ارتفعت حصيلة القتلى والجرحى في النزاعات الأخيرة التي شهدتها ولايات دافور، التي بلغت أكثر من (700) شخص بين قتيل وجريح، مع تصاعد وتيرة العنف، وتزايد خطاب الكراهية، وعدم قبول الآخر، مع اتهامات بضلوع جهات في تأجيج النزاع لاستغلال موارد دارفور، والكل في انتظار تكوين القوة الموحدة أو المشتركة لكبح جماح النزاعات مع مخاوف انحرافها عن مهمتها، بينما طالب حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بعدم اليأس، وتابع: (نبكي بهنا، ونضحك بهناك، وما نقعد في بيت العزاء لوحدو). الكل حائر ومهموم بما جرى ويجري في إقليم دارفور مع عدم وجود حل يلوح في الأفق . يهاجمون ويستبيحون قال الأمين العام لقبيلة القمر، أبكر التوم آدم، إن الصراعات القبلية تبدأ عادة باحتكاكات صغيرة جداً بين المكونات المحلية لكل منطقة من المناطق، وهي تكون في أربعة أشياء هي صراع الموارد (المياه والمرعى)، الصراع بين المزارع والراعي، السرقات ، وصراع حول ملكية الأرض (الحواكير)، وكيفية استغلالها. وقال التوم ل(السوداني) إن الصراعات تبدأ صغيرة ثم تتوسع تدريجياً وتتحول إلى شرارة ثم نار ملتهبة لغياب فرض الدولة وسيطرتها تماماً على الأوضاع والبطء في الإجراءات القانونية، فنجد شخصاً قاتلاً ولم يتم القبض عليه، ويعيش مطلق الحرية، فأهل القتيل يأخذون الثأر، وبعد أخذ الثأر تتحول إلى صراع قبلي بين الطرفين، كما نجد الرعاة يهاجمون ويستبيحون المزارع، والراعي لا يقبل طرد مواشيه أو ضربها، فيعتدي على المزارع فيقتل أحدهما (الراعي أو المزارع )، فتتحول المشاجرة إلى صراع قبلي عنيف يقضي على الأخضر واليابس، بجانب أن الإدارات الأهلية التي كانت تعالج مثل تلك الأوضاع، فقدت السيطرة تماماً على منسوبيها، علاوة على ضعف قانون الإدارة الأهلية، وضعف المحاكم الريفية التي يكون على قيادتها رجال الإدارة الأهلية، كذلك ضعف إمكانات الشرطة من وسائل حركية وتدريب كافٍ؛ مما يتسبب في عدم القبض على عدد كبير من المجرمين، منوهاً إلى أن تسييس الإدارة الأهلية في الآونة الأخيرة أفقدها احترامها من سكان المناطق، لانهم يعتبرونها أداة من أدوات النظام الحاكم . وأكد التوم أنه ما لم تتعامل الحكومة بحسم وقوة مع الصراعات الصغيرة، ومعالجة أمرها في مهدها ستضطر أو ستلجأ كل المكونات إلى تسليح نفسها وتجييش أفرادها، كما حصل لبعض القبائل من تسليح وتدريب من قبل الحكومة لبعض المكونات التي استقوت بدعم من الحكومة السابقة، وسيكون أخطر مما يتوقعه الناس في إقليم دارفور. غياب التنمية وأشار التوم إلى أنه من أسباب استمرار الصراعات أو النزاعات في إقليم دارفور بعده من المركز (الخرطوم) وغياب التنمية البشرية، وضعف أدوات التعليم، وغياب الوازع الديني، وإذا استمر الحال على ماهو عليه، فليس لسكان الإقليم أي مصلحة في أن يكونوا جزءاً من السودان، (65) عاماً من بداية الاستقلال، ولم يقدم السودان لدارفور أي شيء في مجال التعليم، والتنمية والاقتصاد، ورفع مستوى المعيشة، مما