ماتزال البلاد تشهد موسم المبادرات السياسية في محاولة لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها منذ انقلاب 25 أكتوبر، وكان آخرها مبادرة التوافق الوطني، بقيادة مني أركو مناوي، والمبادرة السودانية للترتيبات الدستورية، بقيادة الحزب الاتحادي (الأصل) بقيادة نائب الرئيس جعفر الصادق، حيث تم التوقيع على إعلان سياسي للترتيبات الدستورية، حدد مدة الفترة الانتقالية وهياكل الحكم فيها. كتبت: وجدان طلحة البرهان حمدوك نوفمبر الماضي كان ميلاد مبادرات، أول المبادرات عرف باتفاق (البرهان وحمدوك)، الذي بموجبها عاد رئيس مجلس الوزراء السابق، د.عبد الله حمدوك، لمنصبه، لكن لم يصمد الاتفاق في وجه الاحتجاجات التي شهدها الشارع السوداني رفضاً للخطوة، واستقال حمدوك بعد أكثر من شهر من ذلك الاتفاق. عشرات المبادرات تم طرحها في الساحة السياسية، إلا أنها ظلت حبر على ورق، ولم تر طريقها للتنفيذ، وفسر البعض الخطوة بأن تلك القوى السياسية، ترغب في اللحاق بقطار المبادرات، وتريد أن تقول إنها موجودة، بعضها قدم أطروحات حل الأزمة السودانية إلى رئيس مجلس السيادة وآخرين طرحوها للرأي العام ليقول رأيه فيها. بعض القوى السياسية قدمت مبادرة وطرحت نفسها كحاضنة سياسية، رغم أنها قدمت نفسها للمكون العسكري سابقاً، وكانت تعتقد أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، سيشكل الحكومة الانتقالية عقب انقلاب أكتوبر مباشرة، لكن لم يفعل نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية التي مورست عليه بضرورة تشكيل حكومة مدنية. لا نستلطف: مستشار رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، ميرغني بركات، أكد في تصريح ل(السوداني) أن إعلان الترتيبات سيدعم الحكومة القادمة، لأنه يحتوي على كل ما يتعلق بالفترة الانتقالية وبرنامجها والإعداد للانتخابات. بركات أكد أن الإعلان ما يزال مفتوحاً لكل الأحزاب والقوى السياسية للتوقيع عليه، ما عدا حزب المؤتمر الوطني. وحول رفض الحرية والتغيير (المجلس المركزي) لهذا الإعلان، قال: "نحن لا نستلطف رضاها، نحن كيان قائم بذاته، ونمضي وفق رغبات الشعب السوداني"، مستدركاً: "الإعلان وجد قبولاً كبيراً لأنه يمثل حلاً لمشكلة البلاد، ويمكن أن يعبر بالفترة الانتقالية إلى مرحلة الانتخابات، ووارد أن تقبل مجموعة المركزي بالإعلان، ونحن لم نطالب قحت بالانضمام ولم نفرضه عليها". سيناريوهات خطيرة: الواقع يُشير إلى أن بعض القوى السياسية لن تقبل بالإعلان الدستوري، وهي التي تصنف نفسها بقوى الثورة الحية، لأنها ترفض اللقاء بالقوى التي ساعدت في انقلاب 25 أكتوبر، والأحزاب التي شاركت النظام السابق حتى إسقاطه، والأحزاب التي تتمسك بإسقاط الانقلاب العسكري. محللون سياسيون أشاروا إلى أنه إذا لم يتم التوافق على إعلان الترتيبات الدستورية الذي طرحته قوى التوافق الوطني والمبادرة السودانية للترتيبات الدستورية، لن يكون له دور في تشكيل الحكومة القادمة، داعين القوى السياسية إلى تقديم تنازلات ووضع مصلحة البلاد فوق المصالح الحزبية، محذرين من عدم التوافق لأن الوقت يمضي بينما تزداد الأزمات الاقتصادية والأمنية تعقيداً، وأن الوضع يُشير إلى سيناريوهات خطيرة يمكن تداركها بالتوافق. اتفاق جوبا للسلام منح حركات الكفاح المسلح (25%) من السلطة التنفيذية، وتم تعديل الوثيقة الدستورية وتضمين هذه النسبة، رغم أن بعض القانونيون كان يعارض هذا الأمر، وتم تقديم طعن لدى المحكمة حول مدى دستورية تعديل الوثيقة الدستورية 2022م. لكن السؤال هل ستكون نسبة ال25% محفوظة لحركات الكفاح المسلح في الترتيبات الدستورية أم لا؟، لكن إذا ظل الوضع كما هو سيكون نصيبها محفوظاً، وإذا حدث تعديل ستكون النسبة في رحم الغيب. مصالحها الذاتية: رئيس المكتب التنفيذي لمبادرة نداء أهل السودان، هاشم قريب الله، أكد، في تصريح ل(السوداني)، دعمهم بصورة مطلقة لتوحيد الرؤى والمبادرات وصولاً إلى اتفاق عام للخروج من الأزمات التي تعيشها البلاد، ويعيد للشعب السوداني الحكومة التي افتقدها لمدة عام. وحول هل يمكن أن تنضم مبادرة أهل السودان إلى مبادرة التوافق الوطني ومبادرة الترتيبات الدستورية، قال قريب الله: "لا مانع أن نصل معهم ومع غيرهم إلى اتفاق يجمع الناس ويمكنهم من تحقيق نجاح الفترة الانتقالية". وأضاف: "إن نداء أهل السودان يهدف إلى تحقيق وفاق بين مكونات السودان السياسية والمجتمعية"، مشيراً إلى الإعلانات السياسية التي تم طرحها في الفترة الماضية، وقال: "في سبيل الوحدة لا بد من مشتركات تجمعها". قريب