كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً عندما انطلق صوت دوي اختلط مع صوت المطر والرعد والبرق الذي وقتها كان يشلع من كل الاتجاهات ليتبين لأهل الحي أن الصوت آتٍ من منزل الحاج عبدالعظيم ليسارع الجميع نحوه ليجدوا منزله قد انهار بسبب الأمطار الغزيرة التي جعلت غرف منزله مثل المصفاة في الوقت الذي امتلأ حوش منزله بمياه الأمطار وخابت كل المحاولات في إخراجها عبر مصرفها الرئيسي لكثافة المياه التي إحاطت بالمنزل و المنازل المجاورة ليهرع الجميع لإنقاذه، وقتها كان جميع أفراد أسرته خارج المنزل لينهار المنزل على أثاثه ليسارع أهل الحي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و احتواء الجيران لعائلته، ويقومون بعد فترة بعمل نفير لتشييد المنزل مرة أخرى. (1) مع اقتراب موعد فصل الخريف بالسودان نجد أن كثيراً من الأسر تكون في حالة قصوى من الاستعداد والتأهب وذلك بتهيئة المنازل لاستقبال الخريف وتحديداً المنازل التي تكون مشُيدة من الطين و أخرى متهالكة ولا تقوى لمجابهة الخريف، ليقوم رب الأسرة بنظافة أسطح الغرف وذلك بترقيع الثقوب التي يتساقط من خلالها المطر بالداخل إلى جانب فتح (السبلوقات) التي تمر منها مياه الأمطار إلى جانب فتح المجاري التي تساعد على خروج المياه إلى مجاريها الرئيسية، إلا أن للخريف مفاجآت ودائماً ما يأتي مخلفاً خسائر في الأرواح والممتلكات وبالرغم مما تقوم به الحكومة ومنظمات المجتمع المدني من جهود إلا أن النفير في الأحياء والقرى النائية دائماً ما يكون سيد الموقف. (2) في العاصمة تزداد معاناة الأهالي أكثر عندما يكون الخريف وفيراً ويفيض عن الحاجة، ويصبح بمثابة سيول جارفة تجتاح الأخضر واليابس فنجد أن هناك عدداً كبيراً من الأسر (رجال، نساء، أطفال) يعملون بجهد جهيد لتفادي الضرر الذي قد يلحق بهم، في الوقت الذي تغمر فيه المياه كل الشوارع لتبقى معضلة أخرى وهي كيفية القدرة على التحرك والتنقل إلى الأسواق وأماكن العمل والمدارس وغيرها ورغم الضرر الذي قد يحيق بالكثيرين إلا أن سرعة استجابة أهل العاصمة مع النفير ضعيفة جداً عكس القرى. (3) عدد كبير من المواطنين أكدوا على ضرورة وأهمية النفير باعتباره نوعاً من التكاتف ومد يد العون عند الحاجة، مشيرين إلى أن تكاتف المواطنين مع بعضهم أقوى من الجهات الحكومية المعنية بأمرهم باعتبار أن ما تقدمه من مساعدات للمتضررين من السيول والأمطار غالباً ما تكون عبارة عن مواد غذائية قد تصلهم و قد لا تصلهم في الوقت الذي يكونون فيه أشد الحاجة لمكان يأويهم وأطفالهم حتى لا يكونوا في العراء عرضة للمارة. (4) من جانبه حكى الأمين بخيت الذي يقطن بإحدى القرى النائية بكسلا عن تجربته مع النفير وذلك عندما هدمت الأمطار العام الماضي منزله بالكامل قائلا: (اجتاحت السيول منزلي بالكامل وأصبحنا في العراء إلا أنني لم أكن قلقاً على الإطلاق بالرغم من الدمار الذي خلفته الأمطار لأنه بعد وقوف الأمطار شاركت مجموعة كبيرة من أبناء القرية لأيام متتالية في بناء منزلي مرة أخرى كما فعلوا مع آخرين مثلي ولم يكن عليَّ سوى شراء مواد البناء، في الوقت الذي تتشارك فيه كل نساء الحي في إعداد الطعام للعاملين فيما تقم الفتيات بإعداد القهوة والشاي في موقف يدل على التكاتف و الترابط وقت الأزمات).