يجعل الإنسان فاقداً للأمل . وأقترح التوم اتخاذ طرق أو خطوات (إذا رغبت الحكومة وكانت لها إرادة) في الخروج من تجدد الصراعات أو النزاعات بدارفور، لخصها في تقوية رجال الشرطة في كل المحليات والوحدات الإدارية ، إكمال العمليات التربوية بأسس علمية جديدة، ومعالجة الفاقد التربوي، رفع مستوى معيشة الفرد بالتوسع في المشروعات التنموية، إزدياد التمويل البنكي للمشروعات الزراعية والرعوية، ربط الإقليم بالطرق القومية والطرق الولائية بين عواصمالولايات والمحليات بالطرق الزراعية داخل الوحدات الإدارية، وبسط هيبة الدولة، وجمع السلاح، وعدم الإفلات من العقاب . وحصر التوم الصراعات التي حدثت في الجنينة لوحدها من سبتمبر وحتى الآن من العام 2021م في العرب والمساليت داخل وحول الجنينة، العرب والمسيرية الجبل في جبل مون بالجنينة، العرب والمساليت في مدينة كرينك ، القمر والتاما شرق الجنينة، القمر والعرب شرق الجنينة في منطقة تنجكي، المساليت والعرب جنوب غرب الجنينة في مستري، منوهاً إلى أن عدد قتلى تلك الحروب لا يقل عن (236) قتيلاً، والوضع الآن يمكن أن (ينفجر في لحظة من اللحظات)، لأن التسابق حول التسليح في أعلى قمته، وكل هذه الحروب التي دارت الحكومة لم تقبض على متهم واحد لتقدمه للمحاكمة، مع غياب تام للدولة، الحكومة تقوم بمصالحات قبل أن يجف حبرها تندلع حرب أخرى، وتابع: (لا يمكن تعمل مصالحة والقاتل حر طليق، والغبن عالٍ والشحن في ازدياد) متوقعاً حدوث (تدخل دولي) في دارفور، إذا لم تحسم تلك الصراعات أو النزاعات . التدخل الدولي وأشار الزعيم القبلي أبكر التوم إلى وجود الأسباب الكافية للتدخل الدولي من إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب تحصل، والمجرمون يفلتون من العقاب، والدولة عاجزة عن حماية مواطنيها، مشيراً إلى أن وثيقة الأممالمتحدة تنص على أن أي دولة عاجزة عن حماية مواطنيها من القتل والتشريد يحق لمجلس الأمن أن يعقد جلسة طارئة، ويستخدم البند السابع والثامن لحماية المواطن في أي دولة من الدول، مهما كانت الأسباب، وهدد التوم بصياغة وثيقة والتقدم بها لمجلس الأمن، وتابع: (نعرف الطرق والمداخل التي توصلنا لمجلس الأمن بأسرع ما يمكن). الطرف الثالث أوضح مدير مركز دراسات السلام بجامعة نيالا، الدكتور سعد الدين حسن، أن صراعات الفترة الأخيرة بدارفور اختلفت عن صراعات الفترة السابقة، فمعظم الصراعات الحالية تتكلم عن الأرض والحواكير كنموذج الجنينة، ولم يعد صراعاً بين قبيلتين في الأرض والحواكير، بل دخل فيه طرف ثالث، وهم عدد كبير جداً من شباب الكفاح المسلح، لم يحصل لهم عملية الدمج والترتيب التي تأخرت كثيراً لأكثر من سنة، وبالتالي لا يوجد دعم، فأصبحوا واحدة من الحلقات المزعجة في المجتمع، علاوة على التغييرات السياسية في المركز ما بين مدنية وعسكرية وقوى (الحرية والتغيير)، وهي التي شغلت الناس عن الأمن وهيبة الدولة، فحدث انفلات أمني على مستوى المجتمعات، لم يكن من أولويات