الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها في أغسطس 2019م بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بالخرطوم، طالتها سهام النقد، ومطالبات بتعديلها خاصة بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي، الذي فض الشراكة بين المكونين، بعد أن تم تجميد بعض بنودها المتعلقة بمجلسي السيادة والوزراء، وأخرى متعلقة بالحرية والتغيير. بالمقابل هناك مطالبات أخرى بضرورة العودة إليها، فهل ذلك ممكن؟ ولماذا؟. اللاءات الثلاث: أحزاب وقوى سياسية تتمسك بضرورة وجود وثيقة دستورية جديدة؛ بحجة أن القديمة ترجع السودان إلى ما قبل 25 أكتوبر الماضي، بالتالي ضمان بقاء العسكريين في السلطة، وهذا الأمر مرفوض لديهم، لأنها ترفع شعار اللاءات الثلاث، ومستمرة في حراكها بالشارع لإسقاط الانقلاب، وقالت إن لديها برنامج لما بعد الانقلاب، حتى لا تقع في الخطأ الذي وقعت فيه القوى السياسية بعد 11 أبريل لأنها لم ترتب ماذا تفعل بعد سقوط البشير. لكن قوى أخرى تعتبر أن الوثيقة الدستورية الحالية جيدة، ويمكن إجراء بعض التعديلات عليها، لكن تم تصنيف أصحاب هذا الرأي بأنهم مؤيدون للاجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة في 25 أكتوبر الماضي، وأنهم الحاضنة السياسية للعسكريين . وثيقتان دستوريتان: بعد أكثر من شهر على توقيع الوثيقة الدستورية عرف السودانيون أن هناك وثيقتين دستوريتين؛ الأولى بها 70 مادة، والثانية بها 78 مادة، وكان الحديث وقتها بأيهما تُحكم الوثيقة الدستورية، ودافع بعض القانونيين الذي ساهموا في كتابتها، بأن ما حدث هو تعديل في الصياغة، وليس إضافة مواد جديدة، مؤكدين وجود وثيقة واحدة فقط . لكن اتفاق جوبا للسلام أدى إلى فتح الوثيقة الدستورية وأضيفت لها المادتان (79) المتعلقة بإدماج اتفاقية جوبا في الوثيقة الدستورية، وتصبح جزءاً منها، وأعطتها قيمة دستورية أكثر من الوثيقة، بحيث إنه في حال وجود تعارض بين حكم في الوثيقة وحكم في اتفاقية جوبا يسود الحكم الوارد في الوثيقة، والمادة (80) تشكيل مجلس الشركاء . تلاعب بالوثيقة : رغم أن المطالبات بتعديل الوثيقة الدستورية بدأت بعد فترة وجيزة من التوقيع عليها في أغسطس 2019م، لكن بلغت ذروتها بعد أن كشف نائب رئيس حزب الأمة القومي، د.إبراهيم الأمين، في مقابلة تلفزيونية بقناة (الجزيرة) عن تعديل طرأ على الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وقال إن ثلاثة أعضاء من المكونين المدني والعسكري، أدخلوا تعديلات عليها بشكل منفرد والتلاعب بها دون علم طرفي التفاوض. وأضاف الأمين: "لهذا السبب تقدمت باستقالتي ولم أتحدث وقتها حفاظاً على هيبتها، وسأدلي بإفاداتي حال تم التحقيق في ذلك، واعتبر إضافة المادة (80) باتفاق جوبا للسلام بالوثيقة الدستورية، بأنها جريمة وتسببت في إرباك الساحة السياسية . ليست قرآناً: ويؤكد رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في فض اعتصام القيادة العامة، رئيس اللجنة القانونية بالحرية والتغيير، نبيل أديب ل(السوداني) أن ما حدث في 25 أكتوبر مخالف للوثيقة الدستوية، وسبب ربكة في تطبيقها ويجب العودة لها، وقال إن إي جهد بشري فيه أخطاء لكن احترام الدستور هو أساس النظام الديمقراطي، وأن سلطة تعديل الدستور ترجع للسلطة