الله قال: "لا أتهم الناس في النوايا، لكن يجب على مركزية الحرية والتغيير أن ترتفع من مصالحها الذاتية والحزبية إلى مصلحة البلاد، والعبور بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان"، ومضى في القول: "مهما طالت الفترة فإن الانتخابات هي الآلية لتقييم الفاعلين في الساحة السياسية، ومن الذي يمثل الشعب السوداني". قوى إسلامية: تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنباء حول أن إعلان الترتيبات الدستورية سينضم إليه إسلاميون لاحقاً، وأنهم سيكونوا جزءاً من الحاضنة السياسية للحكومة القادمة، لكن مساعد رئيس حركة تحرير السودان، برئاسة مني أركو مناوي، نور الدائم طه، أوضح، في تصريح ل(السوداني)، أنه لن يتم إقصاء لأي جهة في الفترة الانتقالية؛ إلا المؤتمر الوطني والذين أجرموا في حق الشعب السوداني: "وتساءل من هم الإسلاميون؟ إذا كان المقصود حزب المؤتمر الشعبي فهم جزء من العملية السياسية"، وقال إن الإسلاميين كلمة فضفاضة. نور الدائم أشار إلى أن التوقيع على الترتيبات الدستورية من أجل خلق أكبر كتلة مدنية تساهم في الانتقال الديمقراطي، مشيراً إلى أنه ضم أكبر مجموعتين في الساحة السياسية الحرية والتغيير كمكون أساسي، والاتحادي (الأصل) كأكبر حزب في الساحة السياسية، وقال إن التوقيع هو تمهيد للاتفاق على الترتيبات الدستورية، وهي أهم خطوة للاتفاق، وأضاف: "نسعى من خلال التوقيع إلى الحوار والتشاور مع الكتل الأخرى في الساحة السياسية للوصول إلى الشخص المناسب لقيادة مجلس الوزراء ومجلس السيادة"، مشيراً إلى أن العقبات التي تواجه هذا الإعلان هي قديمة متجددة حول اتفاق أهل السودان وهذه مشكلة تاريخية، ولكن يمكن إزاتها إذا أدركت القوى السياسية خطورة ما ستؤول إليه البلاد في حال عدم التوافق . وقال إن هناك قوى أخرى يجب أن تكون جزءاً من الفترة الانتقالية مثل المجلس المركزي، ولجان المقاومة، وأضاف: "نحن والمجلس المركزي متفقون على 50% من حيث الموضوعات، والاختلاف سياسي حول قبول الآخر" . الوثيقة الدستورية: التوقيع على الترتيبات الدستورية يهدف إلى إعادة العمل بالوثيقة الدستورية بالشكل الذي يناسب التغييرات التي حدثت بعد انقلاب 25 أكتوبر .. وهو إعلان يلزم قبوله من القوى المدنية حتى يكون له فعالية ، ولا يتم وضعه بإهمال بالإدراج . مراقبون أكدوا أنه من مصلحة القوى السياسية التي ساهمت في ثورة ديسمبر أن تتوافق على الإعلان، خاصة أن الخلاف ليس أساسياً بين ما طرحته مجموعة التوافق الوطني ومبادرة الترتيبات الدستورية، ومقترح الدستور الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين الذي تؤيده أحزاب المجلس المركزي للحرية والتغيير، بالتالي من السهل أن تنضم هذه المجموعة إلى مبادرة الترتيبات الدستورية . الخبير القانوني نبيل أديب أوضح، ل(السوداني)، أن مشروع الدستور الانتقالي يحتاج إلى سلطة تأسيسية لإجازته، وتساءل أين هذه السلطة؟، وقال: "بدلاً عن التفتيش عن سلطة تأسيسية بعيدة المنال يجب والأفضل تعديل الوثيقة الدستورة خاصة أنها مقبولة من الجميع"، مستدركاً: "رغم أنني شاركت في صياغتها إلا أنني لم أكن راضياً عن بعض الأحكام التي صدرت فيها، وتم تعديلها في وضع المكون العسكري وطريقة تعيين رئيس القضاء وغيرها"، وقال: "ليس لديَّ عصبية في ما قمت به، لكن العصبية في الدستور ولا يمكن أن نتعامل معه كأنه قطعة يجب تغييرها متى ما شئنا، أنا وقفت ضد مشروع الدستور الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين". اتفاق السلام : بعض الأحزاب والقوى السياسية هاجمت إعلان الترتيبات الدستورية، واعتبرته خطوة استباقية لما يمكن أن يحدث في الفترة السابقة من مجموعة قوى الثورة خاصة بعد إلغاء الوثيقة الدستورية التي ضمنت الامتيازات الحالية لحركات الكفاح المسلح . وقال عضو حزب الأمة القومي، عروة الصادق، في تصريحات صحافية أمس، إن موقعي الإعلان السياسي يبحثون عن أي وسيلة لتشكيل الحكومة القادمة بصورة تضمن عدم المساس أو تعديل اتفاق السلام، كما أنهم يعتقدون بأن الحرية والتغيير تريد تجريدهم من هذه المكاسب، مشيراً إلى أن الهدف من توقيع الإعلان هو قطع الطريق أمام ما يمكن أن تتمخض عنه تحركات المجموعة الرباعية أميركا وبريطانيا والإمارات والسعودية أو الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأممالمتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد. عروة قال هناك دول ليس لها نفوذ في المجموعة الرباعية والآلية الثلاثية، وتريد إيجاد موطئ قدم لها عبر هذه المبادرات.