المُتابع للشأن الداخلي لا يجدُ كبيرَ عناءٍ في ملاحظة أنَّ الحكومة الآن لا يشغلها شيء أكثر من الأزمة الإقتصادية، وللخروج من عُنق هذه الزجاجة؛ تُعوِّل الحكومة على (المعدن النفيس) لعلَّ وعسى تجد عنده الحل.. (السوداني) أجرت حواراً خاصاً مع الخبير الإقتصادي د. هيثم محمد فتحي، دارت كل أسئلته حول (فَلَك) الذهب، فمعاً إلى تفاصيله: * مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، قال في حديث سابق له، إنَّ (نظام الإنقاذ) كان يُزوِّر الأرقام الحقيقية لإنتاج الذهب بالسودان.. إلى أيِّ مدىً تتفق أو تختلف مع هذا القول؟ – ما يجبُ تأكيده أنَّ القطاع غير المُنظِّم للتنقيب عن الذهب في السودان؛ يستحوذُ على أغلبية الإنتاج، ما يُصعِّب عملية حصره وبيعه، وبالمُقابل يسهِّل مسألة تهريبه بعيداً عن القنوات الرسمية، رغم أن السودان يعتبر واحداً من أكبر ثلاثة مُنتجين للذهب في العالم. *حسب المعلومات المُتوفِّرة لك ما هي إحصائيات الإنتاج خلال السنوات الماضية؟ - إنتاج الذهب في السودان بلغ ذروته في عام 2017، حيث وصل المُنتج إلى (107) أطنان. أما في العام (2018) فأنتج السودان (93.6) طناً من الذهب. *هل لك أن تُقدِّر لنا متوسطاً سنوياً للإنتاج؟ – نعم، المتوسط السنوي في حدود (100) طن، لكن هناك تسريبات غير رسمية تتحدَّثُ عن إنتاج سنوي يتراوح بين (200 – 250) طناً من الذهب سنوياً وذهب آخرون إلى حدِّ (500) طن سنوياً. *إذن، أنت بحديثك هذا تتفقُ مع " أردول" بأن ثمة (تزييف) حدث في أرقام إنتاج الذهب؟ – نعم، هناك تضارب في الأرقام، لذا لابد من أن تتحكَّم الدولة في التصدير، التخزين والتصنيع. كما وأنَّ عليها قف باب التهريب، حتى يدخل الذهب الدائرة الاقتصادية وتكون هنالك إحصاءات دقيقة وموثوقٌ بها. *ما الذي يجعل الضوابط التي ذكرتها صعبة على الحكومات؟ - الصعوبات تنبُع من تنامي أطراف السودان، فهو دولة واسعة وتحتاج إلى عمل كبير لتنجح في ضبط إنتاج الذهب. *ننتقلُ إلى محورٍ آخر.. السودان الآن شهد انفتاحاً كبيراً على العالم الخارجي (بداية ثورة ديسمبر).. هل أسهم ذلك في زيادة إنتاج الذهب؟ - بالتأكيد فإنَّ رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان وإزالة اسمه من لائحة الدول الراعية للإرهاب قد عزِّزت من الثقة في الاقتصاد السوداني تدريجيًّا، لكن أحداث ما بعد الخامس والعشرين من أكتوبر ترتَّبت عليها مُستجدَّات أعادت السودان إلى المربع الأول – أو كادت -. *كأنَّك تربط تدفُّق الأموال الأجنبية بعودة المسار الديمقراطي؟ -بالطبع، لأنَّ ذلك سينعكس بالإيجاب تدريجيًّا على حركة رؤوس الأموال بالبلاد، حيث ستتفادى الشركات المحلية أو الأجنبية معاً، العديد من الصعوبات التي واجهتها في السنوات الماضية، وعلى رأسها تقييد التعامل مع البنوك العالمية، لا سيما البنوك الأمريكية. *وما الفوائد المرجوّة من ذلك؟ – ستؤدِّي إلى إنسياب المعاملات المالية والبنكية من الخارج، ويُضاعِف من تدفقات رؤوس أموال الشركات الأجنبية بالسوق السودانية مستقبلا، والتي اعتزمت عدد منها خاصة الروسية والصينية، بعد قيام الثورة، إلى زيادة استثماراتها بالقطاع الزراعي والتعدين بالبلاد بصفة خاصة في مجال إنتاج وتصدير الذهب. *برأيك هل يستطيع الذهب المنتج بالسودان؛ إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تُمسكُ بخناقها الآن؟ – بكل تأكيد، فالذهب المنتج يستطيع إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية، إذا استطاعت الحكومة شراء كل الكمية المنتجة. *وماذا عن أسواق الذهب السودانية، هل هي مُهيئة للمساهمة في حل أزمة الإقتصاد؟ - بشكلها الحالي لا، فهي تحتاج الآن قبل الغد إلى إصلاحات وضوابط لتشجيع الفرص الاستثمارية الوطنية والأجنبية، فالمعوقات الحالية كفيلة بأن تحد من دخول شركات جديدة للسوق المحلى. *إذا طلبنا منك حلاً لهذه المشكلة تحديداً، فماذا أنت قائل؟ - في رأيي أن الحل يكمُنُ في إعادة هيكلة السوق، ووضع دراسات لحل المشاكل والمعوقات، إذ إن القوانين والإجراءات الحالية لا تشجع على استيراد وتصدير الذهب. *هل المشكلة في (السياسات) الحكومية أم المستثمر؟ - في الاثنين معاً، ولذا لا بُدَّ من إيجاد مستثمر وطني جاد يستهدف الإنتاج بالسوق المحلى بغرض تكوين مركز تجاري والتصدير للخارج، وهذا بالتأكيد يحتاج لقوانين وآليات مختلفة وتلك من صميم مهام الحكومة. *بصراحة، هل يملك السودان من هذا المعدن، ما يُمكِّنه للريادة على الصعيد الدولي؟ - أقولها بملء الفم، إنَّ السودان يمكن أن يكون مركزاً إقليمياً لصناعة وتجارة الذهب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. *كيف يمكن تحقيق ذلك؟ -يمكن تحقيق ذلك بتأسيس بورصة للذهب، فتلك هي أُولى الخطوات الجادة لجذب الاستثمارات في سوق الذهب. *لماذا الإصرار على تأسيس بورصة؟ لأنها ستنظم حركة التداول داخل السوق، وسيكون السوق جاذباً لأكبر شريحة من التجار والمستثمرين للتعامل عليها. *هنالك مشكلات تواجه الصاغة في عملية صناعة الذهب ما يضطرهم لتصديره (خام) إلى الخارج لشَغْله بالعُملات الحرة ثم إعادته.. ما تعليقكم؟ - هذا صحيح، وبالتالي فقطاع صياغة الذهب وصناعة المشغولات الذهبية يحتاج لإعادة نظر في كثير من أعماله خاصة فيما يتعلَّق بقوانين الجمارك على الاستيراد والتصدير، ورسوم التثمين. *طيِّب ما الذي يحتاجه سوق الذهب، الآن وبشكل عاجل؟ - يحتاج إلى إعادة تنظيم وإجراء تعديلات جوهرية به، وكذلك يحتاج إلى دعم الدولة لتطويره، من خلال ضخ تمويلات ومنح تسهيلات بنكية أسوة بقروض قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. *لدفع عجلة الاقتصاد، ما هي الضوابط التي يجب اتباعها في عملية تصدير الخام واستيراد المشغول من الذهب؟ – أولاً ينبغي زيادة حجم الإنتاج وخلق مزيد من فرص العمل، وتوجيه إنتاج المشغولات الذهبية للتصدير (دول الجوار الافريقي والشرق الأوسط وشمال افريقيا)، خاصة مع تباطؤ حركة المبيعات، بفعل انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. *منذ العهد البائد يتحدّث المسئولون أن التعدين الأهلي له النصيب الأكبر في إنتاج الذهب.. كيف يمكن الاستفادة منه في حل الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها الآن؟ - يمكن فعل ذلك بوقف نزيف عمليات التهريب الذي بسببه فقد السودان أطناناً عدة من الذهب خلال سنوات طويلة، من خلال فك احتكار التصدير الذي كانت تسيطر عليه الدولة من طريق بنك السودان المركزي بتحديد أسعار غير مرضية للمنتجين ما يجعل تدفق الذهب السوداني إلى الأسواق الخارجية يتم بانسيابية تامة وطُرق مؤسساتية، تسهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير بدعم موارد حرة حقيقية. *الشركة السودانية للموارد المعدنية تُعوِّل كثيراً على (الذهب) لإصلاح حال الاقتصاد.. إلى أي مدى يمكن أن تنجح في تحقيق مسعاها هذا؟ – في تقديري ستنجح إذا تمكَّنت من إنشاء البورصة لأنَّ ذلك سوف يعمل علي التساوي بين السعرين العالمي والمحلي، وبالتالي لن يكون هناك سوق سوداء وسوق موازٍية للذهب في السودان، بل سيكون هناك تعامل وفقاً للسوق العالمي فقط الذي تتحكم فيه قوى العرض والطلب العالمية.. بذلك يمكن أن تكون مساهمة الذهب مُقدَّرة جداً في تنمية وتحسين الاقتصاد السوداني خلال المستقبل القريب، ما سيؤدي بلا شك إلى فك الاختناقات والأزمات الخدمية والمعيشية التي ظل يعاني منها المواطن سنوات طويلة. *الحكومة قالت إنها ستنشيء ثلاثة مصانع للذهب بجبل عامر في حين أن هنالك أنباء عن نضوب أو قِلّة إنتاج الذهب فيه.. ما تعليقكم؟ – المصلحة الوطنية تقتضي إعادة النظر في المربعات الخاصة بالتعدين في منطقة جبل عامر وطرحها عبر الشفافية الكاملة للاستثمار المحلي والأجنبي وترتيب قطاع المعادن في السودان والاستمرار في الجهود الخاصة بإعادة كافة أوراق ومستندات الشركات التي منحت للتنقيب للدولة وإعمال الشفافية والقانون إلى جانب مراعاة كل الجوانب الفنية للعمل. *مجالس المدينة تتحدَّثُ باستمرار عن شركات حكومية (رمادية) تُهيمنُ على الإنتاج وتتحدَّى قرارات الحكومة أحياناً، ما أثر ذلك على الاقتصاد؟ – الشركات الرمادية المملوكة للجهات النظامية سواء كانت مدنية أو عسكرية تؤثر سلباً على الاقتصاد، ما يتطلب إعادة النظر فيها وتكوينها وكيفية عملها باعتبار ما تسببه من ضرر للاقتصاد بتضييق فرص العمل للقطاع الخاص. *منذ العهد البائد؛ وإلى يوم الناس هذا، ظلت القرارات والضوابط الحكومية الخاصة بإنتاج وتصدير الذهب، تتواصل بكثافة.. برأيك ما أثر ذلك على اقتصاد البلد؟ – بالتاكيد، أيِّ قرار تتخذه الحكومة يؤثر على كافة المتغيرات في الاقتصاد وتتوقُّفُ درجة هذا التأثير وطبيعته (إيجاباً أو سلباً) على عوامل متعددة.. وهذا ما يعانيه قطاع المعادن في السودان، خاصةً معدن الذهب بحيث تتعدَّد القرارات والسياسات بتعدُّد وتغيير الوزراء أو المديرين وهذا ما أقعد القطاع كثيراً، ولذا لابُدَّ من إستراتيجية ثابتة يتم وضعها من قبل أهل الاختصاص وذوى الشأن بمهنية عالية ومُتقنة مع ضرورة الابتعاد نهائياً عن (المُؤثِّرات) السياسية بكل أشكالها.