الحكومة الاستقرار فانشغل الناس بالصراع السياسي، وغفل الجميع عن السلام الاجتماعي، وهو لا ينفصل عن الصراع السياسي على مستوى المركز الذي ألقى بظلاله السالبة على الواقع. وطالب دكتور سعد الدين بتقنين وضعية الحركات المسلحة الذين يمتلكون السلاح بطريقة مباشرة في الشرطة أو الجيش، وبذلك يمكن التخفيف من حدة الصراعات، بجانب بسط هيبة الدولة، ممتدحاً خطوة تعيين القوات المشتركة لحفظ الأمن بإقليم دارفور، مشيراً إلى وجود مخاوف منها تتمثل في كونها هل هم قوات منسجمة، وهم قادمون من بيئات وثقافات مختلفة، وهل تحركها لمناطق النزاعات ستكون بحيادية دون انحياز لأي مجموعة من المجموعات المتنازعة، وهل تلك القوات قيادتها موحدة؟، منوهاً إلى أن القوات المشتركة تحتاج لعمل كبير حتى تقوم بدورها المنوط بها على الأرض، مشدداً على ضرورة الإنسجام فيما بينها لتأدية واجبها، وقال إن ما حدث بالجنينة من قوات تتسلح بسيارات الدفع الرباعي، وحدث تبادل الاتهامات في كونها تتبع للحركات المسلحة، وآخرون يقولون إنها تتبع للدعم السريع ،متسائلاً عن من الذي يضمن أن تكون تلك القوات المتهمة بأنها ستعمل تحت قيادة موحدة وبحيادية؟، مشيراً إلة أن تلك المخاوف ستمتد إلى المدى البعيد في عملية جمع السلاح وبسط هيبة الدولة بسطاً حقيقياً!. وأوضح سعد الدين أن المبادرات التي تقيمها المجموعات المختلفة والكيانات والأفراد تقلل من حدة الصراعات بدارفور، ولكنها تواجه بتحدي الالتزامات المالية، فتعجز عن تنفيذ المبادرات على الأرض، مطالباً الحكومات بدعم تلك المبادرات . تقارير لجنة الأطباء بلغ عدد الذين قتلوا في النزاعات القبلية بالجنينة وما جاورها في العام 2020م، بحسب منظمات وإحصائيات غير رسمية (236) شخصاً ما بين قتيل وجريح بينما الإحصائيات الرسمية تشير إلى مقتل (105) أشخاص، بينما لفت والي غرب دارفور السابق عبد الله الدومة إلى أن عدد القتلى في العام 2021م في أبريل (132) قتيلاً، و(208) جرحى، بينما ارتفع عدد الضحايا الذين وثقت لهم لجنة أطباء ولاية غرب دارفور في الأحداث الأخيرة في العام 2021م في محليات كرينك، جبل مون وسرباً منذ السابع عشر من نوفمبر إلى (138) قتيلاً، و(106) جرحى. وبحسب لجنة الأطباء بالجنينة أن كثيراً من الجرحى يموتون لصعوبة إيصالهم إلى المرافق الطبية في الوقت المناسب، وافتقار المستشفيات الريفية إلى الإمكانيات اللازمة لإنقاذهم، وهذا ما يفسر تجاوز عدد الوفيات عدد الجرحى. وتضاف هذه المآسي إلى المجازر التي تجتاح الإقليم وبصورة خاصة ولاية غرب دارفور، في ظل غياب أي مؤشر لحماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم وعجز السلطات التام عن اتخاذ أي خطوة لفرض هيبة الدولة، إذ تركت الدولة ملايين المدنيين يواجهون مصيرهم المجهول، يدفنون العشرات من أقربائهم، بعضهم في مقابر جماعية، ثم ينتظرون حصيلة الغد من الضحايا . اليوناميد واليونتامس …! عزا حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، تجدد