقوق الاِنسان العالمية، بعيداً عن الارتباط الحصري المعتاد لهذه الفكرة بالفكر الأوروبي."
يقول المؤرخ الفرنسيو المعروف ، كلود كاهين : "كتاب الاستشراق قائم على هيئة النبرة الجدالية والمماحكات، ويتضمن بعض الأفكار المهمة عن العلاقات بين الاستشراق والاستعمار. ولكن نظراً إلى أن المؤلف غير مطلع بشكل دقيق على انتاجات كل بلد أوروبي في مجال الاستشراق، ونظراً لأن اطلاعه متفاوت القيمة على هذا الانتاج، ونظراً لأنه لا يميز بالشكل الكافي بين الأدبيات الاستشراقية المبتذلة أو الصحفية ، وبين بحوث العلماء الحقيقيين، فأنه يرتكب أخطاء فاحشة ويقع في ظلم عظيم."
يعلق مكسيم رودنسون العالم الفرنسي على كتاب الاستشراق بطريقة غير مباشرة و دون ذكر أسم سعيد: "بأننا إذا ما دفعنا قليلاً ببعض تحليلاته وصياغاته وقعنا في أحضان عقيدة مشابهة تماماً للعقيدة الجدانوفية (نسبة للباحث والمفكر الروسي اندريه جدانوف) القائلة بوجود عِلمين: عِلم بورجوازي وعِلم بروليتاري. في الواقع أن كلا العِلمين، اللذين تحدث عنهما جدانوف واتباعه ومقلدوه كان قد حددا بشكل مختلف طبقاً للتحيزات الأيدولوجية والأهداف السياسية والأصول الاجتماعية."
يقول بيرنارد لويس، إن الممثل الأكبر لمناهضي الاستشراق في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو إدوارد سعيد: فالمحدوديات الزمانية والمكانية والمضمونية التي يفرضها سعيد بالقوة على موضوعه، تسهل عليه عملية إدانة الاستشراق. بل تبدو ضرورية لتحقيق هدفه، فمثلاً عندما نتمعن في أسماء المستعربين وعلماء الاِسلاميات، الذين ذكرهم، نجد كثيراًمن الشخصيات الكبرى مهملة وغير مذكورة على الاِطلاق.
من الأهمية الإشارة هنا بأن بيرنارد لويس يعتبر واحداً من أهم المستشرقين في العالم الأنغلو-ساكسوني، غزير الإنتاج، وقدم خدماته للكولونيالية البريطانية والأمريكية وقوي التأثير، خاصة على تيار المحافظين الجدد، الملتفين حول جورج بوش الابن. وبرنارد لويس يهودي صهيوني متعصب وتأويلاته مغرضة ويجعل منها حقائق ثابتة ليرسخها في عقول القادة والمواطنين في دول الغرب. ويكفي أن نشير بأن صموئيل هنتجتونن صاحب كتاب"صراع الحضارات" هو تلميذ لويس، وفرنسيس فوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ وخاتم البشر" هو تلميذ هنتجتون. وكما يقول المثل "النار تلد الرماد".
وإرنستجيلنر، الذي يقول كان يجب على سعيد أن يبدي على الأقل الشعور بالامتنان الذي لعبته الاِمبريالية في نقلها للحداثة.
ويقول مصطفى مارتوش مثلا: إن نقد الغربيين لسعيد يستمد ثقله من انتسابهم للأكاديمية الغربية، لكنه في حقيقته عبارة عن سباب وشجب وإدانة لأفكاره دون فحص ومحاولات حقة لفهمه. ولعلني أضيف، بأن سعيد أشار إلى المنجزات الفذة لبعض الباحثين من أمثال جاك بيرك ومكسيم رودنسون …


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.