منذ تعيينه ممثلاً للأمين العامن للأمم المتحدة بالسودان، العام الماضي، ظل يتحرك في الساحة داعماً لعملية الانتقال بالسودان، وردد أكثر من مرة أنه لا يحمل أجندة خارجية، كما يتهمه البعض، ولكنه يعمل في كل ما يصب في ذلك الهدف. إنه فولكر بيرتيس، وفي فترة ما بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي، ظل يتحرك بين القصر الجمهوري وكافوري لإقناع رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، بالعودة إلى منصبه، ونجح في ذلك، لكن بعد شهر استقال حمدوك من منصبه.. ويرى البعض أن عُمر الحلول التي يطرحها قصير، وأحياناً يمضي في الحلول بتأنٍّ، كما هو حال المشاورات التي طرحها مؤخراً للأحزاب والقوى السياسية، ولجان المقاومة، والمجموعات النسائية وغيرهم، للخروج بالبلاد من الأزمة التي يعيشها السودان، ودخل فيها منذ أكتوبر الماضي. فولكر دون غيره من المنظمات العاملة بالسودان، ظل يعمل لإنتاج حلول للأزمة، ولم يكتفِ بإدانة الانقلاب عبر البيانات فحسب، لكن هذا الأمر أزعج الكثيرين واعتبروه تدخلاً في الشأن السوداني، وبعضهم وصفه بالمستعمر الجديد . وكان آخر أولئك الرفضين للجهود الأممية بالسودان، مبادرة (سودانيون من أجل السيادة)، التي نظمت تظاهرة أمام مقر بعثة (يونيتامس) بالخرطوم، الأسبوع الماضي، ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بطرد البعثة؛ بحجة أنها تتدخل في الشأن السوداني، ولافتات أخرى تؤكد أن حل مشاكل البلاد يتم عبر السودانيين أنفسهم . وردر فولكر، على حسابه بتويتر، على المتظاهرين بأن البعثة موجودة بطلب من الحكومة السودانية، وبموافقة مجلس الأمن، واتهم حزب المؤتمر الوطني بتنظيم المظاهرات. ليس مستعمراً المبادرة وجدت قبولاً كبيراً حتى من الأحزاب التي شاركت النظام السابق لآخر لحظة، والتقى فولكر الحزب الاتحادي (الأصل)، وحزب المؤتمر الشعبي، أمس الأول، الذي أكد أن حل الأزمة الحالية يكمن في تنحي العسكر، وقال الأمين السياسي للحزب، د.كمال عمر، في تصريح ل(السوداني)، إن لقاءه مع فولكر من أجل تسليمه رؤيته لحل الأزمة، مشيراً إلى أن فولكر ليس مستعمراً أو حاكماً عاماً للسودان، كما يدعي البعض، وقال إن حزبه لا ينفصل عن العالم، لذلك يرحب بالحل الذي يخرج البلاد من أزمتها، وقال إنه مسهل للحوار بين المكونات السودانية، ولا يحمل أي أجندة خارجية. الشعبي والاتحادي بالمقابل وجدت تلك الأحزاب نفسها في مرمى النيران، فهي تريد التقرب من قوى الحرية والتغيير بأي وسيلة، وعملت على تغيير جلدها سريعاً، وتريد أي وسيلة يمكن أن تعيدها إلى المشهد السياسي مرة أخرى، مشيرين إلى أنها الآن انتقلت إلى خانة معارضة النظام السابق الذي تقلدت فيه وظائف كبيرة، فهي الآن في حيرة من أمرها، فهي لم تنل رضاء "قحت"، وأغضبت المؤتمر الوطني الذي قاسمته السلطة. وقال الناطق باسم الحزب الشيوعي، فتحي فضل، في تصريح ل(السوداني)، يوجد تغيير في موقف حزب المؤتمر الشعبي، لكن إلى أي مدى يتلاءم مع الشارع ، مشيراً إلى أنه مطالب بتحديد مواقفه أكثر وأكثر من التصعيد الجماهيري الموجود، ومدنية وديمقراطية الدولة، ومن هنا تأتي محاكمته، وأضاف: "الحزب الاتحادي الأصل ارتبطت قياداته بالسلطة، إذا كانت رجعية أو ديكتاتورية عسكرية، بالتالي لا مكان له في أي وضع وطني، ولا يفيد الحركة الجماهيرية، مستدركاً: "نحن لسنا ضد الاتحاديين، ولا نعطي صكوك المشاركة لأحد" . موقف السيادي مجلس السيادة رحب بالمشاورات التي أطلقها فولكر، وقال نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، محمد حمدان (حميدتي) خلال مخاطبتة الإدارات الأهلية، إن مبعوث الأممالمتحدة يجب أن يكون مسهلاً، وليس وسيطاً، مؤكداً أن مجلس السيادة "لا يعادي ولا يقاطع المجتمع الدولي، لكنه يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد" . وكان فولكر قال في وقت سابق إن المؤسسة العسكرية في البلاد لا تعترض على مبادرة البعثة حول إعلان المحادثات بشأن الانتقال السياسي في السودان. رأي الشيوعي الناطق باسم الحزب الشيوعي، فتحي فضل، أشار في تصريح ل(السوداني) إلى أن الأممالمتحدة والمجتمع الدولي رغم وقوفه مع المكون المدني، إلا أنه اعترف بأهمية المكون العسكري، وجدد رفض حزبه للشراكة مع العسكر، مشيراً إلى أن حزبه تحفظ على المشاورات التي طرحها فولكر، لأنها لا تستثني حتى العسكريين، وقال: "لا يمكن جر الحركة الجماهيرية إلى الوراء، وتمسك بشعار (لا شراكة لا