الصراعات وتزايد العنف بدارفور إلى البداية الخاطئة لخروج بعثة اليوناميد لحماية المدنيين بدارفور، واستبدالها ببعثة اليونتامس لكل السودان، وتابع: (ما ممكن نساوي الزول المريض بالزول السليم)، منوهاً إلى وجود مناطق بالسودان ليست بها مشاكل، فكيف يتم مساواتها بمناطق فيها مشاكل، وهذا ما حدث بالفعل بخروج اليوناميد من دارفور بأفعال النخب الحاكمة في الخرطوم التي لا تعرف شيئاً عن مناطق الهامش. وأكد مناوي في لقاء خاص جمعه مع بالإعلاميين والصحفيين بنيالا أن القوات النظامية بدارفور ليست تحت قيادة حاكم الإقليم، وهناك أيادٍ أخرى تتحكم فيها، نافياً أن تقود مشاجرة إلى مشكلة اثنية، لكن هناك أيادٍ أخرى لم يسمِّها . وأشار مناوي إلى أنهم ذاهبون إلى تكوين القوة الموحدة، مطالباً بعدم اليأس لأنه يقتل الأمل، وتابع: ( نبكي بهنا ونضحك بهناك وما نقعد في بيت العزاء لوحدو)، مشيراً إلى أن دارفور فيها صحراء وغابات وحاجات جميلة زي جبل مرة، لكن الإعلام مركز على السالب فقط، في الجنينة كأن هناك دارفور جديد !، مشدداً على ضرورة أن يلتف الجميع لمحاولة لم الانشقاق السوداني الكبير. الجيل الجديد والحواكير..! وأشارت الصحفية زمزم خاطر من الفاشر إلى أن مشكلة تجدد النزاعات القبلية في دارفور هو عدم قبول الآخر بجانب أن ماضي دارفور في الحروبات التي وقعت في العام 2003م لم تنفذ فيها العدالة الإنتقالية بشقيها سواء تقديم الجناة للعدالة أو العفو، لافتاً إلى أن قادة دارفور لديهم غياب رؤية ورغبة، أو الإرادة للحل، علاوة على أن المثقفين والكتاب من أبناء دارفور دورهم سلبي، بل ساهم بعضهم في تأجيج النزاعات والصراعات باللايفات والمناشير في وسائط التواصل الاجتماعي، منوهاً إلى أن الجيل الحالي من أبناء دارفور ليست لديهم خلفية تاريخية عن التسامح والعفو والعيشة السمحة للأجداد، بجانب أن النزاعات شكلتهم وطلع جيل انتقامي، بجانب أن قضية الحواكير أو الأرض واحدة من أكبر مشاكل تأجيج النزاعات، علاوة على أن صراع المحاور له دور في نزاعات دارفور في موضوع الموارد التي يتمتع بها الإقليم، وفيما يتعلق بالرؤية للحل أشارت الصحفية زمزم إلى أن الحل يكمن في أن يؤدي الجميع دورهم الإيجابي في وقف سفك الدماء، وعدم الجنوح إلى تنفيذ أجندات المحاور، وتابعت: (الحل في أبناء دارفور أنفسهم إذا صدقوا وأخلصوا النية). كما شهدت ولايات شمال وجنوب دارفور نزاعات قبلية في كلوقي أدت لمقتل العشرات، وبين الرزيقات والفلاتة بقريضة في العام 2020م، قتل فيها أكثر من (70)، وجرح مثلهم، بحسب الإدارات الأهلية في المنطقة، فيما شهد ذات العام 2021 م نزاعاً بين الفلاتة والتعايشة في مجنقري، قتل وجرح فيها حوالي (105) أشخاص، بحسب الإدارات الأهلية في المنطقة، بجانب الفلاتة والسلامات قبل شهرين في 25 أكتوبر في جنوب دارفور (توقيت انقطاع شبكة الاتصالات بالسودان) قتل فيها العشرات، وتم تكوين لجنة من حكومة الولاية للتحقيق في الأمر برئاسة وكيل نيابة.