التأسيسية الفرعية، وأضاف: "الوثيقة الدستورية يتم تعديل الدستوري بثلثي أعضاء المجلس التشريعي مجمعين، لذلك اعترضت على تعديل الوثيقة بواسطة الاجتماع المشترك"، وتابع: "وأعتقد لا توجد سلطة لتعديلها بخلاف المجلس التشريعي بالأغلبية المطلوبة" . مؤكداً أن الغرض من التوافق هو العودة للوثيقة الدستورية، وبعد ذلك يمكن تعديلها وفق أحكامها، وهي ليست قرآناً منزلاً – حد تعبيره. بلاغ جنائي : الخبير القانوني المعز حضرة، انتقد في تصريح ل(السوداني) تصريحات نبيل أديب، وقال بما أنه رئيس لجنة تحقيق مستقلة في جريمة ربما يكون المتهمون الأوائل فيها بعض المسؤولين في السلطة الآن، وقال كان عليه أن يمتنع عن إطلاق التصريحات السياسية ويلتزم الحياد . واضاف حضرة أن الوثيقة الدستورية حدث لها تقويض، وإذا كان حريصاً عليها، كان عليه أن يطالب بفتح بلاغ جنائي تحت المادة (50) من القانون الجنائي 1991م . مشيراً إلى أن استعادة الحريات أو الوثيقة الدستورية لا تحتاج إلى حوار، وقال إن نبيل لم يستمع لنصيحة علي محمود حسنين قبل يومين من وفاته في برنامج تلفزيوني بعدم الدخول في حوار مع العسكر، ويجب أن تقوم المؤسسة العسكرية بدورها وتترك الحكم للمدنيين . وثيقة جديدة : الحزب الشيوعي أعلن في وقت سابق، عن بدء قوى سياسية في خطوات عملية للاتفاق حول وثيقة دستورية جديدة لإنقاذ البلاد، وإعادة الثورة إلى مسارها الطبيعي. مشيراً إلى أن الوثيقة الجديدة لا تضم المكون العسكري، وبقايا النظام السابق، الذين ساهموا معه في ضياع ثلاث سنوات من عمر الثورة، مضيفاً: "لا يمكن العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر خاصة مبادرة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، سيما وأنهما يرتكزان على الوثيقة التي أصبحت ليست الوثيقة التي تم التوقيع عليها في العام 2019م. غير معقول : الخبير القانوني أحمد موسى يذهب، في تصريح ل(السوداني)، إلى أن الحديث عن وثيقة دستورية جديدة يتم الإعداد لها تعزل المكون العسكري والقوى السياسية التي شاركت النظام البائد والذين أسهموا في الأحداث السياسية للسنوات الثلاث السابقة يمكن أن نسميها وثيقة "لا تبقي ولا تذر" وهي وثيقة تفتقد لابسط الاحتياجيات الوطنية لإعداد وثيقة دستورية جامعة، وهو "التوافق الوطني". واشار موسي إلى أن الوثيقة الدستورية تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وهي مشروع وطني عريض لا يمس الجهاز التنفيذي فقط أو الحاضنة السياسية فقط، ولكن ينظم حتى أشكال المعارضة السياسية، والإقصاء غير مقبول في أي مشروع دستور وطني، لأنه سيمنح البعض حقوقاً ويمنعها عن البعض، وهذا ضرب للوثيقة نفسها في مقتل بمنح التمييز قوة دستورية، وقال هذا غير مقبول. أين الخطأ؟ : وأوضح أديب، في تصريح ل(السوداني)، أن الوثيقة الدستورية تؤكد أهمية وجود نظام ديمقراطي برلماني لا مركزي، ويوجد اتفاق علي هذا الأمر بالتالي لا حاجة لوثيقة جديدة، مشيراً إلى أنه بحسب الوثيقة تم تشكيل مجلسي السيادة والوزراء ، وقال لم يتم تشكيل عدد من الهياكل والبعض يقول إنها وثيقة معيبة، وتساءل: أين الخطأ في الوثيقة حتى يتم تعديله أو إلغاؤه؟، معتبراً أن الهجوم على الوثيقة نوع من التخوين، وهو نفس الأمر الذي أدى إلى تشرذم قوى الحرية والتغيير .