الحالة السياسية للفترة الانتقالية تمر بأزمة حقيقية؛ بسبب احتدام الصراع الخارجي على الدولة السودانية، ومحاولة السيطرة عليها، والصراع الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية بمساعدة فرنسا، وعدد من الدول الأوربية لبسط نفوذها يقوم على محاولة إبعاد الصينوروسيا من أفريقيا بشكل عام، والسودان على وجه الخصوص. ولأن الوجود الروسي الصيني بالسودان عميق جداً، وجاء نتيجة التعاون مع حكومة البشير، لذلك ناصبتها الولاياتالمتحدةالأمريكية العداء، وأوقعت عليها عقوبات قاسية، تجاوزتها حكومة البشير بفضل التعاون مع روسياوالصين في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وقد كان دعم الدولتين للسودان في اجتماعات مجلس الأمن واضحاً تجاوز بهما السودان العديد من القرارات والعقوبات. السودان استطاع عبر التعاون الروسي من بناء جيش قوي، وتمكن عبر التعاون الاقتصادي مع الصين من استخراج البترول، وشهد السودان نتيجة التعاون الاقتصادي مع الدولتين تحقيق نمو بلغ (4.1%)؛ مما اضطر الولاياتالمتحدةالأمريكية لممارسة المزيد من الضغوط السياسية بفصل جنوب السودان، ودعم ثورة شعبية ضد النظام السابق في 2013، نجح النظام في إخمادها، ثم عادت لتبني ثورة ديسمبر التي انتهت بسقوط نظام البشير. الشراكة مع دولتي روسياوالصين كانت مرآة واضحة، باعتبار أن هناك نجاحاً تحقق على أرض الواقع يتمثل في العديد من الشركات الكبرى التي استثمرت في السودان، وبالمقابل فإن تجارب الولاياتالمتحدةالأمريكية في السودان، وفي الدول التي سيطرت عليها أثبتت أن التعاون معها لا فائدة منه، وأن وجودها يرتبط بعدم الاستقرار، وتراجع الدول وزيادة الخلافات، والمعروف أن أمريكا ليس لها سجل مشرف يحفز للتعاون معها، وإنما مصلحة خاصة تجنيها، وتغادر غير عابئة بعدها بمصير الدول والشعوب. السودان، سواء رضي أم أبى، أصبح ساحة تنافس ومسرح عمليات للقوى العظمى، على موارده عبر التحالفات مع الحكومة الانتقالية، وهذا يتطلب من الحكومة الانتقالية، بكل مكوناتها، وضع مصلحة السودان نصب أعينها، حتى لا تجد نفسها أمام الأمر الواقع. برأيي أرى أحقية روسيا في الاهتمام بالسودان من خلال اتفاقياتها السابقة بإنشاء قاعدة عسكرية لوجستية، ومواقفها الداعمة له في المحافل الدولية. السودان استطاع تطوير قدراته العسكرية عبر تعاونه مع موسكو، في ظل حصار أمريكي؛ جراء عقوبات فرضتها واشنطن عليه، وإدراجه في قائمة تسميها (دولاً راعية للإرهاب). واشنطن تعتمد في ترسيخ نفوذها في السودان على الانفتاح الأمريكي الجديد عليه، بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب وبعض المساعدات غير الكافية. كما أن دعم الحكومة الأمريكية للمكون المدني على حساب الجيش، قراءة غير صحيحة، تؤكد بأنها بعيدة عن فهم تعقيدات الدولة السودانية.