تفاوض ولا مساومة مع العسكر)، وأي محاولة لخروج العسكر من المأزق الذي أدخلوا أنفسهم فيه مرفوض، منوهاً إلى أن السبب الآخر لتحفظ حزبه على المبادرة، هو أن الوثيقة الدستورية بكل عيوبها كانت الأساس للتحول الديمقراطي، لكن الآن مُزقت، وليس لها معنى، ومن الأشياء الأساسية فيها السلام الذي لم يتحقق . قبول المبادرة وقال رئيس بعثة يونيتامس، فولكر بيرتيس: "لا نريد توقع نتائج في المرحلة الراهنة، وستوجه المشاورات الأولية طبيعة خطواتنا في المرحلة التالية"، وبحسب مراقبين فإن ما ذهب اليه فولكر ربما هذا رد على بعض ما تم تداوله في بعض مواقع التواصل الاجتماعي بأن المشاورات لم تثمر حتى الآن، وأن الشقة بين الأحزاب ما تزال بعيدة، بالتالي جلوسهم للحوار في مائدة واحدة شبه مستحيل . وأشار، في وقت سابق، إلى أن المبادرة وجدت قبولاً ومباركة من كل الأطراف السودانية، وقال إن المبادرة إذا سارت كما تم التخطيط لها فإنه سيتم أولاً التوافق حول بعض النقاط، ومن ثم الانتقال إلى النقاط الأخرى وصولاً إلى تقديم المساعدات للسودان، متوقعاً أن تقود المبادرة إلى بناء الثقة بين الأطراف السودانية والتقليل من أعمال العنف . رفض اللقاء لجان المقاومة انقسمت حول مبادرة فولكر، بعضها اعتبرها حلاً للأزمة الحالية، ويمكن أن يكون مسهلاً أو ميسراً للحوار، وهو شخصية مقبولة لدى الأطراف ، مشيرين إلى جهوده في إقناع رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالعودة إلى منصبه بعد انقلاب 25 أكتوبر. والتقي فولكر بممثلين من لجان مقاومة دارفور، لكن لجان مقاومة مدني اعتذرت عن قبول دعوة الاجتماع، وقالت في بيان "نهيب بجميع لجان المقاومة الانتباه إلى مخاطر الانقسامات الداخلية والخلافات التي تسببها مثل هذه الدعوات، لأن الانقسام في هذه اللحظة يهدد ثورة ديسمبر ويعطلها، وأضافت: "نلتزم بمبدأ السيادة الوطنية القائم على أن حل مشكلات السودانيين سيكون عبرهم، ومن أجل حماية مصالحهم، والالتزام بإعادة ملكية السودانيين لقرارهم"، وتمسكت بقرار الثوار والثائرات أنه لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية . نجاح المبادرة القيادي بالحرية والتغيير، جعفر خضر، رهن نجاح مبادرة فولكر بإبعاد العسكريين عن الحوار، وقال: "عليه أن يعرف أن الانقلابيين تجاوزهم الشارع، وإذا كان يريد أن يساعد السودان، فعليه أن يعمل على كيفية إبعادهم عن المشهد" . وأضاف، في تصريح ل(السوداني)، أنه "لا يمكن أن يضحي فولكر بالشعب السوداني، مقابل الخمسة أشخاص العسكريين الموجودين في السلطة"، مشيراً إلي أن عليه الانتباه لتعقيدات المشهد السوداني، والحث الثوري الذي تجاوز المكون العسكري المسيطر على البلاد الآن، بالتالي الحوار سيكون للقوى الثورية، وليس مع المكون العسكري من باب لا شراكة ولا تفاوض ولا مساومة مع العسكر، وقال إن المهمة العاجلة والضرورية هي توحيد القوى الرافضة للانقلاب لاستكمال ثورة ديسمبر . ممارسات استبدادية عدد من الأحزاب التي التقت ممثل الأممالمتحدة أشارت إلى مطلوبات مهمة يجب أن تتوفر لنجاح المبادرة، وبعضها قدم رؤية متكاملة لنجاح المبادرة والمرحلة الانتقالية ككل، من بينها حزب الأمة القومي الذي طالب بتهيئة المناخ أولاً، موضحاً أنه لا يمكن إجراء المشاورات في ظل قانون الطوارئ، والقتل، والاعتقالات، ومهاجمة المستشفيات، وتكميم الإعلام وغيرها من ممارسات انقلاب 25 أكتوبر الاستبدادية، إضافة لما يراه الحزب مطلوباً من البعثة من شفافية، على ألا تقف محايدة إزاء الانتهاكات، وينتظر أن تدينها بوضوح. واقترح الحزب أن تنتهي المشاورات بعقد مؤتمر تأسيسي أو مائدة مستديرة تحدد الملامح الرئيسية لفترة انتقالية مجدية مدتها (15 (شهراً. ميلاد المبادرة الشهر الماضي أطلقت الأممالمتحدة مشاورات أولية مع المدنيين والعسكريين في السودان؛ بهدف حل الأزمة التي تشهدها البلاد عقب الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الماضي، وقالت وقتها إنه ستتم دعوة كل أصحاب المصلحة، من المدنيين والعسكريين بما في ذلك الحركات المسلحة، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والمجموعات النسائية، ولجان المقاومة وغيرهم، مشيراً إلى أن العنف المتكرر ضد المتظاهرين السلميين عقب الانقلاب أسهم في تعميق انعدام الثقة بين كل الأحزاب السياسية في السودان، لافتاً إلى أنه حتى الآن لم تنجح كل التدابير التي تم اتخاذها في استعادة مسار التحول الديمقراطي.